< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(44)

 

قوله: (ويحرم السَّفر بعد الزَّوال على المخاطب بها)

في المدارك: (أجمع علماؤنا وأكثر العامَّة على أنَّه لا يجوز لمن وجبت عليه الجمعة إن شاء السَّفر بعد الزَّوال قبل أن يصليّها، حكى ذلك العلَّامة في التذكرة المنتهى...).

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه إلَّا ما يُحكى عن القطب الرَّاوندي من الكراهة، ولا ريب في ضعفه، بل يمكن إرادة الحرمة منها، كما يُومِي إليه عدم تعارف نقل خلافه، بل حُكى الإجماع عليه غير واحد، بل يمكن تحصيله، وهو الحجُّة).

أقول: يظهر من التّتبع في المقام أنَّ المسألة متسالم عليها بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، مع ذهاب أكثر العامَّة إلى ذلك أيضاً.

ومن هنا خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه، وأصبحت من القطعيَّات، وهذا هو الدَّليل القويّ.

وقدِ يستدلّ أيضاً بفحوى قوله تعالى: {وذروا البيع}، إذ الظَّاهر أنَّ النَّهي عن البيع إنَّما وقع لمنافاته السَّعي إلى الجمعة، فيكون السَّفر المنافي كذلك.

وإذا قلنا سابقاً في حرمة البيع المفوّت للجمعة أنَّه يحرم كلّ مفوِّت فيشمل العقود غير البيع وغيرها من المنافيات، وهذا الدَّليل أيضاً لا بأس به.

وقدِ استُدل الأعلام ببعض الأدلَّة أيضاً:

منها: أنَّ ذمَّته مشغولة بالفرض والسَّفر مستلزم للإخلال به، فيحرم حينئذٍ .

ويرد عليهم ما ذكرناه في أكثر من مناسبة: من أنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النَّهي عن ضدّه.

ومنها: النَّبويّ (مَنْ سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه الملائكة لا يصحب في سفره، ولا يعان على حاجته )(1).

ولكنَّه أوَّلاً: ضعيف سنداً، وهو واضح.

وثانياً: دلالةً، إذ عدم الإعانة على حاجته لا يعني التحريم؛ كما أنَّه مطلق من حيث قبل الزَّوال أو بعده.

ومنها: العلوي المروي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى الحارث الهمداني (قال: لا تسافر في يوم الجمعة حتَّى تشهد الصَّلاة إلَّا فاصلاً (ناضلا) في سبيل الله، أو في أمر تعذَّر به)(2).

قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) بعد نقل هذه الرِّواية: (بيان: فاصلاً، أي شاخصاً، قال تعالى: {فلمَّا فصلتِ العير}).

وعليه، فقد ضبطه بالفاء والصَّاد المهملة.

وقد ضبطه صاحب الحدائق (رحمه الله) بالنون والضّاد المعجمة، قال: (وأصل المناضلة المراماة، يقال: ناضله إذا رماه؛ والمراد هنا الجهاد والحرب في سبيل الله).

ولكن الرِّواية ضعيفة بالإرسال، مضافاً إلى أنَّها مطلقة من حيث كون السَّفر بعد الزَّوال أو قبله.

وحَمْلُها على ما بعد الزَّوال ليس بأقرب من حَمْلها على الكراهة.

ومنها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: إذا أردت الشّخوص في يوم عيد، فانفجر الصبح وأنت بالبلد، فلا تخرج حتَّى تشهد ذلك العيد)(3).

وجه الاستشهاد بهذه الصَّحيحة: هو أنَّه إذا حرم السَّفر الموجب لتفويت صلاة العيد حرم السَّفر بعد الزَّوال الموجب لتفويت صلاة الجمعة بطريق أَوْلى.

وفيه: ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- من أنَّه لا يحرم السَّفر يوم العيد بعد الفجر، وقبل طلوع الشَّمس.

وثانياً: على تقديره، فإنَّ دعوى الأَولويَّة غير واضحة.

وعليه، فإلحاق الجمعة بالعيد قياس، نفرّ منه فرارانا من الأسد، والله العالم.

______

(1) كنزل العمال: ج6: 715/ 17540.

(2) الوسائل باب 52 من أبواب صلاة الجمعة ح6.

(3) الوسائل باب 27 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

قوله: (ويكره بعد طلوع الفجر)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذكرى: (ويُكره السَّفر بعد الفجر قبل الزوال، لِعدم حصول السَّبب الموجب؛ وإضافةُ الصَّلاة إلى الجمعة لا تقتضي كون اليوم بأسره سبباً، وإنَّما كره لِمَا فيه من منع نفسه من أفضل الفرضين).

ولا يخفى أنَّ هذا التعليل لا يصلح مدركاً للحكم الشَّرعي، وفي المدارك: (وهذا الحكم مجمع عليه بين علمائنا وأكثر العامة، حكاه في التذكرة -ثمَّ قال:- ولا يكره السَّفر ليلة السَّفر ليلة الجمعة إجماعاً).

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه...).

أقول: العمدة في إثبات الكراهة هو التسالم بينهم، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.

وقد يستدلّ أيضاً ببعض الرِّوايات:

منها: رواية السّري عن أبي الحسن علي بن محمَّد (عليه السلام) (قال: يُكره السَّفر والسَّعي في الحوائع يوم الجمعة بكرةً من أجل الصَّلاة، فأما بعد الصَّلاة فجائز فييتبرك به)(1)، وهي ضعيفة بجهالة السّري عدم ذكر الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) طريقه إليه فهي أيضاً مرسلة.

نعم، رُويت في الخِصال بطريق صحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام).

ومنها: رواية الكفعمي في المصباح عن الرّضا (عليه السلام) (قال: ما يؤمن مَنْ سافر يوم الجمعة قبل الصَّلاة أن لا يحفظه الله تعالى في سفره، ولا يخلفه في أهله، ولا يرزقه من فضله)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، لِعدم ذكر الكفعي طريقه إلى الرِّضا (عليه السلام).

ومنها: النبوي والعلوي المتقدِّمان، وقد عرفت ضعفهما، والله العالم.

قوله: (فرع: لو سافر بعد الزَّوال لم يقصر في الزَّمان الذي يمكنه العود إليها، فإذا مضى اعتبر المسافة بعده)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (لو خرج بعد الزَّوال فيما منع منه فهو عاصٍ بسفره، فلا يترخّص حتَّى تفوت الجمعة، فيبتدئ سفره من موضع تحقُّق الفوات).

ونحوه الشَّهيد الثاني (رحمه الله) في الروض، ونسبه إلى الأصحاب، وهو في محله، لأنَّه على طبق القواعد، والله العالم بحقائق أحكامه.

وكان الفراغ منه عصر يوم الثلاثاء في السَّابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنَّة 1439 للهجرة الموافق لـ 12 حزيران سنَّة 2018 للميلاد.

___________

(1) الوسائل باب52 من أبواب صلاة الجمعة ح1؛ والخصال ج2، ص393.

(2) الوسائل باب52 من أبواب صلاة الجمعة ح5.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo