< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

34/07/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الأصول\ الأوامر \ مقدمة الواجب \ المبحث الثاني \ أقسام المقدمة
 الأمر الثاني والثالث:
 قال صاحب الكفاية: ( ثم لا يخفى أنه ينبغي خروج الأجزاء عن محل النـزاع، كما صرح به بعض؛ وذلك لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا، وإنما كانت المغايرة بينهما اعتبارا، فتكون واجبة بعين وجوبه، ومبعوثا إليها بنفس الأمر الباعث إليه، فلا تكاد تكون واجبة بوجوب آخر، لامتناع اجتماع المثلين، ولو قيل بكفاية تعدد الجهة، وجواز اجتماع الأمر والنهي معه ... اللهم إلا أن يريد أن فيه ملاك الوجوبين، وإن كان واجبا بوجوب واحد نفسي لسبقه، فتأمل )
 قبل الخوض في هذين الأمرين، ينبغي الإشارة إلى أنه لا تنافي بين ما ذهب إليه صاحب الكفاية في الأمر الأول من أنه يمكن تعقل مقدمية الأجزاء من خلال المغايرة الاعتبارية بينها لا بشرط وبشرط الاجتماع، وبين قوله هنا: "لا يخفى أنه ينبغي خروج الأجزاء عن محل النـزاع، كما صرح به بعض؛ وذلك لما عرفت من كون الأجزاء بالأسر عين المأمور به ذاتا"؛ ذلك أن كلامه في الأمر الأول عن مجرد تعقل المقدمية للأجزاء، بينما كلامه هنا عن إمكان اتصافها بالوجوب الغيري.
 نرجع إلى الأمر الثاني والثالث، فإن صاحب الكفاية انتقل في المتن من الأمر الأول إلى الثالث مباشرة؛ أي من تعقل مقدمية الأجزاء، إلى إثبات مانعية اتصافها بالوجوب الغيري، مع أنه ينبغي تقديم الأمر الثاني، وهو وجود المقتضي للاتصاف؛ إذ لا معنى للكلام عن المانعية قبل إثبات المقتضي؛ فإنه كالحديث عن مانعية الرطوبة للاحتراق مع عدم النار؛ فإن ذلك موهم لاعتقاد وجودالمقتضي. نعم، كان الأولى على الأقل أن يصدِّر الأمر الثالث بافتراض وجود المقتضي.
 ولعله حفظ نفسه من ترك هذه الأولوية بذكر الأمر الثاني في الحاشية؛ حيث نفى وجود المقتضي لاتصاف الأجزاء؛ أي المقدمة الداخلية بالمعنى الأخص، بالوجوب الغيري؛ ذلك أن ملاك الوجوب الغيري هو التمايز الخارجي؛ بمعنى وجود الواجب الغيري في الخارج مستقلا ومتمايزا عن ذي المقدمة، وإن كان مترشحا عنها. إذًا ملاك الوجوب الغيري أن يوجد في الخارج فعلان متغايران، هما: المقدمة وذوها، فحينئذ يصح التنازع في لزوم وجوب المقدمة من وجوب ذيها، وإلا مع كونهما شيئا واحدا في الخارج، لا معنى للنـزاع؛ إذ لا يلزم الشيء من نفسه.
 إذًا الإنصاف في الأمر الثاني أنه لا مقتضي لاتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري، ولكن لو فرضناه، فهل هناك مانع من الاتصاف؟
 ذهب صاحب الكفاية وجماعة إلى وجود المانع؛ فأن لازم اتصاف الأجزاء بالوجوب الغيري اجتماع المثلين المتمايزين، وهما: الوجوب النفسي الضمني للأجزاء، والوجوب الغيري، وهو محال.
 ثم نبه على أن هذا الاجتماع ليس من قبيل اجتماع الأمر والنهي الذي ذهب إلى إمكانه؛ لأن المصحح له هو تعدد الجهة التقييدية؛ كالأمر بالصلاة والنهي عن الغصب؛ فإن الأمر لجهة الصلاة، والنهي لجهة الغصب، وهما جهتان تقييديتان انصب عليهما الحكم. أما في المقام فلا تعدد جهتي؛ ذلك أن الجهة التقييدية واحدة بالنسبة للوجوب النفسي الضمني للأجزاء والوجوب الغيري، فإن كليهما انصب على الأجزاء.
 أما الوجوب النفسي فواضح، وأما الوجوب الغيري، فإنه لم ينصب على عنوان المقدمية بالعنوان الأولي كما قد يتوهم، وإنما انصب على مصداقها؛ أي على عنوانها بالحمل الشايع.
 نعم، صحيح أن انصباب الوجوب الغيري على الأجزاء لجهة كونها مقدمة، ولكن هذا يجعل من المقدمية جهة تعليلية لا تقييدية، فتأمل. وعليه، يبقى إشكال اجتماع المثلين مانعا بلا دافع.
 هذا الكلام لم يجد طريقه إلى السيد الخوئي وجماعة من طلابه؛ لاعتباره أن المثلين لم يجتمعا، وإنما اندك أحدهما بالآخر حتى صارا وجوبا واحدا، وهو وجوب نفسي مؤكد؛ كما لو نذر المكلف صلاة الليل في ليلة معينة، فصارت واجبة عليه بالنذر، فاجتماع هذا الوجوب مع استحباب صلاة الليل في كل ليلة، وهما مثلان متمايزان، إلا أنهما اندكا في وجوب واحد مؤكد.
 ثم دفع السيد إشكالا متوهما حاصله: إن قلت: إنما يتم الاندكاك إذا كان المندكان في رتبة واحدة، والحال أنه لما كان الوجوب الغيري مترشحا عن الوجوب الغيري، فهو متأخر عنه رتبة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo