< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

33/11/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الثانية \ الوضع \ أقسام الوضع
 المبحث الرابع: أقسام الوضع والمعنى الحرفي
 قال صاحب الكفاية: ( ثم إن الملحوظ حال الوضع: إما يكون معنى عاما، فيوضع اللفظ له تارة، ولأفراده ومصاديقه أخرى، وإما يكون معنى خاصا، لا يكاد يصح إلا وضع اللفظ له دون العام، فتكون الأقسام ثلاثة؛ وذلك لأن العام يصلح لأن يكون آلة للحاظ أفراده ومصاديقه بما هو كذلك، فإنه من وجوهها، ومعرفة وجه الشيء معرفته بوجه، بخلاف الخاص، فإنه بما هو خاص، لا يكون وجها للعام، ولا لسائر الأفراد، فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له، ولا لها - أصلا - ولو بوجه ).
 أقول: الكلام في أقسام الوضع يقع في ثلاث جهات:
 الجهة الأولى: أقسام الوضع المتصوَّرة عقلا
 الإنصاف أن أقسام الوضع أربعة بالحصر العقلي؛ لأن الإنسان حينما يريد الوضع لا بد أن يتصور المعنى واللفظ، وعليه، فلا يخلو المعنى المتصوَّر من حالين:
 إما أن يكون كليا عاما، أو جزئيا خاصا. وعلى الأول، فإما أن يوضع اللفظ لذاك المعنى المتصوَّر، أو لأفراده ومصاديقه، والأول يكون الوضع فيه عاما والموضوع له عاما، والثاني يكون الوضع فيه عاما والموضوع له خاصا. وأما إن كان المعنى المتصوَّر جزئيا خاصا،فإذا وضع اللفظ له، فيكون الوضع خاصا والموضوع له خاصا، وإن وضع اللفظ لمعنى عام كلي يشمل المعنى المتصوَّر وغيره، فيكون الوضع خاصا والموضوع له عاما. فهذه أربعة أقسام بالحصر العقلي.
 ثم إن المراد من (الوضع) هنا، المعنى المتصوَّر قبل وضع اللفظ له، فإذا وُضِع لفظ بإزائه يصبح (موضوعا له).
 الجهة الثانية: أقسام الوضع الممكنة
 أما الوضع العام والموضوع له العام: كتصور معنى الإنسان الكلي، ووضع لفظ الإنسان بإزائه، فهذا قسم ممكن بالاتفاق، بل واقع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
 وكذا الوضع الخاص والموضوع له الخاص؛ كتصور معنى زيد الجزئي ووضع لفظ بإزائه، فهو قسم ممكن بالاتفاق، بل واقع أيضا كما سنبين.
 أما الوضع العام والموضوع له الخاص: كتصور كلي، ووضع اللفظ لأفراده ومصاديقه، فالمشهور على إمكان هذا القسم؛ ذلك أن المعنى الكلي يكشف عن أفراده، ويحكي عنها إجمالا، فهو وجه مصاديقه، وبالتالي نستطيع من خلال تصوره أن نتصور أفراده تصورا إجماليا لا تفصيليا. وهذا ما يدفع إشكال المحقق الإيراواني على إمكان هذا القسم؛ حيث نفى إمكانية الوضع العام والموضوع له الخاص؛ بحجة أن الأفراد غير متصوَّرة، فلا يصح وضع لفظ بإزائها إن لم تكن متصوَّرة.
 وأما الوضع الخاص والموضوع له العام: أي تصور معنى جزئي خاص، ووضع اللفظ بإزاء معنى كلي يشمل المتصوَّر وغيره، فالمشهور على استحالة هذا القسم أيضا؛ لبداهة أننا لم نتصوّر غير الجزئي الخاص، فلا يمكن وضع لفظ بإزاء غيره، والحال أن الوضع ضرب من ضروب الحكم، ولا يُعقل الحكم على شيء غير متصوَّر، فالخاص لا يكشف عن العام لا تفصيلا ولا بوجه من الوجوه، ومن هنا لا يقع الخاص في القضايا المعلومة التي يتوصل من خلالها إلى معرفة أمر مجهول؛ لأن الخاص لا يكون كاسبا ولا مكتسَبا؛ لأنه لا يكون دالا وكاشفا عن شيء، سواء كان ذاك الشيء خاصا أم عاما، بل الخاص لا يحكي ولا يكشف إلا عن نفسه. وأما أنه لا يكون مكتسَبا؛ فلأن الكاسب له إن كان خاصا، فقد عرفت أن الخاص لا يكون كاسبا، وإن كان عاما كليا، فأيضا لا يكون متكسَبا؛ لأن ترتيب المقدمات الكلية؛ أي ضم كلي إلى كلي، لا يفيد الجزئية، كما هو معلوم.
 نعم، الخاص في الوجدانيات كاسب ومكتسَب؛ فإن النظر إلى فرد خاص، يكسبنا صورة خاصة، فالنظر الجزئي الخاص كاسب للصورة الجزئية الخاصة، والصورة الجزئية الخاصة مكتسَبة من هذا النظر الجزئي الخاص.
 ثم إن صاحب البدائع الشيخ حبيب الله الراشتي المتوفى سنة 1314ﻫ، حاول تصحيح إمكان هذا القسم؛ وذلك كما لو نظرنا إلى شبح من بعيد، فعلمنا أنه حيوان، ولكننا لم ندرِ، هل هو إنسان أم فرس أم شاة؟ فهنا تصوُّرنا للشبح تصور لمعنى جزئي خاص، فإذا وضعنا لفظ الحيوان بإزاء معنى كلي ينطبق على الشبح المرئي وغيره من أفراد الحيوان، فيكون من الوضع الخاص والموضوع له العام، وفيه ما لا يخفى؛ فإن الشبح المرئي، إما أن يلاحظ بجميع خصوصياته، ويوضع اللفظ بإزاء ذاك المرئي بخصوصياته، فيكون الوضع خاصا والموضوع له خاصا، وإما أن يوضع اللفظ بإزاء المعنى الكلي المتصوَّر المنطبق على المرئي وغيره، والذي فرضناه أنه حيوان، فيكون من الوضع العام والموضوع له العام، ولا يوجد قسم آخر.
 ويبقى أن نشير، قبل أن ندخل في الجهة الثالثة من هذا المبحث، إلى أن الوضع ينقسم بالنسبة للفظ إلى قسمين:
 - وضع شخصي: وهو أن يلاحِظ الواضع لفظا، ثم يضع شخص اللفظ بإزاء معنى من المعاني؛ وذلك كما في أسماء الأجناس وأعلام الأشخاص.
 - وضع نوعي: وهو أن يضع نوع اللفظ بإزاء المعنى؛ كما في مثل لفظ الفاعل، فإنه يلحظه الواضع بنوعه؛ أي بهيئته، فيقول: (كل ما كان على هذا الوزن، فهو موضوع لمعنى كذا)، وكذا غيره من الهيئات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo