< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/13

بسم الله الرحمن الرحیم

تذنيب:
قال صاحب الكفاية: "حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة، وعن الفخر أنه وافقهما في ذلك، والتحقيق أنه في المعاملات كذلك إذاكانعنالمسبب أو التسبيب؛ لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالأمر، ولا يكاد يقدرعليهماإلافيماكانتالمعاملة مؤثرة صحيحة، وأما إذا كان عن السبب، فلا؛ لكونه مقدورا وإن لم يكن صحيحا، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها".
ينقل صاحب الكفاية المحكي عن أبي حنيفة والشيباني قولهما الذي وافقههما عليه فخر المحققين، وهو أن النهي عن المعاملة يدل على الصحة، ثم يقول: إن التحقيق في المسألة يكشف عن أن النهي عن خصوص المسبب؛ كالنهي عن ملكية الكافر للعبد المسلم، وعن التسبيب؛ كالنهي عن ملكية الكلب بالبيع، يدلان على صحة المعاملة؛ ذلك أنه يشترط في متعلق النهي القدرة على المنهي عنه، كما يشترط في متعلق الأمر القدرة على المأمور به، ولذلك لو كانت المعاملة غير مؤثرة؛ أي أثرها غير قابل للتحقق، فلا معنى حينئذ للنهي المولوي عنها؛ لأنه نهي عن شيء غير مقدور، ولذلك قلنا: إن النهي عنها يدل على صحتها ومؤثريتها.
هذا بالنسبة للنهي عن المسبب والتسبيب، أما النهي عن السبب، فهو غير دال على الصحة ولا على الفساد؛ لأن ذات السبب، الذي هو المتعلق، مقدور، وهو الإيجاب والقبول، سواء أكان مؤثرا أم لا. وبالجملة، فالقدرة على متعلق النهي، وهو ذات السبب، لا تتوقف على سببيته؛ أي على مؤثريته.
هذا حاصل كلام صاحب الكفاية، وجوابه: إنه قد ذكرنا سابقا أن التعبير بالسبب والمسبب مجرد اصطلاح فقهي، وإلا فإن الإيجاب والقبول ليسا سببا وعلة تامة لحصول المسبب، بل هما جزء السبب وجزء العلة أو المقتضي لحصوله. كما ذكرنا أن المسبب لما كان عبارة عن حكم وضعي شرعي؛ كالملكية والزوجية ونحوهما؛ أي فعل من أفعال الشارع، فلا معنى لينهى الشارع عنه.
وعليه، فما ذكره صاحب الكفاية من التحقيق في غير محله فيما يتعلق بالنهي عن المسبب؛ إذ لا معنى للنهي عنه بعد كونه فعلا من أفعال المولى. أما النهي عن السبب، فهو غير دال على شيء من الصحة والفساد، ومن هنا لو طلق المصلي زوجته أثناء الصلاة طلاقا مستجمعا للشرائط، فقال: (هند طالق)، صح طلاقه رغم كونه منهيا عن ذلك؛ لأنه كلام آدمي ممنوع في الصلاة، فلو كان النهي عن السبب دالا على الفساد لما أثر الطلاق أثره أثناء الصلاة.

دلالة الروايات على الفساد:
قال صاحب الكفاية: "وقد عرفت أنها غير مستتبعة للفساد، لا لغة ولاعرفا.نعمربما يتوهم استتباعها له شرعا، من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه".
يقول صاحب الكفاية: صحيح أن النهي المولوي لا يدل على الفساد لا لغة ولا عرفا، إلا أن بعض الأعلام ذهب إلى دلالة بعض الأخبار على الملازمة بين حرمة المعاملة وفسادها، منها: حسنة زرارة، عن أبي جعفر، قال: سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى سيده، إن شاء أجازه، وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك الله، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إن أصل النكاح فاسد، ولا تحل إجازة السيد له، فقال أبو جعفر: إنه لم يعص الله، وإنما عصى سيده، فإذا أجازه فهو له جائز"[1].
فهِم هؤلاء الأعلام أن معصية العبد في الرواية معصية تكليفية للنهي عن الزواج بغير إذن سيده، وقد فسد زواجه بموجب هذا النهي فيما لم يمضه سيده، ومعصية السيد يلازمها معصية الله، وهذا يدل على الملازمة بين حرمة المعاملة التكليفية وفسادها.
وإن شئت فقل: إن النهي عن النكاح تارة يكون نهيا عنه من حيث هو؛ كالنهي عن النكاح في العدة ونحوه، فإنه لا إشكال في دلالته على الفساد لما فيه من المفسدة المقتضية لذلك، ولا تصححه إجازة الغير؛ لأن النكاح في هذه الصورة معصية لله لا لغيره. وأخرى يكون النهي عن الشيء من باب كونه تصرفا في سلطنة الغير؛ كنكاح العبد بدون إذن سيده، فهذه معصية للسيد وتضييع لحقه وتصرف في سلطانه؛ حيث إن العبد مملوك له، فليس له سلطنة على شيء. وهذه المعصية للسيد تستتبع معصية لله، وبذلك يفسد النكاح لكونه محرما، ولكن بما أن الحق راجع إلى غير الله، وإنما راجع إلى السيد، فله إسقاط حقه بالتالي إجازة المعاملة.
وفيه: إن العبد غير منهي عن إجراء عقد الزواج ليكون زواجه محرما تكليفيا؛ إذ إنشاؤه للعقد بدون إذن سيده ليس من المحرمات الإلهية؛ فإن كونه مملوكا لا يجعل كل ما يصدر عنه، ولو مجرد الكلام مثلا، مخالفا لحق سيده؛ فإن سلطان السيد لا يتسع لهذا القدر من تصرفات العبد. وعليه، فإن عقد العقد بما هو عقد لا معصية فيه لسيده. نعم، هي معصية وضعية؛ لأنه بعقده غير المأذون قد خالف القانون الإلهي في زواج العبيد؛ إذ يشترط في صحة عقد العبد إجازة سيده، فإن عقد بدون تحصيل إجازته كان عقده فضوليا، فإن أجازه سيده بعد ذلك صح. ثم إن هذه الرواية، وبعد إلغاء خصوصيةالنكاح، تعتبر من أقوى الأدلة على صحة العقد الفضولي.
والخلاصة: إن الرواية خارجة عن محل النـزاع، وهو دلالة الحرمة التكليفية على الفساد.
ومنها: صحيحة أبي بصير، عن أبي عبد الله، قال: من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشيء، من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله "[2].
وقد فهموا منها أيضا أن فساد التطليق ثلاثا ناشئ عن مخالفة الحكم التكليفي لله، مما يدل على الملازمة بين حرمة المعاملة التكليفية وفسادها. وفيه: إن الكلام في هذه الرواية هو الكلام في سابقتها، وهو أن المخالفة المذكورة هي عبارة عن مخالفة للأحكام الوضعية في الطلاق، وهذه غير الحرمة المتنازع حول دلالتها على الفساد.
النتيجة: إن النهي المولوي عن المعاملة لا يدل على الصحة ولا على الفساد. أما النهي الإرشادي عنها فهو دال على فسادها. وقد عرفت أن أغلب النواهي في المعاملات نواه إرشادية، والله العالم.
وقع الفراغ منه عصر يوم الثلاثاء 13 رجب المرجب سنة 1435ﻫ، الموافق ﻟ13 أيار سنة 2014م.



[1] وسائل الشيعة باب 24 من أبواب نكاح العبيد ج21، ص115، ح1.
[2] وسائل الشيعة باب 29 من أبواب الطلاق ج22، ص63، ح8.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo