< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ مقدمة \ الأمر الثالث عشر \ المشتق \ المبحث الخامس عشر \ النزاع في المشتق
 المبحث الخامس عشر: النـزاع في المشتق مرتبط بالاستعمال:
 قال صاحب الكفاية: ( الظاهر أنه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة، التلبس بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العُروض؛ كما في الماء الجاري، بل يكفي التلبس به ولو مجازا، ومع هذه الواسطة؛ كما في الميزاب الجاري، فإسناد الجريان إلى الميزاب، وإن كان إسنادا إلى غير ما هو له وبالمجاز، إلا أنه في الإسناد، لا في الكلمة، فالمشتق في مثل المثال، بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي، وإن كان مبدؤه مسندًا إلى الميزاب بالإسناد المجازي، ولا منافاة بينهما أصلا، كما لا يخفى، ولكن ظاهر الفصول بل صريحه، اعتبار الإسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة، وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الإسناد والمجاز في الكلمة، وهذا - ها هنا - محل الكلام بين الأعلام، والحمد لله، وهو خير ختام )
 هذا هو المبحث الأخير الذي تناوله صاحب الكفاية في المشتق، وهو أن النـزاع في المشتق هل هو مرتبط بالاستعمال، أم بالإسناد؟
 وقبل الخوض في محل البحث نقدم ما يلي:
 أولا: الاستعمال عبارة عن: "استعمال اللفظ في معنى بحيث يكون اللفظ مرآة لهذا المعنى". فإن كان استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له، فيكون استعمالا حقيقيا، وإن كان استعماله في غير المعنى الموضوع له، فإن كان بينه وبين المعنى الموضوع له علاقة، فيكون استعمالا مجازيا، وإلا فيكون غلطا.
 ثانيا: الانطباق عبارة عن: "انطباق الكلي على مصاديقه؛ كعنوان (الإنسان) الذي ينطبق على زيد وعمرو. ولما كان الانطباق أمرا تكوينيا قهريا غير مرتبط بإرادة المستعمِل، فلا يكون مجازيا.
 ثالثا: الإسناد أو التطبيق أو الصدق، وهو عبارة عن: "حمل المحمول على الموضوع"، فإن كان إسناد المحمول إلى ما هو له؛ كما في (الماء جار)، فالإسناد حقيقي، وإن كان إسناده إلى غير ما هو له؛ كما في (الميزاب جار)، فالإسناد مجازي.
 ومن هنا يتضح أن المجاز على قسمين:
 - مجاز في الكلمة: وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة بينه وبين المعنى الموضوع له؛ كما في قوله : { إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا } [1] حيث استعمل كلمة (الخمر) في العنب لعلاقة الأوْل.
 - مجاز في الإسناد أو المجاز العقلي: وهو إسناد المحمول إلى غير ما هو له؛ كما في قولنا: (الميزاب جار)؛ فإن استعمال كلمة (الميزاب) في المعنى الموضوع له، وكذا استعمال كلمة (جار)، فالاستعمال حقيقي، إلا أن إسناد الجريان إلى الميزاب إسناد للشيء إلى غير ما هو له؛ لأن الميزاب لا يجري، فيكون مجازيا.
 رابعا: أبدع السكاكي أمرا ثالثا بين الحقيقة والمجاز، وهو ما يعرف بالحقيقة الادعائية؛ حيث نقوم بتشبيه شيء بشيء، ونبالغ في التشبيه حتى يصير المشبه من أفراد المشبه به حقيقة ولكن ادعاء؛ كما في قولنا: (زيد أسد)؛ فإنا شبهنا زيد بالأسد حتى صار زيد فردا من أفراد الأسد، فيصبح للأسد فردان: فرد متعارف، وهو الحيوان المفترس، وفرد غير متعارف، وهو الرجل الشجاع؛ حيث يكون استعمال الأسد فيه استعمالا حقيقيا ولكن ادعاء.
 وقد أشكل على السكاكي: بأن الادعاء اعتبار، وهو لا يغير من الواقع شيئا؛ فادعاء كون الرجل الشجاع فردا من أفراد الأسد لا يقدح في إبقاء الأسد أسدا منطبقا قهرا وتكوينا على الحيوان المفترس المعروف فحسب. وعليه، فاستعمال الأسد في الرجل الشجاع استعمال مجازي.
 والجواب: هذا الكلام إنما يتم لو لم نتصرف في معنى الأسد الضيق، وأما إن تصرفنا فيه تصرفا مقبولا لدى العقلاء؛ بأن جعلناه وسيعا وشاملا للرجل الشجاع، فلا يكون الاستعمال مجازيا، بل حقيقة ادعائية.
 إذا عرفت ذلك، فنرجع إلى محل البحث:
 فإن صاحب الكفاية: بل جل الأصوليين ذهبوا إلى أن المرتبط بمبحث المشتق هو الاستعمال لا الإسناد؛ لأننا نبحث عن أنه هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس بالمبدأ؛ حيث يكون استعماله فيما انقضى عنه مجازا، أم موضوع للأعم؛ حيث يكون استعماله فيه حقيقة؟ ففي قولنا مثلا: (الميزاب جار)، نبحث هل (الجاري) موضوع لخصوص المتلبس بالجريان أم للأعم، سواء كان إسناد الجريان إلى الميزاب إسنادا حقيقيا أم مجازيا.
 أما صاحب الفصول: فقد ادعى ارتباط الاستعمال بالإسناد؛ فإن كان الإسناد حقيقيا فالاستعمال حقيقي، وإن كان الإسناد مجازيا فالاستعمال مجازي. وعليه، فمبحث المشتق مرتبط بالإسناد كما هو مرتبط بالاستعمال.
 والحق خلافه:
 أولا: لا ربط من جهة بين الاستعمال والمجاز؛ إذ قد يكون الاستعمال حقيقيا والإسناد مجازيا؛ كما تقدم في قضية الميزاب؛ فإن استعمال الميزاب وكذا (الجاري) في المعنى الموضوع له، إلا أن إسناد الجريان إلى الميزاب الذي لا يجري، إسناد مجازي.
 ثانيا: قد يكون البحث عن المشتق بلا إسناد أصلا؛ كالبحث عن مواضيع الأحكام الشرعية بقطع النظر عن أي إسناد؛ كبحثنا عن مفهوم (أم الزوجة) مثلا، في أنه هل هو موضوع لخصوص من أرضعت الصغيرة حال تلبسها بالزوجية، أم الأعم؟
 
 
 


[1] - سورة يوسف، الآية 36.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo