< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/05/22

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ في ما يتعلق بصيغة الأمر \ التعبدي والتوصلي \
 الجهة الأولى: من المقام الأول (فيما إذا كان الداعي قصد الامتثال)
 المعروف بين الأعلام أنه لا إطلاق في المقام حتى يمكن التمسك به لإثبات كون الواجب توصليا؛ وذلك لعدم إمكان أخذ قصد امتثال الأمر في متعلقه، وإذا امتنع التقييد امتنع الإطلاق.
 أما استحالة أخذ قصد امتثال الأمر في متعلقه، فقد ذُكِرت عدة محاولات لذلك، منها ما ذكره صاحب الكفاية؛ حيث قال: ( ثانيتها: إن التقرب المعتبر في التعبدي، إن كان بمعنى قصد الامتثال والإتيان بالواجب بداعي أمره، كان مما يعتبر في الطاعة عقلا، لا مما أخذ في نفس العبادة شرعا؛ وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقا شرطا أو شطرا، فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر، لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها. وتوهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر، وإمكان الإتيان بها بهذا الداعي، ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة، والتمكن من إتيانها كذلك، بعد تعلق الأمر بها، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلا في صحة الأمر إنما هو في حال الامتثال لا حال الأمر، واضح الفساد؛ ضرورة أنه وإن كان تصورها كذلك بمكان من الإمكان، إلا أنه لا يكاد يمكن الإتيان بها بداعي أمرها؛ لعدم الأمر بها، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر، ولا يكاد يدعو الأمر إلا إلى ما تعلق به، لا إلى غيره )
 نقول: يلحق كل من الموضوع والمتعلق انقسامات أولية وثانوية؛ أما الأولية، فهي التي تعرض قبل مجيء الحكم، بينما تعرض الثانوية بعده.
 والانقسامات الأولية للمتعلق: ﮐ(الصلاة) مثلا، فهي من قبيل الصلاة مع طهارة والصلاة بدونها، والصلاة مع ستر والصلاة بدونه، والصلاة عن قيام والصلاة بدونه، وهكذا، فإن هذه القيود كلها تعرض على الصلاة قبل مجيء الحكم.
 والانقسامات الأولية للموضوع: فهي من قبيل المكلف القادر وغير القادر، والمكلف المختار وغير المختار، وهكذا، فإن هذه القيوم كلها تعرض على المكلف قبل مجيء الحكم.
 أما الانقسامات الثانوية للمتعلق: فهي من قبيل الصلاة بقصد امتثال الأمر وبدونه؛ فإن قصد امتثال الأمر متأخر عن الأمر.
 والانقسامات الثانوية للموضوع: فهي من قبيل المكلف العالم بالحكم وغير العالم به؛ فإن العلم بالحكم متأخر عن الحكم.
 إذا عرفت ذلك، فنقول: لا إشكال في أن المتعلق والموضوع بالنسبة إلى الانقسامات الأولية تارة يكونان مطلقين، وأخرى مقيدين، بل لا بد من أحدهما؛ إذ لا يمكن الإهمال في عالم الثبوت؛ للزومه الجهل على المولى I؛ فإن المولى يلحظ قبل تشريع الحكم كل من الموضوع والمتعلق، فإن لاحظهما مع كل أقسامهما متساوي الأقدام، فيأمر بالواجب مطلقا، وإن لاحظهما غير متساوي الأقدام، فيأمر به مقيَّدا؛ حيث يعبر عن هذا التقييد ﺑ(التقييد اللحاظي).
 أما الانقسامات الثانوية بالنسبة للمتعلق، وهي محل بحثنا، فنسأل: إذا أمر الشارع بأمر، فشككنا هل هو تعبدي أُخِذ في متعلقه قصد امتثال الأمر، أم توصلي؟ فما هو مقتضى الإطلاق؟
 ذهب المشهور إلى أنه لا أصل لفظي نتمسك به لإثبات التوصلية؛ وذلك لعدم إمكان أخذ قصد الامتثال قيدا في متعلق الأمر، وإذا لم يمكن التقييد لم يمكن الإطلاق
 فهيهنا جهتان: الأولى: هل يمكن ثبوتا أخذ قصد امتثال الأمر في المتعلق؟ والثانية: إذا امتنع التقييد، فهل يمتنع الإطلاق أيضا؟
 أما الجهة الأولى: فقد ذهبت جماعة من الأعلام إلى عدم إمكان التقييد؛ حيث كانت لهم عدة محاولات:
 المحاولة الأولى: وهي لصاحب الكفاية؛ حيث قال بلزوم الدور بأخذ قصد الامثتال في المتعلق من جهة، ولزوم عدم إمكان الامتثال من جهة أخرى.
 أما لزوم الدور، فتوضيحه: قبل أن يأمر المولى بشيء لا بد أن يتصور متعلَّقه، فيكون المتعلَّق متقدما على الأمر. ثم إن الأمر متقدم على قصد امتثاله، فيكون قصد الامتثال متأخر عن المتعلق برتبتين؛ حيث يتوسطهما الأمر.
 وعليه، إذا قيدنا المتعلق بقصد الامتثال، فكان القصد جزءا من المتعلق، فيصير القصد متقدما على الأمر باعتباره جزءا من المتعلق المتقدم على الأمر نفسه، ويصير القصد متأخرا أيضا عن الأمر؛ باعتبار أن قصد امتثال الأمر فرع الأمر، وبالتالي يلزم تقدم القصد على الأمر وتأخره عنه، وهو دور باطل.
 أجاب صاحب الكفاية على هذا الإشكال بأن المتعلق هو طبيعي الصلاة بداعي طبيعي الأمر، وهذا المتعلق غير متوقف على الأمر الخارجي الشخصي، وإنما الذي يتوقف عليه هي الصلاة الخارجية، إلا أن الأمر لم يتعلق بهذه الصلاة، بل تعلق بطبيعة الصلاة بداعي طبيعي الأمر، فينتفي الدور، وهو الحق؛ لما ذهبنا إليه من أن الأوامر تتعلق بالطبائع بما هي حاكية عن مصاديقها لا بالمصاديق نفسها.
 هذا بالنسبة إلى إشكال الدور، وأما بالنسبة لعدم إمكان الامتثال، فتوضيحه: لما كان المكلف مأمورا بالصلاة بقصد امتثال الأمر، فيكون الواجب هو الصلاة بقصد الامتثال لا مطلق الصلاة، إلا أن المكلف لما يأتي بالصلاة، فيكون قد أتى بذات الصلاة، والحال أن المأمور به ليست ذات الصلاة، بل الصلاة بقصد الامتثال.
 وأجيب على هذا الإشكال بأن امتثال الصلاة غير ممكن قبل الأمر بها، ولكنه ممكن بعده، وإنما تشترط القدرة بعد الأمر لا قبله.
 رد صاحب الكفاية هذا الجواب بأن الأمر لم يتعلق بذات الصلاة مطلقا، بل تعلق بها مقيدة بقصد الامتثال، والصلاة التي أتي بها خارجا هي ذات الصلاة، وهي غير المأمور بها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo