< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثاني عشر \ استعمال اللفظ في أكثر من معنى \صور الاستعمال
 المبحث الثاني: كيفية استعمال التثنية والجمع
 قال صاحب الكفاية: ( ولولا امتناعه فلا وجه لعدم جوازه، فإن اعتبار الوحدة في الموضوع له واضح المنع، وكون الوضع في حال وحدة المعنى، وتوقيفيته لا يقتضي عدم الجواز، بعد ما لم تكن الوحدة قيدا ثم لو تنزلنا عن ذلك، فلا وجه للتفصيل بالجواز على نحو الحقيقة في التثنية والجمع، وعلى نحو المجاز في المفرد، مستدلا على كونه بنحو الحقيقة فيهما؛ لكونهما بمنزلة تكرار اللفظ وبنحو المجاز فيه؛ لكونه موضوعا للمعنى بقيد الوحدة، فإذا استعمل في الأكثر لزم إلغاء قيد الوحدة، فيكون مستعملا في جزء المعنى، بعلاقة الكل والجزء، فيكون مجازا )
 بعد أن عرفت الدليل على عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى مطلقا، أشار صاحب الكفاية إلى ما ذكره صاحب المعالم من وجه عدم الجواز بنحو الحقيقة؛ باعتبار أن اللفظ وضع للمعنى بقيد الوحدة، فاستعماله في المعنيين يستلزم إلغاء قيد الوحدة. وأجاب عن ذلك صاحب الكفاية بأنه لا دليل على اعتبار قيد الوحدة في المعنى، بل ذلك غير ممكن؛ لأن لحاظ الوحدة وأخذه في الموضوع له يستلزم المحاذير السابقة في المعنى الحرفي.
 ثم أشار بقوله: " وكون الوضع في حال وحدة المعنى ..."، إلى ما ذكره المحقق القمي من عدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى. وحاصله: إن الوضع قد حصل في حال وحدة المعنى وانفراده، ولما كانت اللغات توقيفية، فلا بد من مراعاة انفراد المعنى حين استعمال اللفظ فيه؛ فاستعماله في أكثر من معنى ينافي توقيفية اللغات. وأجاب عن ذلك صاحب الكفاية بأن الوضع حال وحدة المعنى لا يوجب تقييدا في الموضوع له، ولا في الوضع. وعليه، فلا يوجد مانع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
 ثم ذكر صاحب الكفاية أن ما فصله صاحب المعالم من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى على نحو الحقيقة في التثنية والجمع، وعلى نحو المجاز في المفرد في غير محله. وحاصل ما ذكره صاحب المعالم أن استعمال اللفظ في أكثر من معنى يستلزم إلغاء قيد الوحدة، ويصبح المستعمل فيه جزء المعنى الموضوع له؛ لأنه استعمل اللفظ في طبيعي المعنى من دون قيد الوحدة، فيكون هذا الاستعمال مجازا بعلاقة الكل والجزء.
 وأما في التثنية والجمع، فيكون الاستعمال حقيقيا؛ لأنهما بمنزلة تكرار اللفظ؛ فلو قلت: (رأيت عينا وعينا)، فكما يصح أن يراد من العين الأولى معنى من المعاني، ومن العين الثانية معنى آخر بلا محذور، كذلك في التثنية والجمع؛ فقولك: (رأيت عينين)؛ أي رأيت عينا جارية مثلا وعينا باصرة، على أن تكون المادة دالة على أحد المعنيين، وعلامة التثنية دالة على المعنى الآخر، وهكذا الحال في الجمع.
 وفيه كما ذكره صاحب الكفاية: إن اللفظ موضوع للماهية المهملة المعراة عن أي قيد يُفرض، وتأتي الخصوصيات عادة من دوالّ أخرى.
 ثم إنه لو سلم أخذ قيد الوحدة في المعنى الموضوع له، لما جاز الاستعمال في الأكثر بنحو المجاز؛ و ذلك لأن المستعمل فيه، وهو الأكثر، مباين للمعنى الحقيقية، وهو المعنى المقيد بالوحدة؛ لأن الأكثر يكون مشروطا بشيء، والمقيد بالوحدة يكون بشرط لا، ومن المعلوم مباينة بشرط شيء لبشرط لا، فيكون الاستعمال في الأكثر غلطا.
 هذا بالنسبة للمفرد، وأما ما ذكره بالنسبة للتثنية والجمع، فهو في غير محله أيضا؛ لأن التثنية أو الجمع يدلان على تكرار ما أريد من مدخولهما، فإن كان المراد من المدخول معنى واحدا، فالتثنية تدل على فردين منه، والجمع يدل على أفراد منه.
 فإذا قلت: (رأيت عينين)، فإن كان المراد من لفظ العين هو العين الجارية فقط، فالتثنية تدل على فردين منها، وإن كان المراد من لفظ العين هو العين الجارية والباصرة على نحو استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بناء على جوازه، فتدل التثنية على فردين من الجارية وفردين من الباصرة.
 وبالجملة، فعلامة التثنية أو الجمع لا علاقة لها في استعمال اللفظ في أكثر من معنى؛ بحيث يكون لفظ العين دالا على معنى، والتثنية دالة على معنى آخر، بل علامة التثنية والجمع تدلان على تكرار ما أريد من المدخول.
 فكيف تكون علامة التثنية مثلا دالة على تكرار ما أريد من المدخول، مع أنه لا يصح في الأعلام الشخصية ذلك؛ ققولك: (رأيت زيدين)، يكون المراد معنيين لا فردين من معنى واحد، فإن ذلك غير معقول؛ إذ العلم الشخصي جزئي حقيقي، فكيف يكون له أفراد. وعليه، فالتثنية تدل على معنى آخر غير ما دل عليه المدخول.
 قلت: إن زيدا هنا مؤول بالمسمى، وهو كلي له أفراد؛ فقولك: (رأيت زيدين)؛ أي فردين من المسمى بزيد، وهكذا في كل تثنية في الأعلام الشخصية، أو جمعها، فالمدخول مؤول بالمسمى، فلا إشكال حينئذ.
 والخلاصة إلى هنا أن ما ذكره صاحب المعالم من التفصيل لم يكتب له التوفيق.
 المبحث الثالث: رد الاستدلال ببطون القرآن على وقوع الاشتراك
 قال صاحب الكفاية: ( وهم ودفع: لعلك تتوهم أن الأخبار الدالة على أن للقرآن بطونا - سبعة أو سبعين - تدل على وقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، فضلا عن جوازه، ولكنك غفلت عن أنه لا دلالة لها أصلا على أن إرادتها كان من باب إرادة المعنى من اللفظ، فلعله كان بإرادتها في أنفسها حال الاستعمال في المعنى، لا من اللفظ، كما إذا استعمل فيها، أو كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ، وإن كان أفهامنا قاصرة عن إدراكها )
 أقول: ما أجاب به صاحب الكفاية من الجواب الأول لم يكتب له التوفيق؛ لأن إرادة تلك المعاني في أنفسها حال الاستعمال لا يجعلها من بطون القرآن بل لا ربط لها بالقرآن لأنه يمكن إرادتها حال التكلم بأي كلام آخر، فإذن ما هو الموجب لعظمتها؟ وكيف تسمى ببطون القرآن كما في بعض الأخبار، وهي أجنبية عنه بناء على هذا الجواب؟
 أضف إلى ذلك أنه ما الذي يدل عليها إذا لم يكن اللفظ دالا عليها لا بالدلالة المطابقية، ولا الدلالة الالتزامية، مع أن المفروض أنه لا توجد قرينة دالة عليها. نعم، الجواب الثاني لا بأس به؛ إذ يمكن إرادتها على نحو الدلالة الالتزامية. وهذه البطون اللازمة للمدلول المطابقي لا يصل إليها إلا من خوطب بالقرآن، وهو النبي ص والأئمة الأطهار ع. وأما باقي الناس، فعقولهم قاصرة عن إدراك هذه البطون، وكيف لا، وهي لا تحصى عجائبه، ولا تبلى غرائبه، كما في الحديث الشريف.
 وهناك جواب ثالث، وهو أنه يمكن أن يكون المراد من البطون هي المصاديق الكثيرة لمعنى واحد كلي استُعمل فيه اللفظ، وهذا لا يكون من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى، بل اللفظ استعمل في معنى واحد كلي، هذا المعنى له مصاديق وأفراد عديدة، فالبطون عبارة عن تلك المصاديق، وبعضها أخفى من بعض، لا يصل إليها إلا المطهرون، وهم المعصومون ع ، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo