< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

33/11/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الأولى\ وحدة موضوع العلم
 المبحث الأول: وحدة موضوه العلم
 قال صاحب الكفاية فيما يخص تعريف موضوع العلم: ( إن موضوع كل علم، وهو الذي يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية؛ أي بلا واسطة في العروض ...) [1]
 ذهب المشهور إلى أن كل علم له موضوع وحداني يشكل جامعا مقوليا ماهويا ذاتيا لمجموع مسائله، وعلم الأصول كذلك، واستندوا في ذلك إلى قاعدة فلسفية هي: (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد)، فبما أن الغرض من علم الأصول واحد، وهو (الاقتدار على الاستنباط)، والغرض معلول لموضوع العلم، فلا بد أن تكون العلة، وهي موضوع العلم، واحد.
 وهنا لا بد من ذكر أمور أربعة:
 - الأول: توضيح القاعدة الفلسفية التي استند إليها الأصحاب في إثبات دعواهم.
 - الثاني: مناقشة القاعدة.
 - الثالث: صلاحية القاعدة لإثبات وحدة موضوع العلم.
 - الرابع: استحالة وحدة موضوع بعض العلوم.
 الأمر الأول: توضيح قاعدة: (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد)
 قاعدة (الواحد لا يصدر عنه إلا واحد) ترجع في حقيقتها إلى وجوب وحدة السنخية بين العلّة والمعلول؛ كالسنخية بين النار والاحتراق؛ إذ لو لم يكن بينهما وحدة سنخية، لصح صدور كل شيء عن كل شيء؛ كأن يصدر الاحتراق عن الماء. والواحد بما هو واحد لا يسانخ الكثير بما هو كثير، وبالتالي لما كان الغرض من العلم واحدا، لزم أن يكون المؤثر فيه؛ أي علته، واحدا أيضا، وليست علة الغرض إلا الموضوع.
 الأمر الثاني: مناقشة القاعدة
 إنما يتم الكلام في هذه القاعدة بالنسبة للواحد الشخصي البسيط، لا المركب ذي الجهات المتكثِّرة؛ فإن العلّة الواحدة البسيطة بما هي كذلك لا يصدر عنها إلا معلول واحد، أما الواحد المركب، فإن صدور الكثرة عنه أمرٌ ممكن وواقع.
 ثم إن العلّة المرادة هي خصوص العلّة الخارجية الطبيعية التكوينية، لا مثل الإرادة الإنسانية؛ فإن زيدا ذا الإرادة، وإن كان جزئيا، ولكن يصدر عنه الكثير لتعدد جهاته؛ فتصدر عنه القوة من حيث شجاعته، ويصدر الحزن من حيث عاطفته ...
 الأمر الثالث: صلاحية القاعدة لإثبات وحدة موضوع العلم
 لبيان صلاحية هذه القاعدة لإثبات وحدة موضوع العلوم، لا بد من ذكر أقسام الغرض الثلاثة:
 - الأول: الغرض البسيط الشخصي.
 - الثاني: الغرض النوعي؛ حيث يكون الغرض حقيقة كلية لها أفراد خارجية بإزائها.
 - الثالث: الغرض العنواني، وهو المنتزع من أمور عدة خارجية، إلا أنه ليس له بإزاء في الخارج؛ من قبيل الشرطية، والفوقية ...
 إذا عرفنا ذلك، فنقول:
 أما بالنسبة للغرض الشخصي: فلا شيء يحتِّم أن يكون الموضوع واحدًا بحال كان الغرض بسيطا شخصيا؛ لأن هذا الغرض الشخصي مترتب على مجموعة مسائل بموضوعات ومحمولات متعددة تشكِّل أجزاء العلّة التي أولدت هذا المعلول الشخصي، وهو الغرض. فلو فرضنا أن الغرض من موضوع علم النحو شخصيا، وهو (صون اللسان عن الخطأ في المقال)، فإن هذا الغرض الشخصي في الواقع مولّد عن مجموعة قضايا منها: (الفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، والمضاف إليه مجرور ...)، هذه القضايا المتعددة ذات مواضيع متعددة شكلت معا أجزاء علّة مركَّبة ولّدت الغرض من علم النحو الذي فرضناه شخصيا.
 وأما الغرض النوعي: أو العنواني الانتزاعي، فلما كان كلاهما كليا، الأول منهما صادق على أفراد عديدة في الخارج، والثاني منتزع من أفراد عديدة في الخارج، كانا بذلك صادرَين عن كثير بمقتضى كليتهما، فكون الغرض كليا سواء أكان نوعيا أم انتزاعيا أجلى حالا في كون العلّة المؤثرة فيه ليس أمرا واحدا شخصيا.
 فالمتحصَّل أن الغرض سواء أكان بسيطا أم كليا نوعيا أم كليا انتزاعيا، ليس كاشفا عن وحدة الموضوع. وبناء عليه، فإن مثل غرض علم الأصول، وهو (الاقتدار على الاستنباط)، ليس صادرا عن موضوع واحد؛ لأنه كلي، والكلي يصدر عن كثير، وانتزاعي تم انتزاعه من مسائله المتعددة التي نراها تارة تورث القطع؛ كما في المستلزمات العقلية، وأخرى تورث الظن كما في الأمارات، وبالتالي ليس الاقتدار واحدا بسيطا أصلا. ثم لو كان كذلك، فلا يكون كاشفا عن وحدة الموضوع؛ لأن كونه صادرا عن مسائل متعددة بمواضيع ومحمولات متعددة، فإن هذه المسائل تشكل أجزاء علّة مركَّبة لا علّة واحد شخصية بسيطة، كما تقدَّم.
 الأمر الرابع: استحالة وحدة موضوع بعض العلوم
 لو نظرنا إلى مثل علم الفقه، فإن مسائله بموضوعاتها ومحمولاتها المتعدِّدة، لا يمكن معها الاستخلاص إلى جامع مقولي ذاتي لها، وتوضيحه:
 أما الموضوعات، فهي إما جواهر؛ كما في قضية (الدم نجس)، أو أعراض؛ كما في قضية (الركوع واجب)، أو (النية واجبة)، فالدم جوهر، والركوع عرض من مقولة الوضع، والنية عرض من مقولة الكيف النفساني، وأنى لنا أن نجد جامعا مقوليا ماهويا ذاتيا بين الجواهر والأعراض؟ والحال أنه لا يمكن إيجاد جامع حتى بين الأعراض كما بين مقولة الوضع ومقولة الكيف، وإلا لو أمكن إيجاد ذلك الجامع لما كانت المقولات العشر من الأجناس العالية التي لا أجناس فوقها.
 ثم إن بعض الموضوعات وجودية؛ كالصلاة والحج، وبعضها عدمية كالصوم؛ فإنه ترك للمفطرات، ولا جامع بينهما.
 وأما المحمولات، فهي إما أحكام تكليفية، وهي أمور اعتبارية، أو وضعية كثير منها اعتباري كالملكية والزوجية ونحوهما، ولا سبيل إلى إيجاد جامع مقولي ذاتي لأمور اعتبارية؛ إذ لا يمكن انتزاع جامع حقيقي من الاعتباريات.
 وبناء على ما تقدم، تبين أن مثل علم الفقه الذي نجد في موضوعاته ومحمولاته تغايرا في الحقيقة، يستحيل أن يكون لها موضوع واحد بمعنى الجامع المقولي الذاتي.
 إشكال آخر على القاعدة:
 هذا إشكال على ظاهر عبارة الأعلام من أن الغرض الواحد يكشف عن كون المؤثِّر (الموضوع) واحدًا مثله. وهو أن الغرض؛ كالغرض من علم النحو، وهو (صون اللسان عن الخطأ في المقال)، ليس مترتِّبا على وجود المسائل النحوية أصلا، ليكون الموضوع الجامع المنتزع من موضوعات هذه المسائل هو المؤثِّر والمولِّد لهذا الغرض، وإنما مترتب على تعلّم تلك المسائل ومراعاتها، وعليه ينبغي القول: إن الغرض الواحد يكشف عن الكون المؤثر فيه علمًا واحدًا؛ أي العلم بمسائل العلم، وليس موضوعا واحدا.
 المبحث الثاني: تعريف موضوع العلم
 ماذا يُبحث في العلم؟ المعروف أنه يُبحث في كل علم عن عوارض موضوعه الذاتية، ولتوضيح التعريف لا بد من بيان أمور ثلاثة:
 - الأول: معنى العرض.
 - الثاني: أقسام العرض السبعة.
 - الثالث: العرض الذاتي والغريب.
 الأمر الأول: معنى العرض
 العرض: (هو المحمول الخارج عن ذات الموضوع)، ويشمل العرضي المقابل للذاتي في كتاب الإيساغوجي؛ أي الكليات الخمسة، وهذا العرضي إما أن يكون مختصًّا بموضوعه، فيكون عرضا خاصا؛ كالضاحك بالنسبة للإنسان، أو غير مختص به؛ كالماشي بالنسبة للإنسان والفرس والأسد ...
 كما يشمل الذاتي في كتاب البرهان، وهو (المحمول الخارج عن ذات الموضوع، المنتزع من مقام الهوية والذات، اللازم له)، وبما أنه خارج عن ذات الموضوع، فهو ليس بجنس ولا فصل، كالإمكان بالنسبة إلى ما سوى واجب الوجوب لذاته، ولا يمكن سلب الإمكان عنه بوقت من الأوقات، كما لا يخفى، وإلا لانقلب إلى ممتنع لذاته، وهو محال.
 الأمر الثاني: أقسام العرض السبعة
 ينقسم العرض الأعم من العرض في كتاب الإيساغوجي والذاتي في كتاب البرهان إلى سبعة أقسام:
 - القسم الأول: عروضه على الموضوع بلا واسطة، فيكون حمله على الموضوع بمقتضى ذاته؛ مثل عروض الإمكان على الإنسان، وعروض إدراك الكليات عليه، فإنهما عارضان عليه لذاته بلا واسطة.
 - القسم الثاني: عروضه على الموضوع بواسطة داخلية؛ أي من ذات الموضوع مقوِّمة له، ومساوية له؛ أي النسبة بينها وبين الموضوع التساوي؛ كعروض التكلم على الإنسان بواسطة داخلية مساوية لذاته، وهي الناطقية.
 - القسم الثالث: عروضه على الموضوع بواسطة داخلية أيضا، ولكنها أعم من الموضوع؛ أي النسبة بينها وبين الموضوع عموم مطلق؛ كعروض الحركة الإرادية على الإنسان بواسطة داخلية أعم من ذاته، وهي الحيوانية.
 


[1] - كفاية الأصول، الآخوند الخرساني،ج1، ص 7

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo