< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(5)

ومنها: رواية إسحاق بن عمَّار عن أبي الحسن موسى عليه السَّلام المتضمنة أيضاً لكيفيَّة صلاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، حيث ورد فيها: (ثمَّ قال له: ارفع رأسك تبتّلاً لله، واشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث مَنْ في القبور، اللّهمّ صلّ على محمَّد وارحم محمّداً وآل محمَّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت (ومننت) على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد، اللّهمّ تقبَّل شفاعته وارفع درجته...)[1] ، وهي ضعيفة بمحمّد بن عليّ الكوفي.

ومنها: رواية محمَّد بن هارون عن أبي عبد الله عليه السَّلام (قَالَ: إِذَا صَلّى أَحَدُكُمْ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ وَآلَهُ (صلى الله عليه وآله) فِي صَلَاتِهِ، يُسْلَكُ بِصَلَاتِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْجَنَّةِ؛ قال: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله): مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ، فدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللهُ؛ وَقَالَ (صلى الله عليه وآله): وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَنَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ، خُطِئَ بِهِ طَرِيقَ‌ الْجَنَّةِ)[2] ، وهي ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي، والمفضّل بن صالح الأسدي النخّاس أبي جميلة، ومحمّد بن هارون، وهي مروية أيضاً في المحاسن للبرقي، والمجالس وعقاب الأعمال للشيخ الصَّدوق، وهي ضعيفة بجميع الطّرق.

 

والإنصاف: أنَّ هذه الرّوايات الثلاث -مضافاً لضعف سند الثانية والثالثة- قاصرة الدّلالة عن إفادة الوجوب، فهي تصلح للتأييد، والله العالم.

ثمَّ إنَّه قد استدلّ جماعة من الأعلام لوجوب الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) بقوله تعالى: ﴿إنَّ الله وملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيُّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً﴾، فإنَّ ظاهر الأمر وجوب الصَّلاة عليه (صلى الله عليه وآله)، ولا وجوب في غير الصَّلاة إجماعاً؛ ومن هنا يتعين إرادتها في الصَّلاة.

وفيه: أنَّ هذا مبني على القول بعدم وجوبها في غيرها؛ أمَّا بناءً على القول بوجوبها في العمر مرةً، كما عن بعض العامّة، أو في كلّ مجلس مرةً إن صلّى آخره، وإلَّا فلو صلّى ثمَّ ذكر تجب أيضاً، كما تتعدّد الكفّارة بتعدّد الموجب ، كما مال إليه الأردبيلي رحمه الله، أو كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر غيرك، كما ذهب إليه المقداد رحمه الله في كنزه، وصاحب الحدائق رحمه الله حاكياً له عن الشَّيخ البهائي، وعن الشَّيخ عبد الله بن صالح البحراني رحمه الله، والكاشاني رحمه الله، والمازندراني رحمه الله في شرحه على أصول الكافي، فلا يصحّ الاستدلال حينئذٍ.

ولكن سيأتي -إن شاء الله تعالى- في الأمر الخامس، أنَّ القول بالوجوب في غير الصَّلاة ضعيف، فما ذُكِر حينئذٍ لا يضرّ بالاستدلال.

ولكن الذي يرد في المقام أنَّه لا يظهر من الآية الشّريفة أنّ وجوب الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله في التشهُّدين، كما أنَّه يضعِّف دلالتها على الوجوب عطف التسليم المعلوم استحبابه.

والذي يهوِّن الخطب: أنّ ما ذكرناه من الأدلَّة يكفي في إثبات المطلوب.

وأمَّا ما حُكِي عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله من القول بعدم وجوب الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في التشهُّدين، وما حُكِي عن والده بعدم الوجوب في التشهُّد الأوَّل -على فرض صحة الحكاية- فقد يستدلّ لهما بجملة من الرّوايات قد تقدّمت، والتي:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم (إذا استويتَ جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، ثمَّ تنصرف)[3] .

ومنها: صحيحة زرارة (قال: قلتُ لأبي جعفر عليه السَّلام: ما يجزئ في القول في التشهُّد في الرّكعتين الأولتين؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، قلت: فما يجزي من تشهّد الرّكعتين الأخيرتين؟ فقال: الشّهادتان)[4] .

ومنها: صحيحة الفضلاء -الفضيل وزرارة ومحمَّد بن مسلم- عن أبي جعفر عليه السَّلام (قال: إذا فرغ من الشَّهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلاً في أمر يخاف أن يفوته، فسلم وانصرف، أجزأه)[5] ، وكذا غيرها ممَّا تقدَّم.

 

والجواب عن هذه الرِّوايات:

أوَّلاً: أنَّها ليست ناظرةً إلى وجوب الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله، بل هي مسوقة لبيان وجوب الشَّهادتين، فلا إطلاق لها حتَّى يُتمسَّك به لنفي وجوب الصَّلاة عليه (صلى الله عليه وآله).

وثانياً: لو سلَّمنا وجود الإطلاق، وأنَّه من خلاله تدلّ هذه الصِّحاح على عدم وجوب الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، إلَّا أنَّها مقيّدة بالرّوايات المتقدّمة الدّالة على الوجوب.

 

وبما ذكرناه يجاب أيضاً عن أدلَّة ابن الجنيد رحمه الله .

والخلاصة إلى هنا: أنَّ ما ذهب إليه معظم الإماميَّة -إن لم يكن كلّهم- هو الصَّحيح.

نعم، ليس هو ركن، خلافاً للشَّيخ في الخلاف، ولذا لو صلَّى ونسي الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله في التشهُّد لصحَّت صلاته بلا إشكال لحديث (لا تعاد)، وغيره.

الأمر الثالث: لا إشكال بين الأعلام في أنَّه يجزي في الشَّهادتين أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، بل هناك تسالم بين الأعلام على إجزاء هذه الكيفيَّة في الشَّهادتين، ونسب إلى جماعة من الأعلام أنَّه يجزئ أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله.

وقال المصنِّف رحمه الله في البيان: (يجب فيه أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللهمَّ صلّ على محمَّد وآل محمَّد ، ولا يجزئ المعنى بالعربيَّة وغيرها، ولا حذف شيء منه؛ وفي حذف (وحده لا شريك له) تردُّد، أقربه وجوبها تخييراً، وكذا (عبده)، ولو أضاف الرَّسول إلى المضمر عند حذف عبده لم يجز).

وحاصله: التخيير في الشَّهادة بالتوحيد بين (أشهد أن لا إله إلَّا الله) بلا زيادة، وبينه مع زيادة (وحده لا شريك له)، وكذا في الشَّهادة بالرّسالة بين الصُّورتين.

ومهما يكن، فقد يستدلّ لهذه الكيفيّة في الشّهادتين، وهي (أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله) بأمرين:

الأوَّل: إطلاق بعض الرّوايات المتقدّمة الدَّالّة على كفاية الشَّهادتين، كصحيحة زرارة (قال: قلتُ: فما يجزئ من التشهّد في الرّكعتين الأخيرتين؟ قال: الشَّهادتان)[6] .

وصحيحة الفضلاء (إذا فرغ من الشَّهادتين فقد مضت صلاته ...)[7] .

ورواية سورة بن كليب (قال: سألتُ أبا جعفر عليه السَّلام عن أدنى ما يجزي من التشهُّد؟ قال: الشَّهادتان)[8] ، وهي ضعيفة بجهالة يحيى بن طلحة، وعدم وثاقة سورة بن كليب.

والجواب عن هذه المطلقات: أمَّا صحيحة زرارة فلا إطلاق لها من هذه الجهة، بل الظَّاهر أنَّ المراد بالشَّهادتين ممَّا هو مذكور في الصَّدر، (قال: قلتُ لأبي جعفر عليه السَّلام: ما يجزي من القول في التشهُّد في الرّكعتين الأولتين؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له).

وأمَّا إهمال الشَّهادة بالرّسالة في التشهُّد الأوَّل فلمعهوديَّة اعتبارها لديهم في حقيقة التشهُّد، ومعروفيَّة صيغتها عندهم.

وأمَّا صحيحة الفضلاء فهي أيضاً لا إطلاق لها من هذه الجهة، لورودها في مقام بيان حكم آخر، وهو الاستعجال، فالمراد حينئذٍ بالشَّهادتين ما هو المتعارف عندهم من الصِّيغة المشهورة، وهي (أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله).

وبذلك تتضح لك رواية سورة، فإنَّها -مضافاً لضعفها سنداً- لا إطلاق لها من هذه الجهة.

ثمَّ إنَّه لو سلّمنا الإطلاق في هذه الرّوايات الثلاث فهي مقيَّدة بصحيحة محمَّد بن مسلم الآتية، وغيرها.

الأمر الثاني: الرّوايات الخاصّة، وهي روايتان:

الأُولى: رواية الحسن بن الجهم (قال: سألته -يعني: أبا الحسن عليه السَّلام- عن رجل صلَّى الظُّهر أو العصر، فأحدث حين جلس في الرابعة، قال: إن كان قال: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يُعِد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فَلْيُعد)[9] ، وهي ضعيفة لعدم وثاقة عبَّاد بن سليمان، ووجوده في كامل الزيارات غير نافع لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه المباشرين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo