< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/12/26

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم إنه إن كان هناك قرينة على أن المراد هو الاستغراقي أو المجموعي فهو، وإلا فالأصل اللفظي الإطلاقي يقتضي الاستغراقية؛ لاحتياج المجموعية إلى مؤنة زائدة، وهي لحاظ جميع الأفراد على وجه الاجتماع، وجعلها موضوعا واحدا، وهذا من غير فرق بين أقسام العموم؛ سواء أكان العموم مدلولا اسميا للأداة؛ ﮐ(كل) و(جميع) وما شابههما، أو مدلولا عرفيا؛ كالجمع المحلى بالألف واللام، بناء على أن العموم وتعيين أقصى مراتب العلماء في قوله: (أكرم العلماء) إنما هو لإفادة الألف واللام؛ ذلك حيث لا يكون هناك عهد، أو كان العموم مدلولا سياقيا؛ كالنكرة الواقعة في سياق النفي ﺑ(لا) النافية للجنس؛ فإن العموم في جميع هذه الأقسام إنما يكون على نحو العموم الاستغراقي الانحلالي، ولا يحمل على المجموعي إلا إذا قامت قرينة على ذلك.
ثم إنه ينبغي التنبيه على أمر قد تقدم في بعض المباحث السابقة، وهو الفرق بين القضية الحقيقية والخارجية، وحاصله: إن القضية الحقيقية هي ما كان الحكم فيها واردا على العنوان والطبيعة بلحاظ مرآتية العنوان لما ينطبق عليه في الخارج؛ بحيث يرد الحكم على الخارجيات بتوسط العنوان الجامع لها. وبذلك تمتاز القضية الحقيقية عن القضية الطبيعية؛ حيث إن الحكم في القضية الطبيعية وارد على نفس الطبيعة لا بلحاظ وجودها الخارجي، بل بلحاظ تقررها العقلي؛ كما في قولك: (الإنسان نوع)، أو (الحيوان كلي)، وهذا بخلاف القضية الحقيقية؛ فإن الحكم فيها وإن رتب على الطبيعة، لكن لا بلحاظ تقررها العقلي، بل بلحاظ تقررها الخارجي، وهو معنى لحاظ العنوان مرآةً لما في الخارج.

ومما ذكرنا ظهر المائز بين القضية الخارجية والقضية الحقيقية أيضا؛ فإن الحكم في القضية الحقيقية - كما عرفت - مترتب على الخارج بتوسط العنوان، وأما في القضية الخارجية، فالحكم فيها مترتب ابتداءً على الخارج بلا توسط عنوان، سواء أكانت القضية جزئية أم كلية؛ فإن الحكم في القضية الخارجية الكلية أيضا، إنما يكون مترتبا على الأفراد الخارجية ابتداءً من دون أن يكون هناك بين الأفراد جامع اقتضى ترتب الحكم عليها بذلك الجامع، كما في القضية الحقيقية، ولو فرض أن هناك جامعا بين الأفراد الخارجية، فإنما هو جامع اتفاقي؛ كما في قولك: (كل من في المعسكر قُتِل)؛ فإنه بمنـزلة قولك: (زيد قُتِل) و(عمرو قُتِل)، و(بكر قُتِل)، وليس بين قتل زيد وعمرو وبكر جامع عنواني اقتضى ذلك الجامع قتل هؤلاء، وإنما اتفق أن كلا من زيد وعمرو وبكر كان في
المعسكر زمن وقوع القتل على الجميع، فاتفقت مقتلتهم جميعا.
ومما ذكرنا تعرف أن القضية الحقيقية تقع كبرى في قياس الاستنتاج بخلاف القضية الخارجية، فإنها لا تقع كبرى في قياس الاستنتاج، ولأجل ذلك تكون القضايا المعتبرة في العلوم، هي القضايا الحقيقية، ولا عبرة بالقضايا الخارجية.

عشرة وأمثالها ليست من ألفاظ العموم:
قال صاحب الكفاية: "وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم؛ لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها، فافهم".[1]
يطرح صاحب الكفاية في ختام هذا الفصل مسألة أن العشرة وغيرها؛ كالعشرين والثلاثين والأربعين ونحوها، وإن كانت شاملة لآحادها المندرجة تحتها، إلا أن ذلك ليس من باب العموم؛ فإن هذه الألفاظ غير دالة على العموم؛ لعدم انطباق ضابطة العموم عليها، وهي صلاحية انطباقها على أفرادها؛ فإن العشرة مثلا وإن كانت شاملة للأعداد من واحد إلى عشرة، إلا أنها لا تنطبق على ما عدا نفسها؛ فلا يقال: (الواحد عشرة)، أو (الاثنان عشرة) وهكذا.
وإنما قال في ختام المسألة: "فافهم"؛ إشارة إلى ورود هذا الإشكال نفسه على ألفاظ العموم؛ فإن كانت ضابطة العام أن يصلح انطباقه على أفراده، فكيف يكون (كل رجل) عاما في قولك: (أكرم كل رجل)، والحال أنه لا ينطبق على زيد؛ إذ لا يقال: (زيد كل رجل)!وكذا بالنسبة للفظ (المحمدون) في (أكرم المحمدين)، فكيف يكون عاما، والحال أنه لا ينطبق على محمد؛ إذ لا يقال: (محمد محمدون)؟!
والجواب: صحيح أن مفهوم (كلرجل) لا ينطبق بمجموعه على زيد؛ إلا أن مدخول أداة العموم صالح للانطباق عليه، بل على كل فرد من أفراده، وهذا كاف في صحة الانطباق، وهذا بخلاف (العشرة) وأشباهها، فإنها لا تصلح بوجه من الوجوه للانطباق على آحادها.
أما بالنسبة إلى الجموع المحلاة بالألف واللام، فإنما يرد الإشكال عليها فيما لو دخلت أداة الجمع، وهي (الواو والنون) في المثال، على لفظ (محمد)،قبل دخول أداة العموم عليه، وهي الألف واللام؛ فإنه يقال حينئذ: أن لفظ الجمع لا ينطبق على أفراده. أما لو دخلت الآداتان معا على لفظ (محمد)، فحينئذ لا يرد الإشكال؛ لانطباق لفظه على أفراده قبل دخول أداة العموم عليه.

المبحث الثالث: هل للعام صيغة تخصه؟
قال صاحب الكفاية: "لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه - لغة وشرعا - كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما ويعمهما؛ ضرورة أن مثل لفظ ( كل ) وما يرادفه في أي لغة كان تخصه، ولا يخص الخصوص ولا يعمه".
تقدم المراد من العام، وأنه المفهوم الصالح للانطباق على أفراده. أما الخاص، فالمراد منه العام المخصص بوصف أو استثناء أو نحوهما. وعليه، فالعام إذا خرج منه فرد أو نوع، فالباقي خاص؛ ففي قولك: (أكرم كل عالم إلا العزّاب)، العام هو (كل عالم)، بينما الخاص هو (العلماء غير العزّاب).
إذا عرفت ذلك، نأتي إلى ما قاله صاحب الكفاية في هذا المبحث، وهو أنه كما للخاص صيغ خاصة؛ مثل لفظ (خاصة)، فكذلك العام له صيغه الخاصة؛ مثل (كل) و(جميع) وما يرادفهما في أية لغة؛ فإنها صيغ مختصة بالعموم فحسب.
وكما أن لكل من العام والخاص صيغهما الخاصة، فثمة صيغ يشترك فيها كل منهما؛ مثل المفرد المحلى بالألف واللام في قولك: (أكرم الرجل)؛ إذ لو كانت اللام عهدية كانت لفظة (الرجل) مختصة بالخاص؛ لدلالتها حينئذ على رجل خاص معهود، وإن لم تكن للعهد كانت اللفظة مختصة بالعام؛ لدلالتها حينئذ على كل أفراد الرجال. وكذا لفظ النكرة؛ فإنها إن وقعت في سياق النفي؛ كما في قولك: (لا رجل في الدار)، كانت مختصة بالعام، وإن وقعت في سياق الإثبات؛ كما في قولك: (أكرم رجلا)؛ كانت مختصة بالخاص.
هذا حاصل كلام صاحب الكفاية، لكن المسألة عند الأعلام خلافية؛ حيث قال صاحب الفصول: "؟ فذهب جماعة إلى الأول، وهو المحكاختلفوا في أنه هل للعموم صيغة تخصه أو لاي عن المحقق والشيخ والعلامة، وعزاه بعضهم إلى الأكثر، وذهب قوم إلى الثاني، وتوقف بعضهم. ثم اختلف النافون، فمنهم من جعلها مشتركة بينه وبين الخصوص، وحكي عن السيد موافقته لهم على ذلك لغة مع مصيره إلى أنها نقلت في عرف الشرع إلى العموم خاصة. ومنهم من جعلها حقيقة في الخصوص ومجازا في العموم"[2].

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo