< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

33/12/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الأولى\ وحدة موضوع العلم
 كان الكلام فيما ذهب إليه صاحب الكفاية من أن المعنى الحرفي من قسم الوضع العام والموضوع له العام، والمستعمل فيه عام، فحاصل ما ذكره من عدم كون الموضوع له فيها خاصا، هو أن الخصوصية المتوهمة في المقام لا تخلو: إما أن تكون خارجية أو ذهنية.
 أما الخارجية، فغير منتجة للخصوصية الحقيقية، وقد ذكرناه بالأمس
 وأما الخصوصية الذهنية: بمعنى ملاحظة المعنى الحرفي آلة لغيره وحالة له، فهل تصلح لجعل المعنى الحرفي معنى جزئيا؛ ليكون من الوضع العام والموضوع له خاص؟ فنقول:
 اعلم أوّلا أنه لا يمكن لحاظ المعنى الحرفي مستقلا في الذهن، بل نلحظه ضمن أطرافه، آلة لها، وحالة من حالاتها؛ ففي قولنا: (زيد في الدار)، لا يمكن لحاظ الخصوصية الظرفية مستقلة عن (زيد) و(الدار)، وإنما تُلحظ حالة ونعتا للدار، وكذلك لا يمكن أن توجد هذه الظرفية في الخارج بمعزل عن طرفيها؛ كما الأعراض، فهي لا توجد في الخارج بنفسها، وإنما لا بد لها من موضوع تعرض عليه، وإن أمكن تصوّر الأعراض مستقلة في الذهن، خلافا للمعنى الحرفي.
 وبناء عليه، إن أمكن لهذه الخصوصية الذهنية للمعنى الحرفي؛ أي لحاظ الحرف آلة لغيره وحالة له، أن تكون جزءا من المعنى الحرفي، لصار المعنى جزئيا حقيقيا؛ لأن اللحاظ يحصحص المعنى، وبالتالي يكون المعنى الحرفي من الوضع العام والموضوع له خاص، إلا أن أخذ اللحاظ جزءا من المعنى الحرفي غير ممكن؛ لإشكالات ثلاثة، هي:
 الإشكال الأول:
 نحن نعلم أن المستعمِل حينما يستعمل لفظا في معنى خاص حقيقيا كان أم مجازيا، لا بد أن يلحظ اللفظ والمعنى في ذهنه، وهذا اللحاظ الذهني للمعنى إما أن يكون عين اللحاظ السابق المفروض أنه يشكِّل مع الخصوصية؛ كخصوصية الابتداء في (من)، مركَّب المعنى الحرفي، أو أن هذا اللحاظ الذهني غير ذاك اللحاظ السابق.
 فإن كان هذا اللحاظ الذهني الحاصل خلال الاستعمال هو عين اللحاظ السابق، فيلزم تقدّم الشيء على نفسه؛ لأن اللحاظ السابق، جزء المعنى الحرفي، حاصل قبل الاستعمال. وإن كان غيره، فهو أولا خلاف الوجدان النافي لاثنينية اللحاظ، وثانيا إن الوجود الذهني لا يقبل وجود آخر؛ أي لا يقبل التكرر، فكيف يتعلَّق به لحاظ آخر؟
 وعليه، لا يمكن أخذ اللحاظ جزءا من المعنى الحرفي.
 الإشكال الثاني:
 إن كان لحاظ المعنى الحرفي جزء معناه، لكان موطنه الذهن دائما؛ إذ لا وجود له إلا في الذهن، وعليه لا يمكن انطباقه على الخارجيات؛ مثلا في قولنا: (سرت من البصرة إلى الكوفة)، الحرف (من) معناه الخصوصية الابتدائية من البصرة إلى الكوفة؛ أي الربط الخاص بينهما، فإن كان المعنى الحرفي ذهنيا لأن اللحاظ جزء منه، فلا يمكن أن ينطبق على الخارجيات؛ أي لا يمكن امتثاله إلا بتجريده عن جزئه، وهو لحاظ النسبة الابتدائية؛ لأنه ذهني، مما يجعل الاستعمال مجازيا محتاجا إلى علامة بين المعنى الحقيقي والمجازي مع وجود القرينة على ذلك.
 فالإنصاف أن اللحاظ إن كان جزء المعنى الحرفي، فقبل تجريده من اللحاظ لا يمكن امتثاله؛ لأن الوجودات الذهنية لا تقبل الامتثال، وبعد تجريده منه يكون الاستعمال مجازيا.
 وعليه، لا يمكن أخذ اللحاظ جزءا من المعنى الحرفي.
 الإشكال الثالث:
 إن كان لحاظ المعنى الحرفي جزء المعنى، فلمَ لا يكون لحاظ المعنى الاسمي جزءا من المعنى الاسمي أيضا؟ فإما أن يؤخذ جزءا في كل منهما أو لا، والفرق بينهما تحكّم. ومع أخذ اللحاظ جزءا من المعنى الاسمي، يلزم أن تكون كل المعاني الاسمية جزئية؛ كالمعاني الحرفية، وهو باطل.
 وبناء على هذه الإشكالات المتقدمة، أصبحت النتيجة عند صاحب الكفاية أن الموضوع له في الحروف عام كالوضع، وأن معنى الحرف متّحد مع معنى الاسم؛ فلفظة (من) و(الابتداء) مثلا موضوعان لمعنى واحد، وهو الابتداء الكلي، ولحاظ الآلية في الحروف كلحاظ الاستقلالية في الأسماء خارج عن طبيعة المعنى، إلا أنه أشكل على نفسه بعد كون معنى الحرف متحدا مع المعنى الاسمي، وأن طبيعتهما واحدة، بأنه يلزم أن تكون لفظة (من) مثلا مرادفة للفظة (الابتداء)، وبالتالي يصح استعمال كل منهما في موضع الآخر، والحال أنه لا يصح استبدال (سرت من البصرة) ﺑ(سرت ابتداء البصرة).
 ويجيب صاحب الكفاية على إشكاله بأن عدم صحة الاستبدال راجعة إلى أن الواضع قد شرط حين الوضع أن لا يُستعمل المعنى الحرفي إلا إذا لوحظ آلة لغيره، ولا يُستعمل المعنى الاسمي إلا مستقلا، وإن كان معناهما واحدا. وعليه، إن استعمل أحدهما في موضع الآخر، يكون الاستعمال بلا علقة وضعية.
 وللإجابة على جواب صاحب الكفاية لا بد من فهم مراده من هذا الاشتراط؛ ولا يحتمل أن يكون مراده من هذا الشرط هو الاشتراط على المستعملين؛ بأن يستعملوا المعنى الحرفي آلة لغيره، والمعنى الاسمي مستقلا؛ بحيث يكون من قبيل الشرط في العقود؛ لأن هذا أولا لا دليل عليه، وثانيا لو علمنا ذلك، فلا دليل على وجوب الوفاء بهذا الشرط.
 وقيل: لعل مراده أن الواضع اشترط على نفسه ذلك حين الوضع؛ بأن لا يستعمل المعنى الحرفي إلا آلة لغيره، ولا يستعمل المعنى الاسمي إلا مستقلا.
 وفيه: إنه لا دليل على وجوب اتباع الواضع في شرطه الذي لا يعود إلى اللفظ ولا المعنى من جهة، ثم لو سلّمنا بوجوب الاتباع، وعصينا بمخالفة الشرط واستعملنا (من) مثلا في موضع (الابتداء)، فإن العصيان يوجب الإثم، ولكنه لا يوجب الخطأ في الاستعمال، مع أن الخطأ في الاستعمال واقع وجدانا.
 وقيل: إن مراده أن العلقة الوضعية مقيّدة بذلك؛ بحيث يرجع الشرط إليها؛ فاستعمال لفظ الابتداء في موضع كلمة (من)، ليس استعمالا في غير الموضوع له، بل هو استعمال فيه، ولكنه من دون علقة وضعية. ويرد عليه بما ذكرناه سابقا، فلا حاجة للإعادة.
 وقيل: لعل مراده أن لفظ (الابتداء) وُضِع لمفهوم الابتداء، ولفظة (من) وضعت لمصاديق الابتداء؛ أي النسبة الابتدائية أو الابتداء بالحمل الشائع. وفيه: هذه الدعوى تخالف ما ذهب إليه صاحب الكفاية نفسه من أن (الابتداء) و(من) وُضعا لمعنى واحد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo