< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/01/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمات \ المقدمة الرابعة \ وضع المركبات وعلامات الحقيقة
 الأمر السادس: وضع المركبات
 قال صاحب الكفاية: ( لا وجه لتوهم وضع للمركبات، غير وضع المفردات؛ ضرورة عدم الحاجة إليه، بعد وضعها بموادها، في مثل (زيد قائم)، و(ضرب عمرو بكرا) شخصيا، وبهيئاتها المخصوصة من خصوص إعرابها نوعيا، ومنها خصوص هيئات المركبات الموضوعة لخصوصيات النسب والإضافات، بمزاياها الخاصة من تأكيد، وحصر وغيرهما نوعيا؛ بداهة أن وضعها كذلك واف بتمام المقصود منها، كما لا يخفى من غير حاجة إلى وضع آخر لها بجملتها، مع استلزامه الدلالة على المعنى: تارة بملاحظة وضع نفسها، وأخرى بملاحظة وضع مفرداتها، ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك، هو وضع الهيئات على حدة، غير وضع المواد، لا وضعها بجملتها، علاوة على وضع كل منهما ).
 تعرض الأصوليون ومنهم صاحب الكفاية في هذا الأمر إلى أنه هل للمركبات وضع خاص غير وضع المفردات والهيئات والنسب أم لا؟ وتوضيحه:
 إذا قلنا: (زيد قائم)، نجد أن (زيد) موضوع بالوضع الشخصي لمعناه، أما (قائم) فمادة القيام فيها موضوعة للحدث لا بشرط، بينما هيئتها موضوعة بالوضع النوعي لذات ثبت لها القيام، أما النسبة بين (زيد) و(قائم)، فهي موضوعة للربط الخاص بينهما، وقد يستفاد من هذه النسبة أمور كثيرة؛ كالدلالة على الإخبار، والدلالة على الثبوت لا الحدوث، والدلالة على الاستمرار شأن الجمل الفعلية ...
 إذا عرفت ذلك، فنسأل: بعد أوضاع مفردات الجملة، ووضع الهيئة والنسبة، هل نحتاج إلى وضع آخر؟
 يجيب صاحب الكفاية بالنفي؛ لأن الوضع لأجزاء الجملة واف بتمام معناها، فالإنصاف أنه لا وضع للمركبات. وعليه، لا مجاز مركب؛ ذلك أن المجاز فرع الحقيقة، والحقيقة بالوضع، ولا وضع للمركبات، فلا مجاز لها.
 يبقى دليل آخر على أن المركب ليس موضوعا، وهو أنه لو كان المركب موضوعا بوضع آخر غير وضع أجزائها، لكانت الجملة دالة على معنيين في عرض واحد، ولا معنى غير ما دلت عليه المفردات والنسبة.
 الأمر السابع: علامات الحقيقة
 قال صاحب الكفاية: ( لا يخفى أن تبادر المعنى من اللفظ، وانسباقه إلى الذهن من نفسه - وبلا قرينة - علامة كونه حقيقة فيه؛ بداهة أنه لولا وضعه له، لما تبادر. ولا يقال: كيف يكون علامة؟ مع توقفه على العلم بأنه موضوع له، كما هو واضح، فلو كان العلم به موقوفا عليه لدار. فإنه يقال: الموقوف عليه غير الموقوف عليه، فإن العلم التفصيلي - بكونه موضوعا له - موقوف على التبادر، وهو موقوف على العلم الإجمالي الارتكازي به، لا التفصيلي، فلا دور ).
 يتناول صاحب الكفاية في هذا الأمر علامات الحقيقة، فشرع في التبادر، إلا أننا سنجعله ثالث العلامات التالية:
 العلامة الأولى: نص الواضع
 وهي أن ينص الواضع على أنه وضع اللفظ المعين للمعنى المعين. وهذه العلامة وإن صحت كبرويا، إلا أنه لا صغرى لها. أما وضع أسماء الأعلام، فهي خارجة عن محل البحث؛ لأن الكلام في حال الشك في الحقيقة والمجاز، ولا شك في وضع أسماء الأعلام ونحوها.
 العلامة الثانية: أهل اللغة
 وتقضي هذه العلامة بالرجوع إلى أهل اللغة لتمييز المعنى الحقيقي عن المجازي، وفيها كلام من حيث الكبرى والصغرى:
 أما كبرويا، فإثبات حجية قول اللغوي أما أن تكون من باب أنهم من أهل الخبرة، والسيرة العقلائية قاضية بالرجوع إليهم. وإما من باب الشهادة؛ باعتبار اللغوي شاهدة على الاستعمال الحقيقي ببينة حسية. وإما من باب الانسداد.
 أما صغرويا، فمهما كان منشأ القول بحجية قول اللغوي، فالصغرى غير ثابتة؛ لأن اللغوي ينقل لنا استعمالات الألفاظ، وقلما يتطرق إلى التمييز بين الاستعمال الحقيقي والمجازي. وبالتالي، لا فائدة من الرجوع إلى أهل اللغة.
 العلامة الثالثة: التبادر
 وهو الطريق الذي ذكره صاحب الكفاية، ويعني انسباق الذهن إلى معنى معين بمجرد سماع اللفظ؛ حيث يكون هذا الانسباق من حاق اللفظ، وبلا قرينة مقامية أو مقالية، فيكون أمارة على الحقيقة؛ إذ المجاز لا ينسبق إلى الذهن بلا قرينة.
 وفي هذه العلامة إشكالات متعددة:
 أولا: لما كان التبادر حاصلا من سماع اللفظ، فلا بد أن يكون المستمع عالما بالوضع، فالتبادر معلول للعلم بالوضع. ولكن العلم بالوضع معلول للتبادر؛ إذ الفرض أنني قبل التبادر كنت جاهلا به، فيلزم توقف التبادر على العلم بالوضع، وتوقف العلم بالوضع على التبادر، وهو دور باطل.
 وجوابه: يُذكر في مبحث أشكال القضايا في المنطق إشكالٌ على الشكل الأول مثل: زيد إنسان (صغرى)، وكل إنسان حيوان (كبرى)، فزيد حيوان (نتيجة)؛ حيث يقال: إن العلم بالنتيجة متوقف على العلم بالكبرى، والعلم بالكبرى متوقف على العلم بالنتيجة، فيلزم الدور الباطل. وقد أجيب على هذا الإشكال أن العلم التفصيلي بالنتيجة متوقف على الكبرى، ولكن العلم بالكبرى متوقف على العلم الإجمالي بالنتيجة، فيلزم التغاير المانع من الدور.
 وهذا من ذاك، فإن التبادر متوقف على العلم بالوضع إجمالا أي العلم الإرتكازي في الذهن، بينما يتوقف العلم التفصيلي بالوضع على التبادر، فيلزم التغاير بين الموقوف والموقوف عليه، فلا دور. أما العلم الإرتكازي، فمنشؤه في الغالب المحاورات التي يسمعها الإنسان، فيشكل صورة إجمالية عن استعمالات الألفاظ في معانيها، فإذا سمع بعد ذلك هذه الألفاظ تبادر للذهن معناها التفصيلي.
 ثم إن هذا الإشكال إنما يرد فيما لو أردنا التعلم بأنفسنا، أما لو أردنا ذلك من خلال التلقي عن الآخرين، فلا دور؛ لأن علمنا بالوضع حينها متوقف على التبادر لدى الآخرين، والتبادر لديهم متوقف غير متوقف على علمنا بالوضع.
 ثانيا: إن تبادر المعاني الذي يحصل لنا الآن من الألفاظ، إنما يحصل لنا الآن، فكيف نثبت أن اتحاد هذه المعاني مع المعاني السابقة؛ مثلا: إن المتبادر من لفظة (الصعيد) هو مطلق سطح الأرض، فمن أين نعلم أن هذا المعنى المتبادر متحد مع المعنى السابق زمن النبي ؟ فإنه مع عدم إحراز الاتحاد، لا يحق لنا حمل الألفاظ الواردة في القرآن الكريم والسنة الشريفة على المعاني المتبادرة في أذهاننا اليوم.
 وجوابه: إحراز الاتحاد بين المعنى المتبادر والمعنى السابق يتم من خلال أصل عقلائي، وهو أصالة عدم النقل، وهو ما يعرف باستصحاب القهقرى، أو من خلال أصل تشابه الأزمان، فهذا الأصل نثبت الاتحاد بلا إشكال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo