< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

أما السيد الخوئي ، فقد أشكل على أستاذه النائيني بأن ما نحن فيه ليسمورداللأصولالعملية،بلهومنمواردالرجوع إلى الأصول اللفظية، وتوضيحه: إن موضوع وجوب التقصير في الكتاب والسنة هو السفر العرفي، ويكفي فيه مجرد الخروج من البلد بنية السفر وإن لم يصل إلى حد الترخص، ثم قُيِّد بعد ذلك بخفاء الأذان والجدران. وعليه، مع الشك في أن خفاء إحدى العلامتين كاف في إيجاب التقصير نرجع إلى إطلاق وجوب التقصير الفوقاني لتكون النتيجة كرفع اليد عن الإطلاق الأوي، ولا تأتي النوبة للأصل العملي.
وفيه: إن من يرجع إلى روايات أهل البيت يعرف أن موضوع التقصير هو السفر الشرعي، وهو سفر خاص مقيد بعلامات محددة منصوصة، لا أن موضوعه بدوا هو السفر العرفي ثم قُيِّد بعد ذلك.
ومن الروايات الدالة على ظهور كون موضوع التقصير هو السفر الشرعي صحيحة معاوية بن وهب قال: "قلت لأبي عبد الله : أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال: بريد ذاهبا وبريد جائيا"[1]. وكذا موثقة سماعة قال: "سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، وذلك بريدان، وهما ثمانية فراسخ"[2]. فإن هذه الروايات ظاهرة في أن موضوع التقصير بيد الشارع لا العرف.
ويؤيد ذلك أيضا ما في صحيحة أبي ولاد قال: "قلت لأبي عبد الله : إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة وهو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة، ثم بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدرِ أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام؟ وكيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا، فكان عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير؛ لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير إلى منـزلك قال: وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا، فإن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام ..."[3]. فإنما وجب عليه قضاء ما صلاه قصرا؛ لأن موضوع التقصير هو السفر الخاص الشرعي؛ إذ لو كان موضوعه السفر العرفي، لما وجبت الإعادة بعد فرض صدق عنوان المسافر عليه عرفا.
نعم، صحيحة تقضي بعدم إعادة المسافر ما صلاه قصرا إذا بدا له العود قبل البريد، وهي صحيحة زرارة قال: "سألت جعفر عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت وقد خرج من القرية على فرسخين، فصلوا وانصرف بعضهم في حاجة، فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلاها ركعتين؟ قال: تمت صلاته ولا يعيد"[4]. ومن هنا ذهب المشهور إلى عدم وجوب القضاء.
والعجب أن السيد الخوئي في مبحث الفقه ذهب إلى أن مقتضى القاعدة بعد تعارض الروايات، هو لزوم الإعادة عملا بالروايات الكثيرة الدالة على أنه لا تقصير في أقل من بريدَين، وبما أنه لم يقطع هذا المقدار حسب الفرض لمكان العدول عن القصد قبل بلوغ المسافة، فالوظيفة الواقعية لم تكن إلا الإتمام وإن تخيل أنها القصر، فلا مناص من إعادتها.
فالإنصاف - كما تقدم – هو ما ذهب إليه الميرزا من كون المرجع إلى الأصل العملي، وهو لدينا خصوص البراءة لما عرفت ما في الاستصحاب.
المبحث السادس: تداخل الأسباب والمسبَّبات وعدمه
قال صاحب الكفاية :
"الأمر الثالث: إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، فلا إشكال على الوجه الثالث، وأما على سائر الوجوه، فهل اللازم لزوم الإتيان بالجزاء متعددا، حسب تعدد الشروط؟ أو يتداخل، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟ فيه أقوال: والمشهور عدم التداخل، وعن جماعة - منهم المحقق الخوانساري - التداخل، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده".
إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، فهل اللازم تعدد الجزاء وفعله عقيب كل شرط أو لا، بل يكتفى بفعل الجزاء مرة واحدة؟ وهذه المسألة تُعرف ﺑتداخل الأسباب والمسبَّبات وعدمه).
ثم اعلم أن الجهة المبحوث عنها هنا مختلفة عن التي في المبحث السابق؛ ضرورة أن الجهة المبحوث عنها في الأمر السابق إنما هي بيان علاج التعارض بين مفهوم إحدى القضيتين الشرطيتين مع منطوق الأخرى بعد البناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم، بينما الجهة المبحوثة هنا عبارة عن أن الأصل فيما إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء هو تداخل الشرطين في التأثير، أو عدم تداخلهما فيه، بأن يؤثر كل واحد تأثيرا؛ بحيث يلزم الإتيان بالجزاءات المتعددة حسب تعدد الشرط؟ وهذا المبحث يرجع إلى منطوق القضيتين، سواء قلنا بالمفهوم أم لا.
إذا عرفت ذلك، فنرجع إلى أصل المبحث. يقول صاحب الكفاية: أما على الوجه الثالث من وجوه معالجة تعارض مفهوم إحدى القضيتين الشرطيتين مع منطوق الأخرى، وهو رفع اليد عن الإطلاق الواوي، فلا نـزاع؛ لأن كل سبب حينئذ يكون جزء علة الجزاء، وبالتالي تشكل مجموع الأسباب سببا واحدا، فيكون جزاؤها واحدا، فينتفي النـزاع حول تداخل المسبَّبات وعدم تداخلها. كما ينتفي النـزاع على الوجه الخامس فيما يخص المثالين المتقدمين؛ لبداهة أنه بعد ترجيح أحد السببين، لا يبقى لدينا إلا سببا واحدا ومسبَّبا واحدا.
نعم، يقع النـزاع بالنسبة لسائر الوجوه المبنية على استقلال كل شرط في التأثير في الجزاء، واستتباع كل شرط جزاء مستقلا، ولازم ذلك تعدد الجزاء بتعدد الشرط، فيجري النـزاع حينئذ في التداخل وعدمه.
وعليه،فقدذهبمشهورالأعلامإلىعدمالتداخل،وذهبالبعضكالخونساري إلى التداخل، بينما ذهب البعض الآخر إلى التفصيل؛ حيث قال بالتداخل فيما لو اتحدت الشروط جنسا؛ كما في قضيتي إذا بلت فتوضأ ،(وإذا بلت فتوضأ)، وبعدم التداخل فيما لو اختلفت؛ كما في قضيتي إذا بلت فتوضأ، (وإذا نمت فتوضأ).
وعليه، فيقع الكلام في أمرين، هما: تداخل الأسباب، وتداخل المسبَّبات. ولكن قبل الشروع فيهما ينبغي تقديم بعض الأمور، وهي:
- الأمر الأول:
لا بد أن يكون الجزاء قابلا للتكرار والتعدد، أو قابلا للتقيد بالسبب. أما الأول، فهو مثل الوضوء والغسل والكفارة ونحوها، فلو ورد مثلا: إن ظاهرت فكفِّر،(وإن تعمدت الإفطار فكفِّر)، يأتي النـزاع حول التداخل وعدمه؛ ذلك أن التكفير قابل للتكرار والتعدد.
وأما الثاني، فهو مثل خيار الفسخ، فإنه وإن لم يكن قابلا للتكرار؛ إذ لا معنى للفسح بعد الفسخ وإلا لزم تحصيل الحاصل، إلا أنه قابل للتقيد بسببه الخاص؛ إذ قد يكون خيار الفسخ بسبب عدم انفضاض المجلس، أو بسبب الغبن، أو بسبب العيب، وهذه الخيارات قابلة للسقوط، وسقوط بعضها لا يلزمه سقوط البقية، فيأتي النـزاعحينئذحولتداخلهاوعدمه؛ إذ يتحقق أثر القول بعدم التداخل باعتبار قابلية الإسقاط من جهة خاصة، مع بقاء الجزاء من سائر الجهات. وكذا في القتل لأجل حقوق الناس؛ فلو قتل زيد عَمْرًا وبكرا وخالدا، فقتل زيد قصاصا، وإن لم يقبل التعدد، إلا أنه قابل للتقييد بالسبب؛ بأن نلاحظ استحقاق زيد القتل بسبب قتله عمرا، فلو أسقط ورثة عمر حق القَوَد، لم يسقط حق ورثة بكر وخالد.
نعم، لا يأتي النـزاع في حد القتل لأجل حق الله ؛ كما في: إذا زنا زيد المحصن فاقتله، (وإذا ارتد زيد المسلم الفطري فاقتله)، فهنا حق القتل لله وحده، ولا يقبل التكرار ولا الإسقاط، فلا يجري فيه النـزاع.
- الأمر الثاني:
وهو خلو المقام من دليل خارجي قاض بالتداخل أو عدمه؛ حيث يكون المرجع حينئذ إلى الدليل؛ كما دل الدليل على تداخل أسباب الوضوء مما يقتضي اتحاد الجزاء، وبالتالي خروج المورد عن محل النـزاع. والسر في تداخل الأسباب بالنسبة للوضوء هو أن السبب الحقيقي هو الحالة الحدثية.
وإن شئت فقل: إن الدليل قائم على كفاية وضوء واحد لجميع أسبابه، وهذا يكشف عن كون النواقض مثل البول والغائط والنوم ونحوها محصِّلة لهذا السبب، وهو الحالة الحدثية، وهو الموجب للوضوء، وهذا الحدث غير قابل للتعدد بتعدد محصلاته.
أضف إلى ذلكأنهتارة يُنظر إلى الوضوءالمسبَّب)بالمعنى المصدري؛أيبمعنى أفعال الوضوء، وهي الغسلتان والمسحتان، ففي هذه الحالة يكون قابلا للتكرر والإعادة، فيكون داخلا في محل النـزاع مع فرض عدم الدليل الخارجي على تداخل الأسباب، وأخرى يُنظر إليه بمعنى اسم المصدر؛ أي بمعنى الطهارة الحاصلة من أفعال الوضوء، فهنا قطعا لا يكون داخلا في محل النـزاع؛ لأنه بهذا المعنى غير قابل للتكرر والإعادة، فتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo