< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/01/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ مقدمات \ المقدمة الرابعة \ علامات الحقيقة \الاطراد
 العلامة الرابعة: الاطراد
 قال صاحب الكفاية: ( ثم إنه قد ذكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز أيضا، ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة في المجازات؛ حيث لا يطرد صحة استعمال اللفظ معها، وإلا فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال، فالمجاز مطرد كالحقيقة ).
 من علائم الحقيقة (الاطراد)، وليس معناه كثرة الاستعمال في معنى كيفما كان، وإلا لكانت صحة الحمل كافية في الدلالة على الحقيقة. وإنما المراد من (الاطراد) استعمال اللفظ في مقامات مختلفة وتراكيب مختلفة مع حفظ خصوصية المستعمَل فيه، فإن استعمل اللفظ في معنى هكذا، كان هذا الاستعمال أمارة على الحقيقة، وإن لم يصح كان أمارة على المجاز.
 توضيحه: نجد أن لفظ (الأسد) بمعنى الحيوان المفترس يستعمل في مقامات وتراكيب مختلفة مثل: (افترس الأسد)، (هجم الأسد)، (وثب الأسد)، (أكل الأسد)، (نام الأسد) ... فهذا الاطراد علامة على أن استعمال هذا اللفظ في الحيوان المفترس استعمال حقيقي.
 أما استعمال هذا اللفظ في مطلق حيوان لعلقة الشجاعة، فغير مطرد؛ فلا يستحسن العرف مثل قولك: (رأيت أسدا على عمود الكهرباء) قاصدا عصفورا شجاعا، أو (رأيت أسدا يأكل جزرا) قاصدا أرنبا شجاعا.
 وإن قيل: صحيح أن اللفظ استعمال لفظ (الأسد) في غير الحيوان المفترس غير مطرد، ولكن استعماله في الرجل الشجاع صحيح.
 يجيب صاحب الكفاية: يشترط في كون الاطراد أمارة على الحقيقة أن تكون العلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي علاقة نوعية لا شخصية؛ أي بقطع النظر عن خصوصية في المستعمَل فيه، والحال أن العلاقة بين الأسد والرجل الشجاع علاقة شخصية لوحظ فيها خصوصية الرجل.
 أقول: إن مناط الاطراد الذي هو علامة على الحقيقة، استعمال هذا اللفظ في هذا المعنى في مقامات مختلفة ومحمولات متعددة بلا قرينة ولا خصوصية، سواء كانت العلاقة شخصية أم نوعية. أما استعمال (الأسد) في الرجل الشجاع، فليس استعمالا مطردا كما ذهب صاحب الكفاية؛ لأنه لا يحسن هذا الاستعمال لدى العرف إلا في مقام المدح أو التهكم، فلا يحسن مثل: (صلى الأسد)، أو (دعا الأسد) ... وإن قُصد الرجل الشجاع.
 ومثال آخر: (الرقبة) في اللغة هي العنق، وتطلق على العبد، فيقال: (اعتق رقبة)،عولكن لا نجد أن هذا الاستعمال مطرد؛ إذ لا يحسن قولك: (تزوجت الرقبة)، أو (صامت الرقبة) ... فبما أن استعمال الرقبة في العبد غير مطرد في كافة التراكيب والمقامات، فلا يكون استعمالا حقيقيا.
 وعلي، فإن ضابطة الاطراد أن يكثر استعمال اللفظ في معنى بلا قرينة ولا خصوصية، وفي مقامات متعددة وتراكيب كثيرة، بقطع النظر عن كون العلاقة شخصية أم نوعية.
 ولعل الاطراد أفضل العلائم على الحقيقة؛ وذلك لأمرين:
 أولا: لأن الاطراد لا يتوقف على العلم بالوضع، بل العلم بالوضع هو المتوقف على الاطراد، وبالتالي لا يرد إشكال الدور الذي ورد في التبادر.
 ثانيا: قلنا في التبادر أنه متوقف على العلم الإجمالي الارتكازي بالوضع الناشئ من الحوارات وكثرة الاستعمال؛ أي من الاطراد، فيكون التبادر نفسه متوقفا على الاطراد غالبا؛ لإمكانية أن ينشأ من أهل اللغة.
 الأمر الثامن: أحوال اللفظ وتعارضها
 قال صاحب الكفاية: ( إنه للفظ أحوال خمسة، وهي: التجوّز، والاشتراك، والتخصيص، والنقل، والإضمار، لا يكاد يصار إلى أحدها فيما إذا دار الأمر بينه وبين المعنى الحقيقي، إلا بقرينة صارفة عنه إليه. وأما إذا دار الأمر بينها، فالأصوليون، وإن ذكروا لترجيح بعضها على بعض وجوها، إلا أنها استحسانية، لا اعتبار بها، إلا إذا كانت موجبة لظهور اللفظ في المعنى ... ).
 يتطرق صاحب الكفاية في هذا الأمر إلى أحوال اللفظ وتعارضها مع المعنى الحقيقي، وفيما بينها.
 أما أحوالها غير الحقيقة، فهي خمسة:
 التجوّز: وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له؛ كاستعمال (الأسد) في الرجل الشجاع.
 الاشتراك: وهو وضع لفظ بأوضاع متعددة لمعان متعددة؛ كلفظ (العين) الموضوع للعين الباصرة، والعين النابعة، وأعيان الأشياء.
 التخصيص: وهو قصر العام على بعض منه؛ كما في قولك: (أكرم العلماء إلا الفساق).
 النقل: وهو نقل اللفظ من معناه الحقيقي الموضوع له إلى معنى جديد؛ مثل لفظ (المدينة)؛ فإنه موضوع لمطلق مدينة، ثم نقل إلى خصوص مدينة رسول الله 3.
 الإضمار: فكما في قولك: (جاء زيد)؛ حيث تحتمل أن يكون لا يكون الجائي زيدا نفسه، بل غلامه، أو رسوله، أو كتابه؛ وذلك بإضمار أحد تلك الألفاظ.
 إذا عرفت أحوال اللفظ الخمسة غير الحقيقة، فننقل الكلام إلى تعارضها مع المعنى الحقيقي من جهة، وتعارضها فيما بينها من جهة أخرى.
 أما تعارضها مع المعنى الحقيقي: فلا خلاف في تقديم المعنى الحقيقي بأصل عقلائي، وهو أصالة الحقيقة. فإذا درا الأمر بين المجاز والحقيقة، فالأصل هو الحمل على الحقيقة. وإذا دار الأمر بين الاشتراك وعدمه، أو بين التخصيص وعدمه، أو بين النقل وعدمه، أو بين الإضمار وعدمه، فالأصل هو عدم كل ذلك.
 والجدير ذكره أن هذه الأحوال الخمسة ليست على نسق واحد، فالشك في الاشتراك والنقل شك في الوضع؛ فأنا حينما أشك في لفظ (العين) هل يستعمل في الجاسوس أم لا حقيقة؟ فأنا أشك في أنه هل وضع هذا اللفظ للجاسوس أم لا؟ فالشك هنا شك في الوضع. وكذلك حينما أشك في لفظ (المدينة) هل يستعمل في مدينة رسول الله استعمالا حقيقيا أم لا؟ فأنا أشك في أنه هل وضع هذا اللفظ لمدينة النبي أم لا؟ فالشك هنا شك في الوضع أيضا.
 أما الشك في المجاز والتخصيص والإضمار: فهو شك في المراد؛ فلو كنت عالما بأن لفظ (الأسد) موضوع لخصوص الحيوان المفترس، ثم سمعت قائلا يقول: (رأيت أسدا)، فشككت هل يريد الحيوان المفترس أم الرجل الشجاع؟ فهنا أشك في مراد المتكلم لا في الوضع. وكذلك فيما لو قيل: (أكرم كل عالم)، فشككت هل يريد المتكلم خصوص العدول منهم أم كلهم؟ فهنا أشك في مراد المتكلم أيضا لا في الوضع. وكذلك لو قيل: (جاء زيد)، فشككت هل يريد المتكلم زيدا نفسه، أم غلامه؟ فهنا أشك في مراده أيضا لا في الوضع.
 هذا بالنسبة إلى تعارضها مع المعنى الحقيقي، أما تعارضها فيما بينها، كما لو دار الأمر مثلا بين الاشتراك والمجاز؛ مثل لو قيل: (رأيت عينا) وأردت جاسوسا، فشككت هل العين موضوعة للجاسوس فيكون الاستعمال من باب الاشتراك، أم غير موضوعة له فيكون الاستعمال مجازا؟ هنا نفى صاحب الكفاية وجود ضابطة لتقديم أحد الاستعمالين على الآخر، بينما رجح بعضهم تقديم المجاز لسعة استعماله من جهة، وملاحته من جهة أخرى.
 وفيه: صحيح أن المجاز أوسع وأملح، إلا أن ذلك لا يصلح دليلا على تقديمه على الأقل سعة وملاحة؛ كالاشتراك، في حال دوران الأمر بينهما.
 والخلاصة: أنه لو دار الأمر بين هذه الأحوال الخمسة والمعنى الحقيقي، فيقدم المعنى الحقيقي، بينما لو دار الأمر فيما بينها، فلا ضابطة لتقديم إحداها على الأخرى

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo