< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بمادة الأمر \ الطلب والإرادة \القضاء والقدر
 القضاء والقدر
 نظرا لارتباط مبحث الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين بالقضاء والقدر، نتطرق إلى الكلام عن معناهما وأقسامهما.
 نقول: إن هناك شبهة عند معظم الناس أن لازم القول بالقضاء والقدر هو القول بالجبر، من هنا نجدهم يعبرون عن الأمر الذي لا يملكون فيه الاختيار أنه (أمر مقدَّر)، ويعنون بذلك أنهم مقهورون عليه، فهو خارج عن إرادتهم، وحتمي في حقهم، ولا حيلة لهم فيه.
 والحق أن هذا الكلام صحيح بالنسبة لثاني قسمي القضاء والقدر، فإنهما على قسمين:
 القسم الأول: يكون فيه القضاء والقدر اختياريين؛ أي معلَّق على اختيار الإنسان ومشيئته، ومن هنا ورد أن الحلال والحرام مقسومان من الله؛ بمعنى أن الله يقدر للإنسان الحلال إذا اختاره، ويقدر له الحرام إذا اختاره، لا أنه يجبرهم على اختيار أحدهما؛ فإنه I بعلمه الأزلي يعلم مختاري، فيقدره لي.
 ومما يدل على ذلك رواية سهل بن زياد وإسحاق بن محمد وغيرهما رفعوه، قال: ( كان أمير المؤمنين ع جالسا بالكوفة بعد منصرفه من صفين؛ إذ أقبل شيخ فجثا بين يديه، ثم قال له: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن مسيرنا إلى أهل الشام أبقضاء من الله وقدر؟ فقال أمير المؤمنين ع: أجل يا شيخ، ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلا بقضاء من الله وقدر، فقال له الشيخ: عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين؟ فقال له: مه يا شيخ! فوالله لقد عظم الله الأجر في مسيركم وأنتم سائرون، وفي مقامكم وأنتم مقيمون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليه مضطرين. فقال له الشيخ: وكيف لم نكن في شيء من حالاتنا مكرهين ولا إليه مضطرين، وكان بالقضاء والقدر مسيرنا ومنقلبنا ومنصرفنا؟! فقال له: وتظن أنه كان قضاء حتما وقدرا لازما؟ إنه لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر من الله، وسقط معنى الوعد والوعيد، فلم تكن لائمة للمذنب ولا محمدة للمحسن ...) [1]
 وكذا مما يدل على هذا القسم ما روي: ) أن عليا ع مر يوما على تحت حائط مائل، فأسرع في المشي، فقيل له: أتفر يا أمير المؤمنين من قضاء الله تعالى؟! فقال ع: نعم أفر من قضاء الله إلى قدره ) [2]
 القسم الثاني: يكون فيه القضاء والقدر محتوما غير اختياري؛ مثل الآجال، وكذا الغنى والفقر. أما ما ورد عن الصادق ع حيث قال: ( إني لأرحم ثلاثة، وحق لهم أن يُرحموا: عزيز أصابته مذلة بعد العز، وغني أصابته حاجة بعد الغنى، وعالم يستخف به أهله والجهلة ) [3]
 فهو لا ينافي كون الغنى من القضاء والقدر المحتومين؛ لأن المراد أن الكسب اختياري، أما حصول الغنى والفقر، فهما قهريان غير اختياريين، فكم من مستفحل في طلب الرزق قدِّر له الفقر، وكم عاجز عن الطلب قدِّر له الثراء والغنى.
 وهكذا تبين أن شبهة الجبر نشأت من توهم أن القضاء والقدر قسم واحد، وهو القسم الثاني.
 أما ما ورد من في حسنة حماد بن عثمان عنه ع: ( إن الدعاء يرد القضاء، ينقضه كما يُنقض السلك وقد أبرم إبراما ) [4] فالمراد منه القسم الأول من القضاء والقدر؛ أي غير المحتوم.
 وهم ودفع:
 قال صاحب الكفاية: ( وهم ودفع: لعلك تقول: إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل، لزم - بناء على أن تكون عين الطلب - كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم، وهو بمكان من البطلان. لكنك غفلت عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح، إنما يكون خارجا لا مفهوما، وقد عرفت أن المنشأ ليس إلا المفهوم، لا الطلب الخارجي، ولا غرو أصلا في اتحاد الإرادة والعلم عينا وخارجا، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى؛ لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة، قال أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): "وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه )
 حاصل هذا الوهم: إنه بناء على القول باتحاد الطلب والإرادة، إذا أنشأ المولى طلبا، لكان متحدا مع إرادته التشريعية التي هي عبارة عن علمه بصلاح الفعل، وعليه يكون المنشأ هو العلم، وهو باطل وجدانا.
 وقد دفع صاحب الكفاية هذا الوهم بتبيان أن منشأه هو الخلط بين مفهوم الإرادة ومصداقها، فإنما يتحد الطلب والإرادة خارجا لا مفهوما، والذي أنشأه المولى مفهوم الطلب، فلا يلزم الإشكال.
 ثم إنه لا غرو في اتحاد الإرادة مع العلم خارجا وتغايرهما مفهوما، بل هذا حاصل في جميع صفاته إذ تقدم أن صفاته عين ذاته المقدسة، فهي متحدة معها خارجا، وإن كانت مغايرة لها مفهوما، وهذا هو مراد أمير المؤمنين حيث قال: "وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله (سبحانه) فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهل به".
 


[1] - الكافي باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ج1، ص155، ح1.
[2] - عوالي اللآلئ ج4، ص110، ح169.
[3] - من لا يحضره الفقيه نوارد المواعظ ج4، ص394، ح5837.
[4] - الكافي باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء ج2، ص469، ح1.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo