< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/07/27

بسم الله الرحمن الرحیم

المبحث الرابع: تعلق كلي الحكم على الشرط
قال صاحب الكفاية: "بقى هاهنا أمور: الأمر الأول: إن المفهوم هو انتفاءسنخالحكمالمعلق على الشرط عند انتفائه، لا انتفاء شخصه؛ ضرورة انتفائه عقلابانتفاءموضوعهولوببعضقيوده،فلايتمشى الكلام - في أن للقضية الشرطية مفهوما أو ليس لها مفهوم - إلا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء، وانتفاؤهعند انتفاء الشرط ممكنا، وإنما وقع النـزاع في أن النـزاع في أن لها دلالةعلىالانتفاءعند الانتفاء، أو لا يكون لها دلالة. ومن هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والأوقاف والنذور والأَيمان، كما تُوُهِّم".
هذا الأمر يشكِّل ضابطة لثبوت المفهوم لكل قضية، لا خصوص القضية الشرطية،وحاصله: إن المبحوث في المفاهيم هو إثبات انتفاء كلي الحكم؛ أي سنخه، عند انتفاء الشرط أو الوصف أو اللقب، لا انتفاء شخصه؛ لأن انتفاء شخصه حتمي.
وتوضيحه: في قضية (إن جاءك زيد فأكرمه) علقنا وجوب الإكرام على المجيء، ووجوب الإكرام حكم كلي؛ إذ قد يكون سببه المجيء أو العلمية أو الهاشمية وغيرها، فالمبحوث في المفاهيم هو انتفاء كلي وجوب الإكرام عند انتفاء المجيء؛ بحيث إذا انتفى المجيء انتفى كلي وجوب الإكرام، لا خصوص المسبب عن المجيء فحسب، فإن هذا المقدار، وهو وجوب الإكرام الجزئي المعلق على المجيء، منتف حتما بانتفاء المجيء؛ لأنه سببه، والمسبب عدم بعدم سببه.
وبناء على هذه الضابطة ينكشف أن دلالة الوصايا والأوقاف والنذور والأيمان على الانتفاء عند الانتفاء ليس من المفهوم، بل من انتفاء شخص الحكم عند انتفاء شرطه أو وصفه، وهذا خارج عن محل النـزاع. والسر في ذلك أن المال المعين في الوقف مثلا لا يقبل الوقف مرتين؛ كأن يوقف داره على أولاده الفقراء أولا، ثم يوقف الدار عينها على كل أولاده الفقراء وغيرهم، وكذا بالنسبة للوصية والنذر واليمين. وبالتالي، فالمعلَّق هو شخص الحكم من أول الأمر، فإذا انتفى الشرط أو الوصف أو اللقب انتفى شخص الحكم، إلا أن انتفاءه ليس من باب المفهوم بل من باب انتفاء المسبب بانتفاء سببه.
أما الشهيد الثاني، فقد أدخل دلالة هذه القضايا على الانتفاء عند الانتفاء في المفهوم؛ معتبرا أن المنتفي فيها هو كلي الحكم لا شخصه؛ حيث قال في محكي تمهيد القواعد: "لا إشكال في دلالتها في مثل الوقف والوصايا والنذر والأَيمان؛ كما إذا قال: (وقفت هذا على أولادي الفقراء)، أو إن كانوا فقراء، أو نحو ذلك. ولعل الوجه في تخصيص المذكور، هو عدم دخول غير الفقراء في الموقوف عليهم، وفهم التعارض فيما لو قال بعد ذلك: (وقفت على أولادي مطلقا)"[1].
وقد خُطِّئ الشهيد على ذلك، إلا أنه لما كان للمؤمن ناصر، فنقول: إن كلام الشهيد وجيه فيما لو حملناه على صورة الشك في مراد الواقف أو الموصي أو الناذر أو الحالف.
وتوضيحه: لو قال الواقف: (وقفت داري على أولادي الفقراء)، فهنا إن اطمأننا أن قصده خصوص الفقراء لا غيرهم، فوجب العمل عليه؛ لأنه بالقصد المذكور يكون وقفا على خصوص الفقراء، ولا يكون وقفا على غيرهم، لا بهذا الشخص من الوقف؛ لانتفائه بانتفاء موضوعه، ولا بشخص آخر من الوقف؛ لامتناع اجتماع وقفين على مال واحد.
وإن شككنا في قصده، وأنه هل أراد خصوص أولاده الفقراء أم أراد كل أولاده، وإنما ذكر الفقراء لإبداء اهتمامه بهم فحسب؟ فهنا تدخل المسألة في محل كلامنا؛ فبناء على المفهوم يكون الأولاد غير الفقراء خارجين عن الموقوف عليهم، وبناء على عدم المفهوم، فنرجع إلى الأصول العملية. والظاهر أن هذا هو محل كلام الشهيد، لا الكلام الأول ليرد عليه أن المنتفي هو شخص الحكم، وهو ليس من باب المفهوم، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo