< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثاني عشر \ استعمال اللفظ في أكثر من معنى \صور الاستعمال
 الأمر الثاني عشر: استعمال اللفظ في أكثر من معنى
 قال صاحب الكفاية: ( الثاني عشر: إنه قد اختلفوا في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى على سبيل الانفراد والاستقلال، بأن يراد منه كل واحد، كما إذا لم يستعمل إلا فيه، على أقوال: أظهرها عدم جواز الاستعمال في الأكثر عقلا. وبيانه: إن حقيقة الاستعمال ليس مجرد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنى، بل جعله وجها وعنوانا له، بل بوجه نفسه كأنه الملقى، ولذا يسري إليه قبحه وحسنه كما لا يخفى، ولا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك، إلا لمعنى واحد؛ ضرورة أن لحاظه هكذا في إرادة معنى، ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر؛ حيث إن لحاظه كذلك، لا يكاد يكون إلا بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه، فناء الوجه في ذي الوجه، والعنوان في المعنون، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد، ومع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال. وبالجملة: لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد، لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين، إلا أن يكون اللاحظ أحول العينين ).
 أقول: إن استعمال اللفظ في أكثر من معنى له صور أربع:
 الأولى: استعمال اللفظ في معنى كلي له أفراد؛ مثل استعمال صيغة الأمر الموضوعة لمعنى كلي، وهو طلب الشيء الأعم من أن يكون على نحو الوجوب أو الندب.
 الثانية: استعمال اللفظ في عدة معاني تشكل أجزاء لجامع؛ حيث يقال: استعمل اللفظ في مجموع المعاني.
 الثالثة: استعمال اللفظ في أحد معانيه من دون تعيين؛ كاستعمال لفظ (العين) في الباصرة أو الجارية من دون تعيين أي منهما.
 الرابعة: استعمال اللفظ في أكثر من معنى على أن يكون كل معنى ملحوظا استقلالا، وكأن اللفظ مستعمَل فيه فقط؛ كما لو أطلقنا لفظ (العين) وأردنا معانيها في آن واحد، كل منها على نحو الاستقلال؛ حيث لوحظ معنى الباصرة استقلالا، والجارية استقلالا، والجاسوسية كذلك.
 ولا إشكال في ثبوت الاستعمال على نحو الصورة الأولى والثانية والثالثة، وإنما النزاع حول الصورة الرابعة، فهل يصح في استعمال واحد إرادة أكثر من معنى على نحو الانفراد والاستقلال، وبلحاظ واحد أم لا؟
 المبحث الأول: أدلة امتناع الاستعمال في أكثر من معنى
 ذهب المشهور إلى امتناع استعمال لفظ في أكثر من معنى على نحو الاستقلال، وقد ذكروا لذلك دليلين:
 الدليل الأول:
 وقد ذكره صاحب الكفاية وجماعة، وحاصله: لما كان الاستعمال عبارة عن إفناء اللفظ في المعنى فناء الوجه في ذي الوجه، والعنوان في المعنون؛ بحيث يلحظ اللفظ آلة للمعنى وتبعا له، فإذا فني اللفظ في معنى (الباصرة) من معاني (العين)، فما الذي يفنى في المعاني الأخرى إذا أردناها على نحو الاستقلال أيضا؛ كالجارية والجاسوسية؟ فلا يمكن أن يفنى اللفظ مرتين. ومن هنا كان هذا الاستعمال محالا عقلا؛ للزومه اجتماع النقيضين، وهما الفناء وعدمه؛ حيث يكون اللفظ بلحاظ استعماله في المعنى الأول فانيا بالنسبة إليه، وغير فان بالنسبة للمعنى الثاني، وهو محال.
 وعليه لا يصح هذا الاستعمال، سواء كان على نحو الحقيقة في جميع المعاني أم على نحو المجاز، أم على نحو الحقيقة في بعضها وعلى نحو المجاز في بعضها الآخر؛ للزومه اجتماع النقيضين مطلقا.
 هذا هو حاصل الدليل الأول على امتناع هذا الاستعمال، وقد أشكل عليه بأنه مبني على تفسير الاستعمال بفناء اللفظ في المعنى، فإنه إن كان كذلك، فلا إشكال في امتناعه، ولكنه غير ممتنع بناء على أن الاستعمال عبارة عن كون اللفظ أمارة على المعنى لا فانيا فيه؛ حيث يمكن استعمال اللفظ في أكثر من معنى استقلالا؛ ذلك أن الأمارة لا تنفني بلحاظ أحد المعاني لتمتنع مع الباقي؛ تماما كما لو تبانى شخصان على أنه إن قام أحدهما بإشارة معينة، فهو يعني إرادته لكذا وكذا، وكيت وكيت، ونظير هذا في الاستعمال.
 الجواب: إنصافا لو كان الاستعمال عبارة عن أمارية اللفظ على المعنى، لصح استعمال اللفظ في أكثر من معنى استقلالا، ولكن الحق ما ذهب إليه المشهور من أنه عبارة عن إفناء اللفظ في المعنى؛ بدليل أننا لا نلحظ اللفظ إلا آلة وتبعا للمعنى لا استقلالا، وإنما تلحظ الأمارة استقلالا.
 الدليل الثاني:
 وقد ذكره كل من الميرزا النائيي والآغا ضياء الدين العراقي ، وحاصله: إن النفس لا يمكنها التوجه بكلها إلى شيء حال توجهها بكلها إلى شيء آخر، وبما أن استعمال اللفظ في أكثر من معنى يلزمه أن تلحظ النفس شيئين كل منهما على نحو الاستقلال في آن واحد؛ أي أن تتوجه بكلها إلى كل منهما استقلالا كذلك، وهو محال، فالملزوم مثله.
 هذا هو حاصل الدليل الثاني على امتناع هذا الاستعمال، وقد أشكل السيد الخوئي عليه بإشكالات ثلاثة:
 الإشكال الأول:
 لا مانع من توجه النفس، وهي جوهر بسيط، إلى أكثر من شيء في آن واحد، كتوجهها إلى طرفي القضية والنسبة بينهما كذلك.
 وفيه: إنما لوحظ طرفا القضية من الموضوع والمحمول، ولوحظت النسبة بينهما، في صورة واحدة؛ أي لوحظت هذه الثلاثة على نحو المجموع، والكلام في لحاظ أكثر من ملحوظ بلحاظات متعددة في آن واحد.
 الإشكال الثاني:
 لما كان الإنسان قادرا على القيام بفعلين في آن واحد؛ كأن يكتب ويتكلم معا، والحال أن الفعل أمر اختياري مسبوق بالتصور، فيكون قد تصور فعليه من الكتابة والكلام في آن واحد، وهذا كاشف عن إمكانية لحاظه معنيين في آن واحد وعلى نحو الاستقلال.
 وفيه: لا إشكال في صدور فعلين وأكثر من الإنسان في آن واحد، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون قد تصورهما في آن واحد على نحو الاستقلال، فإما أنه تصورهما على نحو المجموع، أو تصورهما في آنين مختلفين، كل ما في الأمر أنه لما كان الفارق بينهما دقيق جدا، لا نصل إلى لحاظه.
 الإشكال الثالث:
 إن الوجدان قاض بتوجه النفس لأمور متعددة متضادة؛ كتوجهها إلى معنى الحب والكره في آن واحد.
 وفيه: إن لحاظ هذه الأمور لا يمكن أن يحصل على نحو الاختيار في كل منهما.
 فالخلاصة: أنه لا يصح استعمال اللفظ في أكثر من معنى لحاظا استقلاليا في آن واحد.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo