< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بمادة الأمر \ الطلب والإرادة \ التفويض
 التفويض
 ذهبت المعتزلة إلى أن الله تعالى خلق العباد، وفوض إليهم خلق أفعالهم مستقلين عنه، ففعلهم في عرض فعله، وسلطنتهم على أفعالهم في عرض سلطنته ذلك أن الممكن يحتاج إلى علة في وجوده لكي يخرج من حيز الاستواء بين العدم الوجود، فإن وُجِد استغنى عن علته؛ نظير استغناء البناء عن البنائين الذين يشكلون علة حدوثه الفاعلية؛ بحيث إن مات البناؤون بقي البناء.
 وفيه: إن البناء احتاج في تركبه إلى فعل البنائين، فهم علته الوجودية، أما تماسك البناء، فصحيح أنه لم يعد يحتاج إلى فعلهم، إلا أنه بحاجة إلى علة أخرى، وهي طبيعة مواده وخاصية التماسك فيها؛ والدليل أنه لو أصاب هذه المواد ما يفقدها خاصية التماسك من رطوبة ونحوها، لتفكك البناء.
 أما الإمامية، فقد ذهبوا إلى أن الممكن كما يحتاج إلى علة لحدوثه، فهو يحتاج إلى علة لبقائه؛ لأن الاحتياج إلى علة لازم للإمكان، والإمكان لازم لماهية الممكن، وإلا لانقلب الممكن إلى ممتنع أو واجب، والشيء لا ينقلب عما وقع عليه، ولازم اللازم لازم، فيكون الاحتياج إلى علة لازم لماهية الممكن.
 هذا هو الإنصاف في المسألة والذي لا يمكن أن يحيد عنه عاقل مدّعيا أن الإنسان يقوم بأفعاله بمعزل عن القدرة الإلهية؛ بل مرجوع أفعاله من خير أو شر إلى القدرة التي يمده الله تعالى بها، فلا هو مستقل على نحو التفويض، ولا غير مستقل على نحو الجبر، وإنما هو أمر بين أمرين، وهو معنى لا يدركه إلا الأوحدي من الناس، وهو العالم أو من علّمه العالم؛ كما ورد في مرسلة صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع ، قال: ( سئل عن الجبر والقدر فقال: لا جبر ولا قدر ولكن منـزلة بينهما، فيها الحق التي بينهما لا يعلمها إلا العالم أو من علمها إياه العالم ) [1]
 ومن الروايات الدالة على ذلك: صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن أبي جعفر وأبي عبد الله ع قالا: ( إن الله أرحم بخلقه من أن يجبر خلقه على الذنوب ثم يعذبهم عليها، والله أعز من أن يريد أمرًا فلا يكون، قال: فسئلا: هل بين الجبر والقدر منـزلة ثالثة؟ قالا: نعم أوسع مما بين السماء والأرض [2] (
 
 وكذا صحيحة يونس، عن عدة، عن أبي عبد الله ع، قال: ( قال له رجل: جعلت فداك، أجبر الله العباد على المعاصي؟ فقال: الله أعدل من أن يجبرهم على المعاصي ثم يعذبهم عليها، فقال له: جعلت فداك ففوض الله إلى العباد؟ قال: فقال: لو فوض إليهم لم يحصرهم بالأمر والنهي، فقال له: جعلت فداك فبينهما منـزلة قال: فقال: نعم أوسع ما بين السماء والأرض ) [3]
 وصحيحة صباح بن عبد الحميد، وهشام، وحفص، وغير واحد، قالوا: قال أبو عبد الله الصادق ع: ( إنا لا نقول جبرا ولا تفويضا ) [4]
 ومرسلة أبي طالب القمي عن رجل، عن أبي عبد الله ع قال: ( قلت أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال: لا، قلت: ففوض إليهم الأمر؟ قال: قال: لا، قال: قلت فماذا؟ قال: لطف من ربك بين ذلك ) [5]
 وأما الآيات المباركة مثل قوله تعالى: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } [6] ، وقوله: { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [7] وقوله: { وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } [8] فكلها تصب في المعنى المتقدِّم من أن القدرة لله يمدنا بها، فنوجها باختيارنا إلى الخير أو الشر، فلولا هذه القدرة لما حركنا ساكنا، ولولا اختيارنا لما نُسِب الفعل إلينا، ولما استحققنا العقاب والثواب.


[1] - الكافي باب الجبر والقدر والأمر بين أمرين ج1، ص159، ح10.
[2] الكافي باب الجبر والقدر والأمر بين أمرين ج1، ص159، ح9.
[3] - الكافي باب الجبر والقدر والأمر بين أمرين ج1، ص159، ح11.
[4] - أمالي الصدوق، ص353.
[5] - الكافي باب الجبر والقدر والأمر بين أمرين ج1، ص159، ح8.
[6] - سورة الإنسان، الآية 30.
[7] - سورة الأعراف، الآية 188
[8] - سورة النساء، الآية 78.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo