< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ معاني الصيغة \
 كان الكلام في الاستدلال على الوجوب بالإطلاق وذكرنا بالأمس بعض الاشكالات وبقي البعض
 رابعا: إن دعوى أن الإرادة تختلف شدة وضعفا بحسب المصلحة العائدة على الآمر والمتعلقة بفعل الغير، تتم بالنسبة لغير المولى ؛ إذ لا مصلحة راجعة إليه؛ ذاك أنه الغني المطلق الذي لا يحتاج؛ حيث قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } وقال أمير المؤمنين ع: ( فإن الله تعالى خلق الخلق حين خلقهم، غنيا عن طاعتهم، آمنا من معصيتهم؛ لأنه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه )
 ثم إن تفسير الإرادة بالشوق الأكيد لا يتناسب مع المولى ؛ لاحتياجها بهذا المعنى إلى مقدمات لا يمكن نسبتها إليه تعالى ، وإنما إرادته التكوينية عبارة عن (إعمال القدرة والسلطنة)، وهو المعبر عنه ﺑ(المشيئة)، بينما إرادته التشريعية عبارة عن (العلم بالمصلحة في فعل المكلف)، وقد مر بيان ذلك في الجهة الرابعة من المبحث السابق.
 وعليه، يكون التمسك بالإطلاق لاستفادة الوجوب من صيغة الأمر صحيحا بالنسبة للمولى العرفي لا المولى الحقيقي.
 خامسا: ما علقه صاحب الكفاية على كلام صاحب المعالم المتقدم بقوله: "كيف؟ وقد كثر استعمال العام في الخاص، حتى قيل: (ما من عام إلا وقد خص)، ولم ينثلم به ظهوره في العموم، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص"، تنظير في غير محله؛ لأن استعمال العام قبل تخصيصه وبعده يبقى استعمالا حقيقيا، خلافا للعامة الذين ذهبوا إلى أن العام بعد تخصيصه يكون استعماله في غيره مجازا.
 وبناء على ما تقدم، إن لم يمكن استفادة الوجوب من الإطلاق ولا من الوضع، فالإنصاف انحصار استفادة الوجوب من العقل؛ حيث يدرك لزوم الإتيان بطلب المولى؛ لعدم المؤمِّن من العقاب يوم القيامة على تركه.
 المبحث الثالث: الجمل الخبرية المستعملة في مقام الطلب
 قال صاحب الكفاية: ( المبحث الثالث: هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب والبعث - مثل: يغتسل، ويتوضأ، ويعيد - ظاهرة في الوجوب أو التعدد المجازات فيها، وليس الوجوب بأقواها، بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار، بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها. الظاهر الأول، بل تكون أظهر من الصيغة ... لا يقال: كيف؟ ويلزم الكذب كثيرا؛ لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج، تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علوا كبيرا. فإنه يقال: إنما يلزم الكذب، إذا أتي بها بداعي الإخبار والإعلام، لا لداعي البعث، كيف؟ وإلا يلزم الكذب في غالب الكنايات )
 
 بعد الفراغ من الكلام عن مادة الأمر وصيغتها، أتت النوبة إلى الجمل الخبرية المستعملة في إنشاء الطلب والتحريك؛ مثل: (يغتسل)، و(يتوضأ)، و(يعيد)، فهل طلب المولى في هذه الجمل الخبرية وأمثالها دال على الوجوب أم لا؟
 ذهبت جماعة من الأعلام إلى أن الجملة الخبرية إذا سلخناها عن معناها الحقيقي لتستعمل في إنشاء الطلب، كان الاستعمال أعم من الوجوب والندب والتهديد والتسخير وبقية المعاني المتقدمة، فنحتاج في تعيين إحداها إلى قرينة، وإلا لزم من حملها على خصوص الوجوب الترجيح بلا مرجح.
 أجاب البعض بأن رجحان حملها على الوجوب من باب أنه أقرب المجازات، ولكن رد عليه بأنه ليس أقرب المجازات، وبالتالي تبقى الحاجة إلى قرينة لتعيينه دون بقية المعاني، وإلا كانت الجملة مجملة.
 أما صاحب الكفاية، فقد ذهب إلى أن الجملة الخبرية المستعملة في إنشاء الطلب تدل على الوجوب دلالة أقوى من دلالة صيغة الأمر عليه، واستعمالها هذا ليس مجازا، بل هو استعمال حقيقي؛ إذ هي مستعملة في الإخبار ولكن بداعي البعث والتحريك.
 وتوضيحه: تقدم في مبحث الإخبار والإنشاء كلام صاحب الكفاية من أن الجملة المشتركة بينهما مستعملة في معنى واحد، وإنما الفرق في الداعي؛ فالإخبار والإنشاء خارجان عن حريم المعنى، وإنما هما من شؤون الاستعمال فحسب؛ فمرة يكون الداعي هو الإخبار عن النسبة التحققية بين المبدأ والذات، وأخرى يكون الداعي إيجاد النسبة بين المبدأ والذات في المستقبل. وعليه إذا استعملت الجملة الخبرية بداعي البعث والتحريك يكون استعمالا حقيقيا فيما وضع له؛ إذ الاستعمال واقعا في الإخبار وإن كان الداعي هو البعث والتحريك، بل يكون استعمالها أبلغ من استعمال صيغة الأمر؛ لأنها إخبار عن الطلب في مقام وقوع المطلوب، والإخبار عن شيء فرع وقوع هذا الشيء، فكأن وقوعه حتمي لا يُرضى بتركه.
 ثم أشكل صاحب الكفاية على نفسه: بأن الاستعمال الجملة الخبرية في الإخبار بداعي البعث والتحريك يلزمه الكذب؛ إذ قوله: (يعيد) إخبار عن وقوع النسبة بين المبدأ والذات، والحال أنها غير واقعة بعدُ بانتظار امتثال المكلف، فيكون إخبارا غير مطابق للواقع، وهذا هو الكذب عينه!
 وأجاب: إنما يلزم الكذب لو كان الاستعمال في الإخبار بداعي الإخبار أيضا، أما لو كان استعمالها بداعي البعث والتحريك؛ أي بلا قصد مطابقة مضمونها للواقع الخارجي، فلا يلزم الكذب؛ وهذا من قبيل الكناية في قولهم: (زيد كثير الرماد)، فهو كناية عن جوده؛ إذ كثرة الرماد لازم كثرة الموائد، فيكون الاستعمال فعلا في المكنى به، وهو (كثرة الرماد)، بينما الداعي هو المكنى عنه، وهو (الجود). وهذا من ذاك؛ فإن استعمال (يعيد) في الإخبار فعلا، بينما الداعي هو البعث والتحريك، فلا يلزم الكذب.
 
 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo