< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/08/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(37)

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ رَجُلٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَلَا يَدْرِي رَكْعَتَانِ هِيَ، أَم أَرْبَعٌ؟ قَالَ: يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَيَتَشَهَّدُ وَيَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ‌ءٌ)(١)، وكذا غيرها من الرِّوايات.

وأمَّا ما ورد في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: إِذَا لَمْ تَدْرِ أَرْبَعاً صَلَّيْتَ، أَمْ رَكْعَتَيْنِ، فَقُمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلِّمْ وَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلِّمْ وَاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ، وَأَنْتَ جَالِسٌ، ثُمَّ تُسَلِّمُ بَعْدَهُمَا)(٢).

وكذا صحيحة بُكَير بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام (قال: قلتُ له: رجل شكَّ، فلم يدرِ أربعاً صلَّى أم اثنتين، وهو قاعد؟ قال: يركع ركعتين وأربع سجدات، ويسلِّم، ثمَّ يسجد سجدتَيْن وهو جالس)(٣).

فيمكن الجواب عنهم بجوابَيْن:

أحدهما: بحَمْل الرَّكعتين على الرَّكعتين المنفصلتين جمعاً بينهما وبين الأخبار المتقدِّمة، وتكونان بذلك دليلَيْن للقول، بل المتسالم عليه.

وأمَّا الأمر بسجدتي السَّهو -بعد التسليم-: فقد حَمْلها جماعة من الأعلام على الاستحباب، جمعاً بينهما وبين الرِّوايات المصرِّحة بأنَّه لا لشيء عليه.

إن قلت: إنَّه لم يفتِ أحد من المتقدِّمِين بحسب الظَّاهر باستحباب السَّجدتين بعد صلاة الاحتياط.

قلتُ: يكون هذا المقطع من الرِّوايتَيْن ساقطاً عن الحجيَّة، وهو مستقلٌّ عمَّا قبله، ولا مانع من التفكيك في الحجيَّة، وهو ليس أوَّل قارورة كُسِرت في الإسلام.

الجواب الثاني: أنَّ الرِّوايتَيْن تبقيا على ظاهرهما من البناء على الأقلِّ، ويكون الأمر بالسُّجود من حيث البناء على الأقلِّ، وتكون الرِّوايتان محمولتين على التقيَّة، لأنَّ العامَّة يبنون على الأقلِّ؛ للاستصحاب، ويسجدون للسَّهو؛ ولكنَّ الجواب الأوَّل أفضل.

وممَّا ذكرنا يظهر ضعف القول بالتخيير بين البناء على الأقلِّ والأكثر؛ إذ صحيحة أبي بصير، وكذا صحيحة بكير بن أعين: إمَّا موافقتان للعامَّة، أو محمولتان على البناء على الأكثر، كما عرفت في الجواب الأوَّل.

وأمَّا ما حُكِي عن الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله من القول: بالتخيير بين البناء على الأكثر، والإعادة.

فقد يُقال: إنَّه مقتضى الجمع بين الأخبار المتقدِّمة الدَّالَّة على البناء على الأكثر، وبين صحيحة محمَّد بن مسلم (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَدْرِي صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَمْ أَرْبَعاً، قَالَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ)(٤)، ومضمرات ابن مسلم مقبولة مثل مضمرات زرارة.

ووجه الجمع هو رفع اليد عن ظهور الأمر في كلٍّ منهما في التعيين، وحَمْله على الوجوب التخييري بقرينة الآخر.

ولكن ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد؛ ولا معنى للتخيير بين الصّحَّة والفساد.

هذا، وقد حمل الشَّيخ رحمه الله صحيحة ابن مسلم على صلاة الصُّبح أو المغرب.

والأقرب: أنَّها محمولة على الشَّكِّ قبل إكمال السَّجدتَيْن، والله العالم.

قوله: (ولو شكَّ بين الاثنين والثلاث والأربع سلَّم وصلَّى ركعتَيْن قائماً، ثمَّ ركعتَيْن جالساً، وقال الصَّدوق: يصلِّي ركعةً قائماً، وركعتين جالساً، والأوَّل مرويّ، وعليه الأكثر، وجوَّز المفيد ثلاث ركعات قائماً هنا، والأَولى الترتيب؛ لمرسلة ابن أبي عمير عن الصَّادق (عليه السَّلام))

المعروف بين الأعلام أنَّ مَنْ شكَّ بين الاثنين -بعد إحرازهما، على حسب ما عرفت- والثلاث والأربع بنى على الأربع، وتشهَّد وسلَّم، ثمَّ أتى بركعتَيْن قائماً، ثمَّ ركعتين جالساً.

وفي المدارك: (هذا قول أكثر الأصحاب...)، وفي الجواهر: (على المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في الانتصار والغنية الإجماع على ذلك، وهو الحجَّة...).

وذهب الصَّدوقان وابن الجنيد (رحمهم الله) إلى أنَّه يبني على الأربع، ويصلِّي ركعةً من قيام، وركعتين من جلوس.

ونُقِل عن ابن الجنيد رحمه الله البناء على الأقلِّ، ما لم يخرج الوقت.

أقول: لا إشكال في البناء على الأكثر، بل هناك تسالم بين الأعلام، بحيث خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه.

ولم ينقل الخلاف إلَّا عن ابن الجنيد رحمه الله حيث جوَّز البناء على الأقلِّ، ما لم يخرج الوقت، وخلافه -على فرض تحققه- لا يضرُّ بالتسالم.

مضافاً إلى أنَّه لا دليل له، إلَّا أن يقال: إنَّ مستنده الجمع بين أدلَّة البناء على الأكثر، وأخبار البناء على الأقلِّ التي لا تختصُّ بالمقام.

وفيه: من الضَعْف ما لا يخفى.

ثم إنه يقع الكلام في ثلاثة أمور:

الأوَّل: هل تتعيَّن في الاحتياط الرَّكعتان من قيام، مع الرَّكعتين من جلوس، أم يكفي ركعة من قيام مع الرَّكعتين من جلوس.

الثاني: هل يجوز أن يصلِّي ركعةً من قيام بدل الرَّكعتين من جلوس، أم أنَّه يتعيَّن الجلوس، أم يتعيَّن القيام، كما عن ظاهر الشَّيخ المفيد رحمه الله في العزيَّة، حيث ذهب إلى تعيَّن الرَّكعة من قيام بدل الرَّكعتين من قيام، ثمَّ الرَّكعين من جلوس، أم أنَّه مخيَّر في تقديم أيِّهما شاء.

أمَّا الامر الأوَّل: فالمشهور بين الأعلام أنَّه يأتي بركعتَيْن من قيام، وركعتَيْن من جلوس.

وقدِ استُدل للمشهور بروايتين:

الأُولى: مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام (فِي رَجُلٍ صَلَّى، وَلَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى، أَمْ ثَلَاثاً، أَمْ أَرْبَعاً، قَالَ: فَيَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ قِيَامٍ، وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ جُلُوسٍ، وَيُسَلِّمُ، فَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَانَتِ الرَّكْعَتَانِ نَافِلَةً، وَ إِلَّا تَمَّتِ الْأَرْبَعُ)(5)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

وقد عرفت في مبحث علم الرِّجال أنَّه لا فرق في عدم العمل بالمراسيل بين مراسيل ابن أبي عمير، وبين مراسيل غيره.

الرِّواية الثانية: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج الآتية(6).

__________________

(١) الوسائل باب١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح٦.

(٢)و(٣) الوسائل باب١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح٨و٩.

(٤) الوسائل باب١١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح٧.

(5)و(6) الوسائل باب13 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح4و1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo