< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(2)

 

ولكنَّ الإنصاف : أن هناك جوابين عن هذه الرّوايات:

الأوّل: أن تحمل الرّوايات الثلاث الأخيرة على أنّ المراد ما ثبت وجوبه من السنّة النبويّة مقابل الكتاب العزيز، كما هو كثير في الروايات، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (لا تعاد الصَّلاة إلَّا من خمسة -إلى أن قال:- والقراءة سنّة، والتشهّد سنّة، ولا تنقض السّنّة الفريضة)، مع أنَّ القراءة واجبة، بلا إشكال، فالمراد ثبوتها عن طريق السّنّة، وكذلك الحال في التشهّد.

وممّا يدلّ على أنَّ المراد هو ما ثبت وجوبه عن طريق السنَّة أيضاً: أمره عليه السلام بالإتيان به بعد الوضوء، وإن كان خرج المسجد، في أيّ مكان كان، وظاهر الأمر يدلّ على الوجوب.

وعليه، فهذه الرّوايات لا تدلّ على عدم وجوب التشهّد، وإنّما تدلّ على عدم قادحيّة الحدث في الأثناء؛ ومنه يعلم حال صحيحة زرارة الأُولى.

وقد أفتى الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بضمون هذه الرّوايات، حيث ذهب إلى عدم بطلان الصَّلاة بتخلّل الحدث قبل التشهّد، بل يتوضّأ ويأتي به بعد ذلك.

وعليه، فالخلاف ليس في وجوب التشهّد، بل هو في بطلان الصَّلاة بتخلُّل الحدث في أثنائها، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- التعرّض لذلك، وكيفيّة حمل النصوص الدّالة على عدم قادحيّة الحدث المتخلّل في الأثناء.

الجواب الثاني عن هذه الرّوايات: هو حملها على التقيّة ، كما لعلّه الأقرب، لأنّ حمل السنَّة على ما ثبت وجوبه من طريق السنَّة النبوية الشّريفة -كما هو الجواب الأوّل- ينافيه قوله عليه السلام: (التشهّد سنّة)، فهو بمنزلة التعليل لقوله عليه السلام: (فقد تمّت صلاته) أو (مضت صلاته).

ومعه يصير كالنصّ في إرادة عدم كونه من واجبات الصَّلاة، بل من الأمور المستحبّة التي لا يوجب الإخلال بها نقص الصّلاة؛ وهذا لا يمكن الالتزام به، فالحمل على التقيَّة أقرب.

ثمَّ إنَّه لو سلّمنا عدم صحّة هذين الجوابين فيرد حينئذٍ علم هذه الرّوايات إلى أهلها.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ التشهّد واجب بلا إشكال، إلَّا أنَّه غير ركني، فلو تركه سهواً أتى به، ما لم يركع، وإذا تذكّر بعد الدّخول في الرُّكوع قضاه بعد الصَّلاة مع سجدتي السّهو.

ويدل عليه: عدَّة من الروايات تأتي -إن شاء الله تعالى- في مبحث الخلل؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهّد وقم فأتمّ صلاتك ، وإن أنت لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك حتى تفرغ ، فاذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم.)[1] .

قوله: (وفي الخلاف: الصَّلاة على النّبيّ وآله ركن، وصورته: اَشهَدُ اَنْ لاَ اِلهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَریکَ لَهُ، وَ اَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ، اَللّهُمَّ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ)

 

يقع الكلام في ستة أمور:

الأوَّل: بعد أن عرفت وجوب التشهّد، فهل في الشّهادتان، وهما الشهادة بالتوحيد والشّهادة بالرسالة في الموضعين معاً، أم يكفي إحدى الشّهادتين في التشهّد الأوّل؟

الثاني: يعتبر في التشهّد الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)؟

الثالث: في الكيفيّة المعتبرة في الشّهادتين.

الرابع: في كيفيّة الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهل يتعيّن فيها أن تكون بصيغة: اللهمَّ صلّ على محمّد وآل محمد، أم يجتزئ بكلّ صيغة تدلّ عليه، مثل صلى الله على محمّد وآله، ونحوها.

الخامس: هل تجب الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) حيثما ذكر، أم تستحبّ؟

السّادس: في تبعيّة آله وعترته له (صلى الله عليه وآله) في الوجوب والاستحباب.

 

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنّه يعتبر الشّهادتان فيه في الموضعين، وفي الجواهر: (على المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في المبسوط وجامع المقاصد: لا خلاف فيه بين أصحابنا، بل في الأخير كما عن المنتهى: أنَّ عليه عمل الأصحاب، بل عن شرح الشَّيخ نجيب الدين: لعلّ الإجماع منعقد على ذلك، بل في الغنية والتذكرة والذّكرى ومجمع البرهان: الإجماع عليه... ).

وفي الذكرى: (ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار الاجتزاء بالشّهادتين مطلقاً...)، وفي كشف اللثام: (والواجب فيه الشّهادتان كلّ مرّة كما عليه المعظم، بل الإجماع على ما في الغنية والتذكرة...).

أقول: لم ينسب الخلاف في المسألة إلَّا إلى الجعفي، حيث خصّ الوجوب بإحدى الشّهادتين في التشهّد الأوّل.

نعم، في التشهّد الثاني أوجب الشّهادتين، كما أنّه نُسب الخلاف إلى الشّيخ الصّدوق رحمه الله في المقنع، حيث حكي عنه الاجتزاء بقول: بسم الله وبالله، بدل الشّهادتين.

ولكن على فرض صحّة نسبة الخلاف إليهما -لا سيّما الصّدوق رحمه الله، حيث لم يتضح من عبارته الخلاف صريحاً- فمخالفتهما لا تضرّ بالتسالم بين الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه بين الأعلام، وبذلك يكون التسالم بحدّ ذاته دليلاً قويّاً في المقام.

ويدلّ عليه أيضاً -مضافاً للتسالم- عدَّة من الأخبار:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم (قال: قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : التشهّد في الصلاة؟ قال : مرّتين ، قال : قلت : وكيف مرّتين؟ قال : إذا استويت جالساً فقل : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ثمّ تنصرف ، قال : قلت : قول العبد : التحيات لله والصلوات الطيبات لله؟ قال : هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه)[2] .

ومنها: رواية سورة بن كليب (قال: سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أدنى ما يجزئ من التشهّد؟ قال : الشهادتان)[3] ، ولكنّها ضعيفة بجهالة يحيى بن طلحة، وعدم وثاقة سورة بن كليب.

ومنها: رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : التشهّد في كتاب علي شفع)[4] ، والمراد بالشّفع هو المرّتان اللتان، وقع التصريح بهما في صحيحة ابن مسلم المتقدّمة؛ وهذه الرِّواية ضعيفة بعليّ بن عبيد، لأنَّه غير موثّق.

ومنها: رواية عبد الملك بن عَمْرو الأحول عن أبي عبد الله عليه السلام (قال : التشهّد في الركعتين الأوّلتين : الحمد لله ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وتقبّل شفاعته ،وارفع درجته)[5] ، وهي ضعيفة، لعدم وثاقة عبد الملك بن عَمْرو الأحول.

وقد ذكرنا سابقاً أنَّ رفع اليد عن ظاهرها -بالحمل على الاستحباب بالنسبة إلى التحميد والدُّعاء- لا يوجب إلغاء ظاهرها في الوجوب بالنسبة إلى الشّهادتين اللتين هما الأصل في إطلاق اسم التشهّد على المجموع.

نعم، يظهر من صحيحة زرارة الاجتزاء في التشهّد الأوّل بالشّهادة الأُولى (قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما يجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال : أن تقول : أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، قلت : فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال : الشهادتان )[6] .

ولعلّه لأجل هذه الصّحيحة ذهب الجعفي في الفاخر إلى إجزاء شهادة واحدة، مخيِّراً بين الشّهادة بالوحدانيَّة والشّهادة بالرسالة في التشهّد الأول.

 

لكنّ الصّحيحة تدلّ على إجزاء الشّهادة الأُولى، لا إحدى الشهادتين حتَّى تكون مستنداً للجعفي رحمه الله.

على أنَّه لم يعمل بها أحد، فإعراض الكلّ عنها يوجب الوهن فيها، بحيث نطمئنّ بوجود خدشة فيها.

نعم، قد أوّلها البعض: بأنّ الإمام عليه السلام إنّما اكتفى بذكر الشّهادة الأُولى اعتماداً على ارتكاز الثانية في ذهن السّامع؛ وهذا لا بأس به.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo