< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/02/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(61)

ولا فرق بين سجود الشَّكر وسجود التلاوة، وسجود السَّهو، فإنَّ هذه الأنواع الثلاثة من السُّجود مشتركة من حيث الحكم.

هذا، وقد استدل السّيِّد أبو القاسم الخوئي(رحمه الله) على اعتبار السُّجود على الأعضاء السَّبعة في سجدتي السَّهو: بإطلاق ما دلَّ على السُّجود على سبعة أعظم.

ويظهر من السّيِّد الحكيم(رحمه الله) في المستمسك الاستدلال به أيضاً.

وقد ذكر السّيِّد الخوئي(رحمه الله) أنَّه (لا دليل على انصرافِ مثلِ قوله(عليه السَّلام): إنَّما السُّجود على سبعة أَعْظُم‌، إلى خصوص السُّجود الصَّلاتي، بل هو عام بمقتضى الإطلاق لكلِّ سجدةٍ واجبةٍ...).

ولكنَّ الإنصاف: هو ما ذكرناه في سجود التلاوة، منِ انصراف الدَّليل إلى خصوص سجود الصَّلاة.

ويؤيِّد ما ذكرناه: ما ذُكِر في ذَيْل صحيحة زرارة ( قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(عليه السَّلام): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وآله): السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ، وَتُرْغِمُ بِأَنْفِكَ إِرْغَاماً، فَأَمَّا الْفَرْضُ فَهَذِهِ السَّبْعَةُ، وَأَمَّا الْإِرْغَامُ بِالْأَنْفِ فَسُنَّةٌ مِنَ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله))[1] ، فتفصيله(عليه السَّلام) في ذَيْل الصَّحيحة بين الإرغام بالأنف -فإنَّه مستحبّ- وبين وجوب السُّجود على الأعضاء السَّبعة، إنَّما يناسب الصَّلاة، لا مطلق السُّجود.

وأمَّا اعتبار السُّجود على ما يصحّ السُّجود عليه، فقد استدلَّ له السَّيد أبو القاسم الخوئي(رحمه الله): بأنَّ ما دلَّ على المنع عن السُّجود على المأكول والملبوس، أو على غيره، يشمل المقام.

وكذا استدلَّ السَّيِّد محسن الحكيم(رحمه الله) في المستمسك، حيث قال: (اللَّهمَّ إلَّا أن يستفاد ممَّا دلَّ على اعتباره في سجود الصَّلاة، لإطلاق بعضه بنحو يشمل المقام، ولا سيَّما ما اشتمل منه على التعليل: بأنَّ النَّاس عبيد ما يأكلون ويلبسون، فإنَّ ذلك ظاهر في اعتباره في مطلق السُّجود).

وفيه: أنَّ ما دلَّ على المنع عن السُّجود على المأكول والملبوس منصرف إلى سجود الصَّلاة، كما ذكرنا ذلك في سجدتي الشُّكر، وسجود التلاوة.

وأمَّا التعليل المذكور في صحيحة هشام بن الحكم، حيث قال لأبي عبد الله(صلى الله عليه وآله): (أَخْبِرْنِي عَمَّا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهِ، وَعَمَّا لَا يَجُوزُ؟ قَالَ: السُّجُودُ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ عَلَى مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ، إِلَّا مَا أُكِلَ أَوْ لُبِسَ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ! مَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ السُّجُودَ خُضُوعٌ لِلَّهِ عَزَّوَجَلَّ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُلْبَسُ؛ لِأَنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا عَبِيدُ مَا يَأْكُلُونَ وَيَلْبَسُونَ)[2] ، فهو حكمة وليس علَّةً.

ومن هنا، كان الإنصاف عندنا: أنَّه لا يشترط شيء إلَّا صدق مسمَّى السُّجود، وهو يتحقَّق بمجرد وضع الجبهة -سواء على ما يصحُّ السُّجود عليه أم لا- وإن لم يضع باقي الأعضاء.

نعم، وضع باقي الأعضاء معتبر شرعاً في سجود الصَّلاة.

ثمَّ لا يخفى أنَّه لا بدَّ من رفع الرَّأس من السُّجود بالنسبة للسَّجدة الأُولى؛ لتوقِّف تحقُّق الإثنينيَّة عليه.

ومن هنا، افترق هذا السُّجود عن سجود وسجدتي الشُّكر، حيث قلنا هناك: إنَّه يكفي التعفير في تحقيق مفهوم الإثنينيَّة، ولا يحتاج إلى رفع الرَّأس، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهمّ.

وأمَّا ما يقال: بأنَّه يشترط فيهما ما يشترط في سجود الصَّلاة؛ لأنَّ هاتين السَّجدتين مكمِّلتان للصَّلاة، وجابرتان لها.

ومن هنا، ورد الأمر بالإتيان بهما فوراً بعد الانتهاء من الصَّلاة قبل التكلُّم ممَّا يُشعِر باتِّصالهما بالصَّلاة اتِّصال الجُزْء.

ففيه -ما سنذكره إن شاء الله تعالى قريباً عند قول المصنِّف(رحمه الله): وليستا شرطاً في صحَّة الصَّلاة، خلافاً للخلاف-: أنَّهما ليستا جُزءاً من الصَّلاة، ولا شرطاً في صحَّتها.

ولكنَّهما واجب مستقلّ ليُرغِم بهما أنف الشَّيطان، كما في الرِّوايات.

ومن هنا، لا يُوجِب الإخلال بهما إبطال الصَّلاة، ولو كان تركهما عمداً.

وعليه، فالأمر بهما قبل التكلُّم يكون للتعبُّد المحض.

والخلاصة في نهاية المطاف: أنَّه يكفي في سجدتي السَّهو مسمَّى السَّجدتين، كما في سجدتي الشُّكر وسجود التِّلاوة، ولا يعتبر شيء زائد.

نعم، الأحوط الأولى: مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصَّلاة، والله العالم.

قوله: (وما يجب في سجود الصَّلاة)

يقع الكلام في أمرين:

الأوَّل: هل يجب الذِّكر في سجدتي السَّهو أم لا؟

الثاني: على فرض الوجوب، هل يشترط أن يكون بالكيفيَّة الخاصَّة الواردة في صحيحة الحلبي التي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- أم يكفي مطلق الذِّكر.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمشهور بين الأعلام -على ما ذكره صاحب الحدائق- هو الوجوب.

وبالمقابل، حُكِي عن جماعة من الأعلام العدم، منهم المحقِّق(رحمه الله) في المعتبر والنافع، ولكنَّه تردَّد في الشَّرائع، ومنهم العلَّامة(رحمه الله) في المنتهى والمختلف، ومنهم صاحب الجواهر والمحقِّق الهمداني والسَّيِّد محسن الحكيم(رحمهما الله)، وهو الصَّحيح، كما سيتضح لك.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo