< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الأمر الثاني: إن هذه الوجوه الأربعة مبنية على كون مورد هذه القاعدة ما كان الامتناع ناشئا من الاضطرار بسوء الاختيار تكوينيا؛ كامتناع فعل الحج يوم عرفة لمن ترك المسير إليه، ولكن الإنصاف أن مورد هذه القاعدة يشمل ما كان الامتناع ناشئا من إلزام الشارع بفعل شيء أو تركه؛ فإن الممنوع الشرعي كالممتنع العقلي. وعليه، فإن الامتناع قد يمتنع عقلا وتكوينيا، وقد يمتنع شرعا. ومن المعلوم أنه لا فرق بينهما من ناحية الدخول في موضوع القاعدة إذا كان منتهيا إلى الاختيار. وعلى ضوء ما ذكرنا، يتضح لك عدم صحة هذه الوجوه الأربعة.
وأما عدم تمامية الوجوه الأربعة التي ذكرها الميرزا لعدم جريان قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا، ففيه:
أما بالنسبة إلى الوجه الأول، وهو أن الخروج غير ممتنع عليه، فلا تنطبق القاعدة عليه، فجوابه يتقدم بما مر في الأمر الثاني المتقدم، وهو أن الامتناع مرة يكون تكوينيا، وأخرى تشريعيا، والامتناع في هذا الوجه تشريعي؛ لأن الذي دخل الدار المغصوبة يحرم عليه البقاء شرعا، ولا يمكن أن يكون الخروج محرما عليه أيضا؛ فحرمته ممتنعة تشريعا وإلا لزم التكليف بالمحال، وإن كان الخروج أو تركه ممكنا عقلا وتكوينا. وعليه، فلا بد من الخروج عقلا حينئذ من باب ارتكاب أقل المحظورين. وعليه، فالقاعدة تجري في هذا الوجه، فيقال: الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا، سواء كان الامتناع تشريعا أم تكوينا.
وأما الوجه الثاني الذي ذكره الميرزا لعدم جريان القاعدة، وهو أن القاعدة إنما تجري في حال تمامية ملاك الوجوب سواء كانت المقدمة الوجودية الإعدادية حاصلة أم لا؛ كما إذا تحققت الاستطاعة إلى الحج، فتم ملاك وجوبه، فإن ترك السير إلى الحج حتى صار ممتنعا تكوينا، فهنا صحيح أنه لا يخاطب بالوجوب، ولكن بما أن هذا الامتناع منتهيا إلى اختيار، فيعاقب عليه؛ لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا، إلا أن ذلك خلاف الخروج من الدار المغصوبة؛ لأن الخروج قبل الدخول لا يشتمل على ملاك الوجوب، وإنما يتم ملاك وجوب الخروج بعد الدخول، وبما أنه قبل الدخول لا ملاك لوجوب الخروج، فلا يدخل الخروج ضمن قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار؛ لأن موردها ما كان ملاكه تاما قبل حصول مقدمته، وعليه فلا تجري القاعدة في هذا الوجه.
وفيه: إنما يتم هذا الكلام في خصوص الواجبات، وكلامنا ليس في وجوب الخروج، وإنما الكلام في حرمته، وهو من هذه الجهة داخل في قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا؛ لأن حرمة البقاء فعلا أوجبت بحكم العقل لزوم اختيار الخروج فرارا من المحذور الأهم، وهو البقاء. وبما أن الخروج لا يمكن القول بحرمته شرعا؛ للزوم التكليف بما لا يطاق، فيمتنع تركه شرعا وإن لم يكن ممتنعا عقلا، ومع امتناع تركه شرعا يعاقب عليه؛ لأن الامتناع منته إلى اختياره. وبالجملة، فيصدق عليه قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا.
والخلاصة: إن الخروج تارة ينظر إليه من حيث الوجوب، وأخرى من حيث الحرمة، وقد عرفت أنه من حيث الحرمة يكون داخلا في موضوع القاعدة، وأما من حيث الوجوب فإن ثبت وجوب الخروج شرعا، كما هو مبنى الشيخ النائيني، فيتم كلامه حينئذ من خروج الخروج عن موضوع القاعدة؛ لعدم الملاك له قبل إيجاد مقدمته، وهي الدخول. ولكنك عرفت سابقا أن الخروج ليس واجبا شرعا، لا بالوجوب النفسي ولا بالوجوب الغيري.
وأما الوجه الثالث، وهو أن القاعدة إنما تجري إذا كان فعل المقدمة يؤدي إلى تنجز التكليف؛ حيث يصبح المكلف قادرا على امتثال الواجب؛ كما في الحج؛ حيث إن السير إلى مكة يوجب تنجز التكليف في حق المكلف، وهنا الدخول إلى الدار المغصوبة يؤدي إلى خلاف المطلوب؛ لأنه بإتيانه للمقدمة، وهي الدخول، يؤدي إلى سقوط التكليف وهو النهي عن الخروج؛ إذ لا يمكن للمولى أن ينهى عن الخروج والحال أنه ناه عن البقاء، ولا يؤدي إلى تنجزه، فلا تجري القاعدة في هذا الوجه.
وفيه: إنما يتم هذا الكلام في مقدمة الواجب؛ إذ فيها يتنجز التكليف بإتيانها؛ كتنجز وجوب الحج بإتيان السير إليه، أما في مقدمة الحرام فلا؛ إذ بإتيانه للمقدمة يوجب امتناع ترك الحرام. وأما ترك المقدمة فيها، فيوجب قدرة المكلف على ترك الحرام.
وبالجملة، فالدخول في الدار المغصوبة يوجب امتناع سقوط النهي عن الخروج؛ لأن البقاء فيها محرم شرعا، فيكون الخروج ممتنعا شرعا، وبما أن القاعدة لا تختص بمقدمة الواجب فقط، وإنما تشمل مقدمة الحرام أيضا؛ لأن الاضطرار في كليهما ناشئا من الاختيار، فهي جارية في هذا الوجه أيضا. وعليه، فما ذكره الميرزا النائيني مبني على الخلط بين مقدمة الواجب ومقدمة الحرام.
وأما الوجه الرابع، فقد أصبح واضحا؛ لأن إشكاله بكون الخروج خارجا عن القاعدة؛ لأنه قابل لتعلق التكليف به باعتبار أنه واجب عقلا، فيلزمه إمكان تعلق التكليف به شرعا، غير وارد؛ لأن هذا الفعل وإن كان واجبا عقلا من باب أقل المحظورين إلا أنه غير قابل لتعلق حكم النهي به؛ إذ بالدخول يمتنع أن ينهاني الشارع عن الخروج، وإلا لزم التكليف بالمحال؛ لما عرفت من كون البقاء محرما شرعا، فإذا كان الخروج محرما أيضا لزم المحذور المتقدم. وعليه، فلا توجد ملازمة بين وجوب الخروج عقلا وقابلية تعلق الحكم الشرعي به. والخلاصة: إنه لا إشكال في جريان القاعدة في هذا الوجه.
والنتيجة: إن ما ذكره الميرزا النائيني من أن الخروج واجب شرعي ولا يجري عليه حكم المعصية؛ لأن قاعدة الامتناع بالاختيار لا تنطبق عليه لم يكتب له التوفيق؛ لأن الخروج ليس واجبا شرعيا، ويجري عليه حكم المعصية لانطباق القاعدة عليه.
هذا تمام الكلام في القول الثاني من الأقوال الخمسة. أما القول الثالث، وهو لصاحب الفصول، وهو أن الخروج واجب شرعا، ومنهيا عنه بالنهي السابق، ويجري عليه حكم المعصية.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo