< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/21

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بمادة الأمر \ أدلة كون الأمر للأعم من الوجوب والاستحباب \
 أدلة القائلين بالأعم:
 ذهب بعض الأعلام إلى أن الأمر موضوع للأعم من الوجوب والاستحباب؛ أي لطلب الشيء الأعم من كونه على نحو الإلزام أو الاستحباب، وذكروا لذلك أدلة:
 الدليل الأول:
 صحة تقسيم الأمر إلى الوجوب والاستحباب، والتقسيم أمارة على أن المقسم داخل في الأقسام، فيكون الأمر داخلا فيهما، وهذا دال على أنه موضوع للأعم منهما.
 وفيه: إن معنى التقسيم هنا هو أن الأمر مستعمل في الوجوب تارة، وفي الاستحباب أخرى، والاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، وعليه فلا تصلح صحة التقسيم للدلالة على كون الأمر موضوعا حقيقة في خصوص الأمر.
 الدليل الثاني:
 لو رجعنا إلى الوجدان، لوجدنا أن الأمر قد استعمل في الوجوب والاستحباب، فلا يخلو: إما أن الأمر موضوع للجامع الأعم منهما على نحو الاشتراك المعنوي، أو موضوع لكليهما بوضعين على نحو الاشتراك اللفظي، أو أنه موضوع للوجوب واستعماله في الاستحباب مجاز. وعليه، فإن دار الأمر بين هذه الاحتمالات الثلاثة، فالاشتراك المعنوي مقدَّم، فيكون الأمر موضوعا للأعم.
 وفيه: صحيح أن الأمر لا يخلو من هذه الاحتمالات الثلاثة، إلا أنه ذكرنا سابقا في مبحث (تعارض الأحوال)، أن ما ذكره الأصوليون من وجوه على تقديم الاشتراك المعنوي، ليست سوى وجوه اعتبارية استحسانية. وعليه، فلا دليل على تقديم الاشتراك المعنوي.
 الدليل الثالث:
 إن كل مندوب طاعة، وكل طاعة مأمور بها، فالمندوب مأمور به.
 وفيه: صحيح أن كل طاعة مأمور بها، ولكن لا دليل على أن الأمر بها حقيقي مطلقا؛ أي سواء كانت الطاعة واجبة أم مستحبة، فإن الذي ينفع في القياس المتقدم أن تكون كل طاعة مأمور بها بالأمر الحقيقي، وهذا لا دليل عليه. أما أنه مأمور بها مطلقا؛ أي سواء كان الأمر حقيقيا أم مجازيا، فهذا لا ينفع في الدلالة على كون الأمر موضوع حقيقة للأعم من الوجوب والاستحباب.
 وبناء على ما تقدم، فقد ذهب صاحب الكفاية إلى أن الأمر موضوع حقيقة في الوجوب بدليل التبادر، واستعماله في الاستحباب مجازي.
 والجواب: نحن لا ننكر ظهور الأمر في الوجوب، إلا أنه الظهور لا يكشف عن أنه موضوع للوجوب؛ لأن الظهور إما أن يحصل بالوضع، أو بالإطلاق، أو بالعقل.
 أما الوضع، فلا دليل عليه. ولا يكفي مجرد التبادر إذا لم نعلم حصوله من حاق اللفظ.
 وأما الإطلاق، فهو متوقف على كون الأمر موضوعا للجامع؛ حيث نثبت من مقدمات الحكمة الوجوب؛ باعتبار أن الاستحباب يحتاج إلى مؤنة زائدة، والأصل عدمها، ولكن لا دليل على أن الأمر موضوع للجامع، فلا يمكن حينئذ استفادة كون الأمر موضوعا للوجوب من خلال الإطلاق.
 وعليه، يتعين أن تكون استفادة الوجوب بالعقل، وتوضيحه:
 إن الأمر بما هو أمر لا يدل على الوجوب أو الاستحباب، فهو موضوع للماهية المعراة عن أية خصوصية، ولكن بما أن مقتضى العبودية أن يطيع العبد مولاه، ولا يخالف أوامره من غير ترخيص، فيدرك العقل الوجوب من خلال أمر المولى المجرد عن الترخيص؛ إذ لا مؤمِّن للعبد من العقاب يوم القيامة على ترك الامثتال.
 الجهة الرابعة: الطلب والإرادة
 قال صاحب الكفاية: ( الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر، ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشائع الصناعي ... فاعلم، أن الحق كما عليه أهله - وفاقا للمعتزلة وخلافا للأشاعرة - هو اتحاد الطلب والإرادة؛ بمعنى أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية، وبالجملة هما متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا، لا أن الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه - كما عرفت - متحد مع الإرادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا؛ ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس. فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقة كفاية، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان، فإن الإنسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها، يكون هو الطلب غيرها، سوى ما هو مقدمة تحققها، عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه، والتصديق لفائدته، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لأجلها ).
 حاصل ما أراده صاحب الكفاية أن الأمر موضوع لطلب الشيء من الغير، والطلب تارة يكون حقيقيا تكوينيا خارجيا؛ مثل طلب العلم، وطلب المال، وأخرى يكون إنشائيا متعلقا بفعل الغير؛ طلب شيء من أحد.
 ثم إن الإرادة على قسمين: إرادة حقيقية، من مقولة الكيف النفساني، وهي نفسها الطلب الحقيقي، وإرادة إنشائية، وهي نفسها الطلب الإنشائي. ولكن المنصرف من الإرادة حين إطلاقها هي الإرادة الحقيقية، بينما المنصرف من الطلب هو الطلب الإنشائي. وعليه، فالطلب والإرادة شيء واحد، واختلافهما بالانصراف، وهذا هو مذهب معظم الإمامية والمعتزلة.
 وفيه: كيف تكون الإرادة الإنشائية صفة للفظ كما في الطلب الإنشائي؟ فالحق أنه ليس لدينا إلا إرادة حقيقية، وهي صفة للنفس، عبارة عن الشوق الأكيد إلى للمراد، وهي مسبوقة بمقدمات خمسة: الأولى: تصور المراد، والثانية: التصديق به، والثالثة: التصديق بفائدته، والرابعة: هيجان النفس به، والخامسة: الشوق الأكيد إليه، فإن لم يكن الشوق أكيدا، لم تتعدَّ هذه الصفة عن كونها رغبة للنفس لا إرادة لها.
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo