< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ الأوامر \ مقدمة الواجب \ المبحث الأول \ المسألة فقهية أم أصولية
 المبحث الأول: المسألة فقهية أم أصولية عقلية
 قال صاحب الكفاية: ( فصل في مقدمة الواجب. وقبل الخوض في المقصود، ينبغي رسم أمور: الأول: الظاهر أن المهم المبحوث عنه في هذه المسألة، البحث عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فتكون مسألة أصولية، لا عن نفس وجوبها، كما هو المتوهم من بعض العناوين، كي تكون فرعية، وذلك لوضوح أن البحث كذلك لا يناسب الأصولي، والاستطراد لا وجه له، بعد إمكان أن يكون البحث على وجه تكون عن المسائل الأصولية )
 يقع الكلام في هذا المبحث عن مقدمة الواجب، فهل هو من المسائل الفقهية، أم من المبادئ الأحكامية، أم من المبادئ التصديقية، أم من المسائل الكلامية، أم من المسائل الأصولية؟
 قد يقال: إنه من المسائل الفقهية باعتبار أن الكلام في وجوب المقدمة وعدم وجوبها، والمقدمة فعل للمكلف، وموضوع علم الفقه هو أفعال المكلفين، فيكون البحث فيها بحثا فقهيا، وبحثه في الأصول استطرادا.
 الجواب: إن الكلام لا ينصب على كون المقدمة واجبة أم لا، وإنما محله الملازمة العقلية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، فإذا أوجب المولى شيئا، والتفت إلى مقدمته، فهل يوجبها كما أوجب ذا المقدمة أم لا؟ مثلا: أوجب المولى علينا الحج، والحج متوقف على مقدمة، وهي طي المسافة بالنسبة للنائي، فهل هناك ملازمة عقلية بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته أم لا؟
 نعم، صحيح أن نتيجة ثبوت الملازمة أن تكون المقدمة واجبة، إلا أن ذلك لا يصيِّر المسألة فقهية، لأن البحث في المسألة من أول الأمر عن خصوص الملازمة، فلا ضير من أن تكون مرتبطة بالفقه أو بغيره من جهة ما؛ ذلك أننا لا نبحث عن تعريتها من جميع الجهات بالكامل ما خلا جهة واحدة، بل الحال أننا نثبت ارتباطها بالفقه من جهة وبالكلام من جهة أخرى، وبالمبادئ الأحكامية أيضا، كما سيأتي، ونظرا لجهات الارتباط المتعددة هذه جاء الكلام عن تحرير محل النـزاع، ولكننا نريد معرفة ما إن كانت ضابطة المسألة الأصولية منطبقة عليها أم لا.
 أما الميرزا النائيني: فقد ذكر دليلا على نفي فقهية المسألة، وهو أن مقدمة الواجب عنوان عام سار في جميع الأبواب الفقهية، بينما عناوين المسائل الفقهية خاصة؛ أي تتعلق بفعل خاص من أفعال المكلفين؛ مثل الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة ...
 وفيه:
 أولا: ينقض على هذه الدعوى أننا نجد عناوين بعض المسائل الفقهية عامة؛ مثل النذر والعهد واليمين، فإن هذه الثلاثة تتعلق بالصلاة، كما تتعلق بالصوم، والحج، وغيرها من الأبواب الفقهية.
 ثانيا: لا دليل على اشتراط خصوصية العنوان في المسائل الفقهية.
 وقد يقال: إن مسألة مقدمة الواجب من المبادئ الأحكامية؛ كما عن العضدي والبهائي تبعا للحاجبي؛ ذلك أن المبادئ الأحكامية هي اللوازم العارضة على الأحكام، ووجوب المقدمة لازم لحكم وجوب ذيها .
 الجواب: نحن مع قبولنا بوجود مبادئ للأحكام خلافا للسيد الخوئي  ومن تبعه، إلا أنه لا يكفي أن يكون في مسألتنا جهة من مبادئ الأحكام لتكون منها؛ لأن أصل البحث يبقى عن وجود الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته.
 وقد يقال: لما كان موضوع علم الأصول هو الأدلة الأربعة التي منها العقل، وكان البحث في مسألتنا عن حكم العقل بالملازمة وعدمها، كانت مسألة مقدمة الواجب مبدأ تصديقيا لعلم الأصول؛ لأن البحث عن كون العقل حاكما بالملازمة أم لا بحث عن ثبوت الموضوع، فيكون من المبادئ لا من الأعراض.
 وفيه:
 أولا: ذكرنا في مقدمات علم الأصول أننا لا نلتزم كون موضوع علم الأصول هو الأدلة الأربعة بما هي هي، أو بما هي أدلة، بل موضوعه وموضوع كل علم هو نفس موضوعات مسائله عينًا، وما يتّحد معها خارجًا، وإن كان يغايرها مفهومًا، تغاير الكلي ومصاديقه، والطبيعي وأفراده.
 ثانيا: إن البحث عن مقدمة الواجب، وإن كان بحثا عن الملازمة العقلية بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها، إلا أن ذلك ليس بحثا في ثبوت الموضوع، ثم أن ارتباطه بالمبادئ التصديقية لا يجعله منها، كما تقدم بالنسبة للمسائل الفقهية والمبادئ الأحكامية، خصوصا وأن ضابطة المسألة الأصولية متوفرة كما سيأتي.
 وقد يقال: إن مسألة مقدمة الواجب من المسائل الكلامية؛ لأن موضوع علم الكلام هو المبدأ والمعاد وما يترتب عليهما من الثواب والعقاب، ومسألة مقدمة الواجب يترتب عليها كل منهما، فإن من أتى بها بقصد أمرها أثيب عليها، ومن تركها عمدا عوقب على تركها.
 الجواب: أما العقاب فلا يترتب على ترك المقدمة، وإنما يترتب على ترك ذيها، فلو أن المكلف لم يقطع المسافة عمدا للحج، فإنه يعاقب على ترك الحج، لا على ترك قطع المسافة.
 وأما الثواب، فالمعروف بين الأعلام، أن المقدمات توصلية ما خلا مقدمات الطهارة الثلاثة، فالثواب لا يترتب عليها، بل على ذي المقدمة، وإن كان يثاب المكلف على المقدمة عَرَضًا لو أتى بها بقصد الإتيان بالأمر العبادي، إلا أن ذلك لا يجعل المقصود من بحث مقدمة الواجب هو الثواب والعقاب.
 والخلاصة: إن مسألة مقدمة الواجب ليست مسألة فقهية، ولا كلامية، ولا من المبادئ الأحكامية، ولا التصديقية، وإنما هي مسألة أصولية؛ ذلك أنها متوفرة على ضابطتها، وهي وقوعها في طريق استنباط الأحكام الشرعية الكلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo