< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/06/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول\ الأوامر \ الإجزاء \ المراد بالوجه في العنوان \
 المبحث الأول: المراد من الوجه
 قال صاحب الكفاية: ( الفصل الثالث: الإتيان بالمأمور به (على وجهه) (يقتضي) (الإجزاء) في الجملة بلا شبهة. وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والإبرام، ينبغي تقديم أمور:
 أحدها: الظاهر أن المراد من (وجهه) - في العنوان - هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا، مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا، فإنه عليه يكون (على وجهه) قيدا توضيحيا، وهو بعيد، مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النـزاع، بناء على المختار، كما تقدم من أن قصد القربة من كيفيات الإطاعة عقلا، لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الإصحاب، فإنه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره، إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات - لا وجه لاختصاصه بالذكر على تقدير الاعتبار، فلا بد من إرادة ما يندرج فيه من المعنى، وهو ما ذكرناه، كما لا يخفى )
 بعد الفراغ من الفصل الأول الذي تكفل البحث عن مادة الأمر، ومن الفصل الثاني الذي تكفل البحث عن صيغته، شرح صاحب الكفاية في الفصل الثالث من هذا المقصد وهو يتكفل البحث حول إجزاء كل من الأمر الاضطراري؛ كالصلاة مع التيمم، والأمر الظاهري؛ كالصلاة بالثوب الطاهر بالطهارة الظاهرية، عن الأمر الواقعي؛ كالصلاة مع الوضوء بالثوب الطاهر بالطهارة الواقعية.
 وقبل الخوض في خضم هذا البحث، عنونه صاحب الكفاية بعنوان، ثم عمد إلى تفسير ألفاظه.
 نقول:
 أولا: إن العنوان الذي ذكره صاحب الكفاية من أن (الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء في الجملة) أفضل من عنوان (هل الأمر يقتضي الإجزاء؟)؛ لأن الكلام ثبوتا في الملازمة العقلية بين الإتيان بالمأمور به وسقوط الأمر، وليس الكلام في مقام الإثبات والدلالة والكشف حتى يقال: هل الأمر يدل على الإجزاء أم لا؟ إذًا المسألة عقلية لا لفظية.
 ثانيا: دأب الأصوليون على تفسير ألفاظ هذا العنوان، فشرحوا معنى (على وجهه)، ومعنى (يقتضي)، ومعنى (الإجزاء)، ثم بينوا الفرق بين الإجزاء وبين المرة والتكرار.
 أما معنى (الوجه) في العنوان، فقد فسره صاحب الكفاية بأنه (النهج الذي ينبغي أن يؤتى به الفعل شرعا وعقلا)، فيكون الوجه عبارة عن المأمور به نفسه تام الأجزاء والشرائط الشرعية مع قصد القربة، إلا أنه بناء على أن قصد القربة مأخوذ في المأمور به، فيكون قيد الوجه في العنوان قيدا توضيحيا للمأمور به؛ لأن الوجه هو المأمور به تام الأجزاء والشرائط والتي من ضمنها قصد القربة الداخلة في المأمور به شرعا.
 وأما بناء على ما ذهب إليه صاحب الكفاية من أن قصد القربة من كيفيات الإطاعة، فكما أن أصل الإطاعة عقلي، فقصد القربة الذي هو من كيفياتها عقلي أيضا، فيكون (الوجه) قيدا احترازيا؛ لأن المأمور به لا يفي بالغرض بعد خلوه من قصد القربة، وإنما فهمنا القصد من قيد الوجه.
 ثم بيّن صاحب الكفاية رجاحة مختاره من أن المقصود من قيد الوجه هو النهج العقلي، خلافا لمن ذهب من أن المقصود منه هو النهج الشرعي فقط؛ وذلك لأمرين:
 - الأمر الأول: بناء على أن المقصود من قيد الوجه النهج الشرعي، يكون حينئذ قيدا توضيحيا؛ لأن كلمة (المأمور به) عبارة أخرى عن هذا النهج، والأصل في القيود الاحتراز لا التوضيح. وعليه، يلزم من تفسير الوجه بالنهج الشرعي مخالفة الأصل.
 - الأمر الثاني: لو كان المراد من قيد الوجه هو الأجزاء والشرائط الشرعية، والفرض أن قصد القربة ليس منها لاستحالة أخذه في المأمور به، للزم خروج العبادات عن حريم النـزاع؛ لأنها من دون قصد القربة ليست مجزية حتما، فلا يقال فيه: هل يقتضي إتيانها الإجزاء أم لا؟ نعم، بناء على دخول قصد القربة في المأمور به، فلا يرد هذا الكلام.
 ثم إنه قد يفسر قيد الوجه بأن المراد منه قصد الوجه من الوجوب أو الندب، فيلزم على هذا التفسير إشكالات ثلاثة:
 - الإشكال الأول: إن أكثر الأعلام لم يعتبروا قصد الوجه في صحة الواجب، وعليه يلزم التهافت من تفسير القيد بقصد الوجه.
 - الإشكال الثاني: لو فرضنا أن الأعلام قد اعتبروا في صحة الواجب إتيانه بقصد الوجوب أو الندب، إلا أن ذلك ممكن في العبادات؛ إذ لم يقل أحد باعتباره في التوصليات، مما يلزم اختصاص البحث بالعبادات، والحال أن النـزاع عام يشمل جميع الواجبات التوصلية والتعبدية.
 - الإشكال الثالث: لو تنـزلنا أيضا وفرضنا اعتبار قصد الوجه من الوجوب والندب في العبادات والتوصليات، ولكن لماذا أخذ هذا الشرط في العنوان دون غيره من الشروط التي هي على حد سواء معه؛ من قبيل شرطية الإباحة والطهارة والاستقبال والستر ونحو ذلك؟! فإن في ذلك ترجيح بلا مرجح.
 والخلاصة: إن المراد من قيد الوجه معنى من ثلاثة: فإما أنه النهج الشرعي والعقلي، أو أنه خصوص النهج الشرعي، أو أنه قصد الوجه، والحق هو الأول؛ إذ على الثاني يلزم إشكالان، وعلى الثالث يلزم ثلاثة إشكالات.
 المبحث الثاني: معنى الاقتضاء
 قال صاحب الكفاية: ( ثانيها: الظاهر أن المراد من الاقتضاء - ها هنا - الاقتضاء بنحو العلية والتأثير، لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الإتيان لا إلى الطبيعة. إن قلتَ: هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره، وأما بالنسبة إلى أمر آخر، كالإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي، فالنـزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره، بنحو يفيد الإجزاء، أو بنحو آخر لا يفيده. قلتُ: نعم، لكنه لا ينافي كون النـزاع فيهما، كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم، غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما، إنما هو الخلاف في دلالة دليلهما )
 اشتمل عنوان صاحب الكفاية على الاقتضاء؛ حيث قال: "الإتيان بالمأمور به على وجهه (يقتضي) الإجزاء في الجملة"، والآن نبحث عم معنى الاقتضاء هنا.
 نقول: إن الاقتضاء على معنيين، هما:
 - التأثير والعلية؛ كما في قولنا: (النار تقتضي الإحراق)؛ أي هي علة له.
 - الكشف والدلالة؛ كما في قولنا: (الأمر يقتضي الوجوب)؛ أي كاشف عنه ودال عليه.
 وبالتالي، إن كان الاقتضاء هنا بالمعنى الأول، فيصير العنوان (الإتيان بالمأمور به علة للإجزاء)، وإن كان بالمعنى الثاني، فيصير (الإتيان بالمأمور به كاشف عن الإجزاء ودال عليه).
 وقد استظهر صاحب الكفاية أن المراد من الاقتضاء هو المعنى الأول؛ لأنه
 أولا: نُسِبَ إلى (الإتيان) الذي هو فعل وليس لفظا ليكون دالا وكاشفا فيتناسب حينئذ مع المعنى الثاني.
 ثانيا: إن البحث في عالم الثبوت لا في عالم الإثبات والدلالة ليكون المراد من الاقتضاء الكاشفية. كما أن المسألة عقلية لا لفظية؛ لأن الحاكم فيها هو العقل؛ فإن مفادها: هل الإتيان بالمأمور به ملازم للإجزاء أم لا؟ والحاكم في الملازمة وعدمها هو العقل.
 وعليه، فالمراد من الاقتضاء هو التأثير والعلية، فيكون النـزاع: هل الإتيان بالمأمور به مؤثر وعلة في الإجزاء وسقوط الأمر أم لا؟
 وإن قيل: إن تفسير الاقتضاء بالتأثير والعلية يتناسب مع إجزاء كل أمر عن نفسه؛ أي إجزاء الأمر الواقعي عن نفسه، وإجزاء الأمر الاضطراري عن نفسه، وإجزاء الأمر الظاهري عن نفسه، أم بالنسبة إلى إجزاء كل من الأمر الاضطراري والظاهري عن الأمر الواقعي فالذي يناسبه تفسير الاقتضاء بالمعنى الثاني؛ أي بمعنى الكشف والدلالة؛ لأن الكلام في هذا الإجزاء حول دلالة الأمر الاضطراري والظاهري على وفائه بتمام مصلحة الوظيفة الواقعية.
 قلنا: صحيح أن النـزاع في إجزاء كل من الأمر الاضطراري والظاهري عن الأمر الواقعي نزاع في الدلالة على النحو المتقدم، إلا أنه نزاع صغروي مرجعه إلى النـزاع الكبروي في العلية والتأثير؛ لأننا بدوا نثبت صغرويا أن دليل الأمر الاضطراري والظاهري نزل المأمور به منـزلة الأمر الواقعي، من ثم نسأل: هل الإتيان بالمأمور به علة في سقوط الأمور الواقعي أم لا؟ فالفرق بين بحث مسألة إجزاء كل أمر عن نفسه، وبحث إجزاء الأمر الاضطراري والظاهري عن الأمر الواقعي، أنه في الأول نبحث عن الاقتضاء بمعنى التأثير والعلية مباشرة، بينما في الثاني نتوسط صغرى الدلالة للرجوع إلى الاقتضاء بالمعنى نفسه، وهو المعنى المناسب لمعنى (الإتيان).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo