< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بمادة الأمر \ معاني لفظ الأمر \
 كان الكلام في معاني لفظ الأمر وذكر المصنف سبعة معان وبناء عليه، فإن المعروف عن جماعة من أن لفظ (الأمر) موضوع لهذه المعاني السبعة على نحو الاشتراك اللفظي؛ بحيث إن الواضع وضعه بأوضاع متعددة لهذه المعاني، في غير محله؛ لأن هذا الوضع المتعدد غير ثابت من جهة، ومن جهة أخرى لم يستعمل لفظ (الأمر) في مفهوم هذه المعاني ولا في مصداقها؛ بدليل أنها لم تستفد منه، بل من القرائن الخارجية. ثم لو سلمنا أنه استعمل في مصداقها، فلا يكون موضوعا لها؛ إذ كيف يكون موضوعا لمعنى ثم لا يستعمل فيه؟!
 أما صاحب الفصول: فقد ذهب إلى أن لفظ (الأمر) موضوع لمعنيين على نحو الاشتراك اللفظي، وهما: (الطلب المتعلق بفعل الغير)، و(الشأن)؛ بدليل تبادر هذين المعنيين إلى الذهن بمجرد إطلاق لفظ الأمر، والتبادر أمارة على الحقيقة.
 وقد أشكل صاحب الكفاية: بأن لفظ (الأمر) لم يستعمل في مفهوم الشأن بل في مصداقه، فكيف يكون موضوعا لمعنى ولا يستعمل فيه؟!
 أما الميرزا النائيني : فقد ذهب إلى أن مادة (الأمر) موضوعة لمعنى واحد كلي على نحو الاشتراك المعنوي، وهو (الواقعة التي لها أهمية في الجملة)، فتنطبق عليه المعاني السبعة.
 وفيه:
 أولا: لما كانت هذه المعاني متباينة؛ إذ نجد ما هو حدثي، وهو (الطلب) المجموع على (أوامر)، ومنها ما هو جامد غير حدثي، وهو (الشيء) المجموع على (أمور)، لا يمكن أن يكون لها جامعا ماهويا ذاتيا؛ لأن الجامع إن كان معنى حدثيا فلا يشمل غير الحدثي، وإن كان غير حدثي فلا يشمل الحدثي. لذا لا يمكن تصوير جامع ذاتي لهذه المعاني، ومن هنا عبّر الميرزا بأن تصور الجامع أمر مشكل.
 وإن قيل: إن الجامع المدعى؛ أي (الواقعة التي لها أهمية في الجملة)، جامع انتزاعي
 قلنا: إن أحدا لم يفهم من يفهم هذا المعنى من (الأمر) رغم بساطة مفهومه.
 ثانيا: تقييده الواقعة ﺑ)الأهمية) يسلب الأمر عن الأمور التي لا أهمية فيها، فإن الأمر قد يكون مهما وقد لا يكون. ولا يدفع هذا الإشكال قيدُه الثاني (في الجملة)؛ لما فيه من الإبهام؛ إذ لم يتضح ما هو مفهوم الأهمية المراد في المقام، لنعرف بعد ذلك على ما ينطبق هذا المفهوم.
 فالخلاصة إلى الآن: أن لفظ (الأمر) ليس موضوعا للمعاني السبعة على نحو الاشتراك اللفظي، ولا لمعنى (الطلب المتعلق بفعل الغير)، و(الشأن) على نحو الاشتراك اللفظي أيضا، ولا لمعنى واحد كلي، وهو (الواقعة التي لها أهمية في الجملة)، على نحو الاشتراك المعنوي.
 وإنما الإنصاف: كما ذهب إليه صاحب الكفاية من أنه موضوع لمعنيين على نحو الاشتراك اللفظي، وهما: (الطلب المتعلق بفعل الغير في الجملة)، و(الشيء).
 وتوضيحه: إذا أردنا معرفة الإنصاف في الأحكام الشرعية، فلا بد من الرجوع إلى مصادر التشريع التي يترأسها الكتاب والسنة، وإذا أردنا معرفة الإنصاف في الأمور اللغوية، فلا بد من الرجوع إلى نصوص أهل اللغة، فإن لم نجد نصا، فنرجع إلى الأمارات التي ذكرنها في مبحث الوضع، وهي التبادر، وعدم صحة السلب، والاطراد.
 أما أهل اللغة، فجلهم، إن لم نقل كلهم، يذكرون أن لفظ (الأمر) موضوع لطلب الشيء المتعلق بفعل الغير، وهذا هو المعنى المتبادر إلى الذهن، وما لا يصح سلبه.
 أما معنى (الشيء)، فإذا رجعنا إلى موارد الاستعمال، لوجدنا أهل اللغة كثيرا ما يستعملون لفظ (الأمر) في (الشيء)، فإن لم يُرتضَ ذلك؛ باعتبار أن الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، فنرجع إلى الأمارات؛ فإن المتبادر من لفظ الأمر كلا المعنيين على حد سواء، وهما: (الطلب المتعلق بفعل الغير في الجملة)، و(الشيء)، كل ما في الأمر أن التمييز بينهما في موارد الاستعمال يحوجنا إلى قرينة، شأن جميع المشتركات اللفظية، فلا يتنافى ذلك مع كون لفظ (الأمر) موضوعا لهما.
 ثم قال صاحب الكفاية: ( ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء، هذا بحسب العرف واللغة. وأما بحسب الاصطلاح، فقد نقل الاتفاق على أنه حقيقة في القول المخصوص ... )
 ما تقدم من كلام صاحب الكفاية في خصوص هذا الجهة الأولى، إنما كان بحسب العرف واللغة، أما بحسب الاصطلاح، ولعله يريد اصطلاح الأصوليين، فقد ذهب إلى أن لفظ (الأمر) قد نقل من معناه اللغوي إلى المعنى الاصطلاحي، وهو لفظ (اِفْعَلْ).
 وفيه:
 أولا: أصل دعوى النقل غير ثابتة من جهة، فضلا عن حصول الاتفاق عليها من جهة أخرى.
 ثانيا: لو سلمنا بحصول النقل، فلو كان لفظ (الأمر) موضوعا لمادة (اِفْعَلْ)، ولكنها مادة جامدة، فكيف يشتق منها مثل: (أمر - يأمر - آمر - مأمور ...)؟
 رابعا: لو سلمنا بأن مادة (اِفْعَلْ) معنى حدثي غير جامد، إلا أن ذلك لا يجعلها قابلة للاشتقاق منها؛ لما مر في مبحث المشتق من أنه يشترط في مبدأ الاشتقاق أن يكون معرى عن أية هيئة ليكون قابلا لعروض الهيئات عليه؛ إذ لا تعرض هيئة على أخرى، والحال أن مادة (اِفْعَلْ) ذات هيئة، فلا تصلح لتكون مبدأ اشتقاقيا

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo