< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ التعبدي والتوصلي\
 بعد الفراغ من الجهة الأولى والثانية من المقام الأول، تأتي النوبة إلى الجهة الأولى والثانية من المقام الثاني؛ أي مقتضى الأصل اللفظي والعملي بالنسبة للتعبدي والتوصلي بالمعنى الأول، إلا أنه لا بد قبل الخوض فيهما من بيان أمرين:
 الأول: كيفيات قصد القربة التي جُعلت مناط التعبدية بالمعنى الأول.
 الثاني: إمكانية أخذ قصد الامتثال في متعلق الأمر. وهذا الأمر يشكل المقدمة الثانية من المقدمات التي ذكرها صاحب الكفاية لهذا المبحث.
 كيفيات قصد القربة:
 نقول: "المراد بالقربة: إما موافقة إرادة الله تعالى، أو الإتيان بالفعل امتثالا لأمره، أو موافقة لطاعته، أو انقيادا لحكمه، أو إجابة لدعوته، أو أداء لشكره، أو تعظيما لجلاله. ولا إشكال في صحة العمل إذا أتي به بقصد أحد الأمور المتقدمة؛ إذ يصدق على الفاعل أنه أتى به لله ، وبذلك تتحقق الطاعة المطلوبة.
 ولو أتى به بقصد حصول الثواب الأخروي أو الدنيوي أو هما معا، أو بقصد دفع العقاب الأخروي أو الدنيوي أو هما معا، ونحو ذلك من الأغراض الدنيوية والأخروية، فهل يصح العمل ويكون بذلك عبادة وطاعة أم لا؟
 أقول: المشهور بين الأعلام هو الصحة، منهم الماتن في الذكرى، وصاحب المدارك ، وصاحب الحدائق ، والنراقي في مستنده، والشهيد الثاني في روض الجنان، وغيرهم في غيرها.
 وفي المقابل ذهب جماعة من الأعلام إلى بطلان العمل بقصد ذلك؛ حيث قال الشهيد الثاني في روض الجنان: "ونقل الشهيد في قواعده عن الأصحاب بطلان العبادة بهاتين الغايتين؛ أي طلب الثواب ودفع العقاب، وبه قطع السيد رضي الدين بن طاووس محتجا بأن قاصد ذلك إنما قصد الرشوة والبرطيل، ولم يقصد وجه الرب الجليل، وهو دال على أن عمله سقيم وأنه عبد لئيم، واختار فيها وفي الذكرى الصحة محتجا بأن قصد الثواب لا يخرج عن ابتغاء الله بالعمل؛ لأن الثواب لما كان من عند الله، فمبتغيه مبتغ وجه الله، وأن الغرض بها الله في الجملة..."
 وحكى العلامة في جواب المسائل المهنائية اتفاق العدلية على عدم استحقاق الثواب بذلك. وحكى الرازي في تفسيره اتفاق المتكلمين على البطلان بذلك.
 وقد استدل من ذهب إلى الصحة بالكتاب المجيد والسنة النبوية الشريفة.
 أما الكتاب العزيز، فبعدة من الآيات الشريفة:
 منها: قوله تعالى: { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } وقوله تعالى: { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا } ومنها: قوله تعالى: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا }
 وأما السنة النبوية الشريفة، فبعدة أخبار:
 منها: حسنة هارون بن خارجة عن أبي عبد الله ع: قال: ( العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله تعالى خوفا، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأجراء، وقوم عدوا الله تعالى حبًّا له فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادات )
 ووجه الاستدلال بها هو: إن أفعل التفضيل تقتضي أن العبادة على الوجهين الأولين فيها فضل، إلا أنها على الوجه الأخير أفضل.
 والإنصاف: إن القول بصحة العمل بداعي تلك الأمور أو أحدها وإن كان متينا، إلا أنه يحتاج إلى التوضيح، فنقول: إن تلك الدواعي المتقدمة إنما يقصدها المكلف في طول قصد الامتثال لا في عرضه؛ لأنها إنما تترتب على العمل المأتي به بقصد الامتثال لا مطلقا؛ إذ من الواضح أن تلك الأغراض المقصودة للإنسان لا تترتب على ذات الفعل ولو لم يكن طاعة وعبادة، بل هي غاية له بعد كونه طاعة وعبادة، فلا منافاة حينئذ بين هذه الأغراض وبين الإخلاص المعتبر في صحة العمل.
 وبالجملة، إن قصد تلك الدواعي لا يكون في قبال قصد الامتثال وفي عرضه، بل هي مقصودة في طول قصد الامتثال. نعم، لو لم يقصد إلا تلك الدواعي من دون توسط قصد الامتثال لكان العمل باطلا، ولعل من ذهب إلى البطلان قصد هذه الصورة.
 وأما من ذهب إلى صحة العمل فيما إذا قصد أحد تلك الأغراض، فلعله أيضا ذهب إلى ذلك باعتبار أنها في طول قصد الامتثال لا في عرضه، وإن كان ظاهر عباراتهم أنها في عرضه لا في طوله، إلا أنه يمكن حمل كلامهم على ما ذكرناه، وبذلك يقع التصالح بين الأعلام.
 ثم إن التقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره يختلف باختلاف الأشخاص العابدين والمتقربين، فإن من أعلى مراتب الطاعة والعبادة الإتيان بالعمل حبًّا لله تعالى، أو كونه أهلا للعبادة والطاعة؛ بحيث يقصد المطيع بعمله شيئا من الفوائد والأغراض العائدة إليه، وهذه المرتبة من العبادة إنما هي لأهلها، وهو المعصومون ع؛ بحيث لو ادعاها غيرهم لما أمكن تصديقه ... وأما أدنى مراتب العبادة، فهي الإتيان بها بقصد الثواب ودفع العقاب الدنيوي، وما بينهما متوسطات"
 بقي أن نشير إلى ما ذهب إليه المحقق الإيراواني من أنه لا واجبات توصلية في الشريعة، بل كلها واجبات تعبدية، وقد صاغ لذلك أدلة لا ترقى إلى الاحتجاج بها على مدعاه، فمن شاء فليراجعها في محله من كلامه
 
 المقدمة الثاني: إمكانية أخذ قصد الامتثال في متعلق الأمر
 المراد من هذه المقدمة الإجابة عن إمكانية تقييد متعلق الأمر بقصد الامتثال؛ للوصول إلى بيان الجهة الأولى من المقام الثاني؛ أي بيان الأصل اللفظي حال إطلاق الصيغة؛ حيث إذا أمكن التقييد أمكن الإطلاق، وعليه نقول: إن مقتضى إطلاق الصيغة الحمل على الواجب التوصلي.قال صاحب الكفاية: ( ثانيتها: إن التقرب المعتبر في التعبدي، إن كان بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره، كان مما يعتبر في الطاعة عقلا، لا مما أخذ في نفس العبادة شرعا؛ وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقا شرطا أو شطرا، فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر، لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها. وتوهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر، وإمكان الإتيان بها بهذا الداعي، ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة، والتمكن من إتيانها كذلك، بعد تعلق الأمر بها، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال لا حال الأمر، واضح الفساد؛ ضرورة أنه وإن كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان، إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها؛ لعدم الأمر بها، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر، ولا يكاد يدعو الأمر إلا إلى ما تعلق به، لا إلى غيره )

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo