< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/12

بسم الله الرحمن الرحیم

وأما ما ذكره الميرزا من أمثلة، فنقول: أما مثاله الأول، وهو بطلان الإجارة على الواجبات المجانية، فقد ذكرنا سابقا العديد من الإشكالات الواردة في هذه المسألة والإجابات عليها، منها:
أولا: إن المكلفين ملزمون بإتيانها، وليسوا مخيرين بين فعلها وتركها، مما يفقدها ماليتها، وبالتالي لا يمكن تأجيرها.
والجواب: إن كون المكلفين ملزمين بإتيان الواجبات المجانية لا يخرجها عن المالية، وإنما تخرج عن ماليتها فيما لو ألغى الشارع ماليتها؛ كما في الكلب والخنـزير، غايته يصير المستأجَر مجبورا على إتيانها من جهتين: من جهة كونها واجبا شرعيا، ومن جهة كونه مستأجَرا عليها.
ثانيا: إن هذه الواجبات المجانية مملوكة لله، فلا يمكن تأجيرها وبالتالي تمليكها للمستأجِر، وإلا لزم اجتماع ملكيتين على مملوك واحد.
والجواب: لا ضير في اجتماع هاتين الملكيتين طالما كل منهما بمعنى مختلف من جهة، وفي مرتبة مختلفة من جهة أخرى؛ فملكية المولى حقيقية، وملكية المستأجر اعتبارية وفي طول ملكية مولاه.
فالنتيجة: إن ملكية المولى لهذه الواجبات، وكون المكلفين مجبورين عليها، لا يجعل الإجارة عليها باطلة، وإنما السبب في بطلانها هو اعتبار مجانيتها شرعا، فإن ذلك ينافي أخذ الأجرة عليها.
هذا بالنسبة إلى مثال الإجارة على الواجبات المجانية، أما المثال الثاني وهو منذور الصدقة، فإن كان النذر على نحو نذر النتيجة، وهو النذر الذي يتحقق متعلقه بمجرد النذر؛ كما لو قال: (لله علي أن تكون هذه الشاة صدقة لزيد)؛ حيث تصبح الشاة ملكا لزيد صدقة بمجرد الفراغ من الصيغة، فهنا يخرج هذا المثال عن محل النـزاع؛ لأن العين حينئذ تخرج عن ملكيتها للناذر بمجرد النذر، وبالتالي تخرج سلطنته عليها، فلا يجوز له بيعها حتما؛ لما ورد في النبوي: "لا بيع إلا فيما تملك"([1]). ولكن لا يخفى عليك أن نذر النتيجة باطل عند مشهور العلماء، وتفصيله في محله.
وإن كان النذر على نحو نذر الفعل، وهو النذر الذي يتوقف متعلقه على فعل؛ كما لو قال: (لله علي أن أتصدق بهذه الشاة على زيد)، فما ذهب إليه الميرزا من أن وجوب الوفاء بالنذر يخرج المنذور عن سلطنة الناذر بإتيان ما يتنافى مع الوفاء بنذره؛ كبيع المنذور مثلا، فهو في غير محله؛ لأن وجوب الوفاء حكم تكليفي لا يخرج المنذور عن سلطنة الناذر، ولا ينافي صحة بيعه له، غايته أنه يأثم لمخالفة النذر، وتتوجب عليه كفارة النذر لعدم وفائه به.
وكذا الحال بالنسبة إلى مثاله الثالث، وهو ما لو باع شخص داره مثلا على مشتر مشترطا عليه أن يعتق عبده؛ فإن وجوب الوفاء بالشرط حكم تكليفي لا يخرج العبد عن سلطنة مالكه المشروط عليه، ولا ينافي صحة بيعه له، غايته أنه يأثم لمخالفة وجوب الوفاء بالشرط.
ومن هنا ذهب مشهور الفقهاء إلى صحة الزواج والطلاق فيما إذا تزوج رجل امرأة واشترطت عليه حين الزواج أن لا يطلقها أو لا يتزوج عليها، فلو خالف وطلق أو تزوج عليها صح طلاقه وزواجه، وإن كان آثما بذلك لوجوب الوفاء بالشرط، و"المؤمنون عن شروطهم"؛ كما ورد في عدة أخبار، منها موثقة منصور بزرج، عن عبد صالح، قال: قلت له: إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها، فبانت منه، فأراد أن يراجعها، فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها ولا يتزوج عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟
فقال: بئس ما صنع! وما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل والنهار، قل له: فليفِ للمرأة بشرطها؛ فإن رسول الله
قال: المؤمنون عند شروطهم"[2]، وتفصيله في محله.
الخلاصة: إن هذه الأمثلة لم يكتب لها التوفيق للاستشهاد على أن النهي عن المسبب يوجب فساد المعاملة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo