< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

هذا حاصل كلام السيد البروجردي، وسيتضح لك ما فيه في بياننا الطريق الصحيح للاستدلال على عدم تداخل الأسباب، وهو ما ذكره الميرزا النائيني، وحاصله: إن تعلق الطلب بصرف الوجود من الطبيعة، وإن كان مدلولا لفظيا، إلا أن عدم قابلية صرف الوجود للتكرر ليس مدلولا حتى يعارض ظاهر القضية الشرطية في تأثير كل شرط لجزاءٍ غير ما أثَّره الآخر، بل من باب حكم العقل بأن المطلوب الواحد إذا امتثل لا يمكن امتثاله ثانيا. وأما أن المطلوب واحد، أومتعدد، فلا يحكم به العقل، ولا يدل عليه اللفظ.
وبعبارة أخرى: وضعت صيغة الأمر لطلب إيجاد الطبيعة، والعقل يحكم بأن إيجاد الطبيعة يحصل بإتيانها مرة، فلا موجب لإتيانها ثانيا، وهذا لا ينافي أن يكون المطلوب إيجادها مرتين؛ بحيث يكون امتثال كل مرة كافيا لامتثال مطلوب.
ومما ذكرنا يتضح لك أن ظهور الجزاء في الاكتفاء بالمرة ليس من باب الإطلاق أصلا حتى يقع التعارض، بل يكون ظهور القضية الشرطية في تأثير الشرط مستقلا في الجزاء، رافعا حقيقة لموضوع حكم العقل بأن المطلوب واحد يحصل امتثاله بإتيانه مرة، وواردا عليه.
ثم إن عدم ظهور القضيتين في الاتحاد، لا ينافي ما تقدم من حكومة ظهور الأمر في تعلقه بصرف الوجود في نحو: (صم يوما)، (صم يوما)، على الظهور السياقي للفرق بين البابين؛ فإن الأمر في مقام الجزاء؛ حيث إنه متفرع على الشرط، فيقتضي تعدد الشرط بتعدد الجزاء، وهذا بخلاف الأمر الابتدائي المكرر؛ فإنه ليس ظاهرا في التعدد إلا من جهة الظهور السياقي المحكوم بظهور تعلق الأمر بصرف الوجود.
وبالجملة، فإن كون القضية الشرطية انحلالية أظهر من اتحاد الجزاء في القضيتين؛ وذلك لأنه لا شبهة في أن القضية الشرطية كالقضية الحقيقية؛ فكما أن قوله: (المستطيع يحج) عام لمن استطاع في أي وقت، فكذلك قوله: (إن استطعت فحج)؛ لأن كل قضية حقيقية راجعة إلى الشرطية، وبالعكس، غاية الأمر أنهما متعاكستان؛ فالشرطية تتضمن عنوان الموضوع؛ لأن نتيجة (إن استطعت فحج) هو المستطيع، وهي صريحة في الاشتراط. والحقيقية تتضمن الشرط، وهي صرحية في عنوان الموضوع. ولازم الانحلالية أن يترتب على كل شرط جزاء غير ما رُتِّب على الآخر، فعلى هذا لا إشكال في عدم التداخل.
هذا حاصل ما ذكره، وهو في غاية المتانة والصحة، ولا يحتاج إلى شيء آخر.
إذا عرفت ذلك كله، تعرف ما في كلام السيد البروجردي من عدم إمكان إرادة الفرد من المطلق؛ "لأنه إن أريد من الفرد فرد ما فهو لا يغني عن شيء؛ لأنه أيضا لا تعدد فيه، ... وإن أريد من الفرد شخص معين، فهو لا يمكن إرادته ولحاظه في مقام الأمر"؛ حيث تصح إرادة فرد ما، وهو قابل للتعدد؛ كما لو نذر زيد الصوم يومين غير معينين ولا تميز بينهما في الخارج، فإنه لا إشكال في أن المطلوب متعدد، مع أنه لا تمايز بينهما في الخارج، ولا يوجد ما يشخص أحدهما عن الآخر؛ فلو صام يوما دون أن يعينه بأنه الأول أم الثاني، سقط عنه أحد اليومين رغم عدم تميزهو. وكذا لو اقترض زيد مائة دينار من عمرو، ثم أتلف له شيئا بقيمة مائة دينار أيضا، فانشغلت ذمته بمائتين لعمرو، مع أنه لا تمايز بينهما خارجا أصلا، فلو أوفاه مائة دون أن يميزها بأنها مائة القرض أم الإتلاف، سقطت عنه إحدى المائتين رغم عدم تميزها.
وبهذا يتضح أنه لا يشترط في تعدد المطلوب التميز في الخارج. وما يهوِّن الخطب أننا ذهبنا من أول الأمر إلى تعلق الأمر بالطبيعة.
وهكذا، بعد أن عرفت أن الأصل اللفظي هو عدم تداخل الأسباب خلافا للأصل العملي، وأن عدم التداخل لا يعارضه تعلق الأمر بالطبيعة، فاعلم أنه لا فرق في تعدد الجزاء بتعدد الشرط بين أن يدل على الشرط العقل أو الإجماع أو اللفظ،كما لا فرق بين أن يكون اللفظ الدال على الشرط اسما؛ مثل (إذا)، أو حرفا؛ مثل (إن)؛ ذلك لأن الشرط في كل هذه الصور سبب تام مهما كان الدال الذي دل عليه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo