< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/02/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التشهّد والتسليم في الصَّلاة(6)

 

وعليه، فالتعبير عنها بالصَّحيحة في غير محلِّه، هذا أوَّلاً.

وثانياً: يحتمل أن يكون المقصود بقوله (عليه السَّلام): (أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً رسول الله ...)، هو الشَّهادتان المتعارفتان لديهم في التشهُّد، لا نفس هذه العبارة الواردة في الرِّواية.

وثالثاً: أنَّه لا يمكن العمل بالرِّواية لدلالتها على عدم الحدث الواقع أثناء الصَّلاة، وقبل التسليم، فتتنافى مع الرِّوايات الآتية -إن شاء الله تعالى- الدَّالة على القدح، وأن المخرج هو السَّلام.

وعليه، فتحمل هذه الرِّواية على التقيَّة حتَّى لو سلّمنا صحّة سندها.

ورابعاً: أنَّ النسخة مختلفة من حيث الاقتصار على كلمة أشهد في الشَّهادة الأُولى من غير تكرار لها في الشّهادة بالرسالة، وإنّما اكتفى بالعطف، أي هكذا: أشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله.

والموجود في الوسائل في الطبعة الحديثة هو تكرار لفظ (أشهد)، قال المحقِّق الهمداني (رحمه الله): (ولكن في نسخة الجواهر الموجودة عندي نقل الرِّواية في هذا المقام بتكرير لفظ الشَّهادة، كما أنَّ في نسخة الوسائل الموجودة عندي أيضاً كذلك، ولكن أُثبت لفظ الشَّهادة في الثانية فيما بين الأسطر، بحيث يستشعر منه كونه من الملحقات، وكيف كان فالظَّاهر أنَّ زيادتها من سهو قلم النسّاخ، وإلَّا ففي عدَّة من الكتب المعتبرة التي شاهدناها، منها الحدائق والوافي والاستبصار الذي هو الأصل في نقلها -بلا تكرير الشَّهادة-؛ وفي الجواهر أيضاً رواها في باب القواطع كذلك، فلا عبرة بفعله هاهنا).

أقول: بناء على ذلك لا يصحّ العمل -مع قطع النّظر عن الإشكالات السّابقة- إذ لازم العمل بهذه الرِّواية هو الاقتصار على لفظ أشهد في الشَّهادة بالتوحيد، والاكتفاء بحرف العطف في الشَّهادة بالرّسالة من دون التلفّظ بـ (أشهد)...

وهذا معلوم البطلان عندنا، بل لا ينبغي القول به، فإنَّ العاري عن التكرار شهادة واحدة متعلّقة بأمرين، لا شهادتان.

وبالجملة، فمع إسقاط لفظ أشهد من الثانية هو في الواقع شهادة واحدة بأمرين، لا شهادتان، والله العالم.

الرِّواية الثانية: رواية إسحاق بن عمَّار المتقدِّمة الحاكية لصلاة النّبيّ (صلى الله عليه وآله) في المعراج، حيث ورد فيها: (قال له: يا محمَّد! ارفع رأسك ثبَّتك الله، واشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأنَّ السَّاعة آتية لا ريب فيها...)[1] .

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بمحمَّد بن عليّ الكوفي.

وثانياً: أنَّها مسوقة لبيان المندوبات، وليست مسوقةً لبيان الواجب فقط.

وبالجملة، فليست ناظرةً إلى كيفيَّة الشَّهادتين.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ هذه الكيفيَّة غير مجزية.

ثمَّ إنَّه ممَّا يدلّ على اعتبار الكيفيّة الأُولى المشهورة بين الأعلام -وهي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللّهمّ صل على محمَّد وآل محمَّد- عدَّة من الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم (قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): التشهُّد في الصَّلوات، قال: مرتين، قال: قلتُ: كيف مرتين؟ قال: إذا استويتَ جالسًا فقل: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، ثمَّ تنصرف...)[2] ؛ وهذه الصَّحيحة تقيِّد المطلقات المتقدِّمة لو فُرِضَ لها إطلاق.

_________

 

ومنها: رواية عبد الملك بن عَمْرو الأحول عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: التشهُّد في الرِّكعتين الأولتين: الحمد لله، أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، وتقبَّل شفاعته، وارفع درجته)[3] ؛ ولولا ضعفها سندًا، بعدم وثاقة الأحول، لكانت دلالتها تامَّةً، واشتمالها على المستحبّ الذي ثبت استحبابه بدليل خارجي لا يقدح في الاستدلال، كما عرفت.

ومنها: موثَّقة سماعة (قال: سألته عن رجل كان يصلِّي، فخرج الإمام وقد صلَّى الرَّجل ركعةً من صلاة فريضة، قال: إن كان إماماً عَدْلاً فَلْيصلِّ أخرى وينصرف، ويجعلها تطوُّعاً، وليدخل على الإمام في صلاته كما هو، وإن لم يكن إمامَ عدلٍ فَلْيبنِ على صلاته كما هو، ويصلِّي ركعةً أخرى، ويجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، ثمَّ ليتمَّ صلاته معه على ما استطاع، فإنَّ التقيَّة واسعة، وليس شيء من التقيَّة إلَّا وصاحبها مأجور عليها -إن شاء الله-)[4] ، وهي، وإن كانت مضمرةً، إلَّا أنَّ مضمرات سماعة مقبولة، لما عرفت أنَّه لا يروي إلَّا عن الإمام (عليه السَّلام)؛ وهي تصلح أيضًا لتقييد الرِّوايات السَّابقة لو فرض لها إطلاق.

وأمَّا احتمال أن لا تكون هذه الموثَّقة ناظرة إلى تعيُّن هذه الكيفيَّة، لأنَّها مسوقة لبيان حكم آخر، وهو التفرقة بين الإمام العادل وغيره، فهو احتمال بعيد، لا يعتدّ به عند العقلاء.

والخلاصة إلى هنا: أنَّ هذه الكيفيَّة هي المتعيِّنة في الشَّهادتين، ولا أقلّ أنَّ الاحتياط يقتضي ذلك، والله العالم بحقائق أحكامه.

الأمر الرابع من الأمور الستَّة المتقدِّمة: وهي كيفيَّة الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله، فهل يتعيَّن فيها أن تكون بصيغة اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد ؟ كما صرح به جمع من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله) هنا، بل نسبه بعض إلى الأكثر، ونسبه المصنِّف في الذِّكرى إلى الأَشْهَر، حيث قال فيها: (وعبارة الصَّلاة في الأَشْهَر: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد ... ).

ونسبه بعضهم إلى المشهور، وذهب بعضهم إلى أنَّه يجتزئ بكلِّ صيغة، مثل: صلَّى الله على محمَّد وآله، أو صلَّى الله على رسوله وآله، أو صلَّى الله عليه وآله؛ منهم الشَّيخ المفيد (رحمه الله)، ومنهم العلَّامة (رحمه الله) في النهاية، فإنَّه بعد أن حكم بوجوب اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وآل محمَّد، قال: ولو قال: صلَّى الله على محمَّد وآله، أو قال: صلَّى الله عليه وآله، أو صلَّى الله على رسوله وآله، فالأقرب الإجزاء).

ومنهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: ( فلا ريب في أنَّ الأقوى إجزاء مطلق مسمَّى الصَّلاة على النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) وآله، وإن كان الأحوط الاقتصار على اللفظ المخصوص).

ومنهم السَّيد محسن الحكيم (رحمه الله) في المستمسك، حيث قال: (وكيف كان فالخروج عن إطلاق وجوب الصَّلاة على النّبيّ (صلى الله عليه وآله) بمثل ذلك غير ظاهر ...).

واحتمله المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى، حيث قال: (ويمكن إجزاؤه، لحصول مسمَّى الصَّلاة).

إذا عرفت ذلك فنقول : قدِ استُدل للمشهور، أو الأَشْهَر، بعدَّة روايات:

منها: ما عن ابن مسعود عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) (أنَّه قال: إذا تشهَّد أحدُكم في صلاٍة فَلْيقل: اللَّهمَّ صلّ على محمَّد وآله محمَّد)(3)، وهذه الرِّواية رُويت من طرق العامَّة، وهي ضعيفة جدًّا

وأمَّا القول: بأنَّ مشهور المتقدِّمين عمل بها، وعمله جابر لضعف السَّند فقد عرفت ما فيه فلا حاجة للإعادة.

مضافاً إلى أنَّه لم يحرز عمل المشهور بها، ومجرد وجودها في كتبهم ليس معناه أنَّهم عملوا بها، بل لعلَّهم استندوا إلى غيرها، وكان وجودها لمجرد الاستئناس والتأييد.

 

_________

(3) سنن البيهقي: ج2 ، ص379.

ومنها: رواية عبد الملك بن عمرو الأحول المتقدِّمة، حيث ورد فيها: الحمد لله، أشهد أنَّ لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله، اللَّهمَّ صلّ على محمَّد وآله محمَّد، وتقبَّل شفاعته وارفع درجته [5] واشتمالها على بعض المستحبَّات كالتحميد والدُّعاء بقبول الشفاعة، لا يضرّ بالاستدلال كما عرفت، ولكنَّها ضعيفة السَّند لعدم وثاقة الأحول.

ومنها: رواية إسحاق بن عمار المتقدمة الحاكية لصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المعراج، حيث ورد فيها ثمَّ قال له : ارفع رأسَك ثبَّتك الله، واشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنَّ السَّاعة آتية لا ريب فيها، وأنَّ الله يبعث مَنْ في القبور ، اللَّهمَّ صل على محمَّد وآل محمَّد، وارحم محمدًا وآل محمَّد كما صليت وباركت وترحَّمت (ومننت) على إبراهيم وآل إبراهيم، إنَّك حميد مجيد ... [6] ، وهي ضعيفة بمحمَّد بن علي الكوفي، فتصلح للتأييد كالرّواية السَّابقة .

_________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo