< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

35/12/28

بسم الله الرحمن الرحیم

وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي:
قال صاحب الكفاية: "ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم، النكرة في سياق النفي أو النهي، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا؛ لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة، إلا إذا لم يكن فرد منها بموجود، وإلا كانت موجودة، لكنلا يخفى أنها تفيده إذا أخذت مرسلة لا مبهمة قابلة للتقيد، وإلا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب لما أريد منها يقينا، لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها، وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية، فإنها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها، لا الافراد التي يصلح لانطباقها عليها. كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا؛ كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله، ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة".[1]
حاصلكلامه: أنه ربما يعد من الألفاظ الموضوعة للدلالة على العموم الاستغراقي، النكرة في سياق النفي؛ كما في قولك: (ما أكرمت أحدا)، والنكرة في سياق النهي؛ كما في قولك: (لا تكرم فاسقا)؛ ولا ينبغي التشكيك في دلالتها عليه؛ لضرورة أن المراد منها في هذين السياقين إعدام الطبيعة، ولا يكون ذلك إلا بإعدام كل الأفراد؛ فإن امتثال النهي في المثال المتقدم لا يكون إلا بترك إكرام كل أفراد الفاسقين؛ بحيث لو أكرم واحدا لعصى، ولم تنعدم الطبيعة، وهذا هو معنى العموم الاستغراقي.
ثم استدرك على كلامه قائلا بأن دلالة النكرة عل العموم في المقام لا تكون إلا فيما إذا كانت مطلقة، وهذا ما يجعل الدلالة على العموم متوقفة على إثبات إطلاق النكرة بمقدمات الحكمة؛ والسر في ذلك أن غاية ما يدل عليه وقوع النكرة في هذين السياقين، هو عموم السلب لما يراد منها؛ وقد يكون المراد منها بعض أفرادها لا كلها؛ لاحتمال أن تكون الطبيعة المنفية أو المنهي عنها هي الطبيعة المهملة المتحققة ببعض الأفراد. أما الدلالة على استيعاب السلب لكل أفراد النكرة، الذي هو مفاد العموم الاستغراقي، فإنما يستفاد بمعونة مقدمات الحكمة المثبتة لإطلاق النكرة؛ ففي قضية: (لا تكرم فاسقا)، يدل وقوع النكرة في سياق النهي بنفسه على إرادة عموم المراد من النكرة الذي قد يكون بعض أفراد الفساق أو كلهم، أما الدلالة على الكل، فهي متوقفة على إثبات إطلاقها.
ثم اعلم أن استيعاب السلب لخصوص ما أريد منها تعيينا لا ينافي كون دلالة النكرة في حيز النفي أو النهي على العموم والاستيعاب عقلية. ووجه المنافاة أن الدلالة العقلية تقتضي عموم السلب لجميع أفراد الطبيعة، لا خصوص ما أريد منها. وأما وجه عدم المنافاة، فإن الدلالة العقلية على العموم إنما هي بالإضافة إلى ما يراد من النكرة لا مطلقا.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى لفظة (كل)؛ فإن غاية ما تدل عليه، هو عموم المراد من مدخولها، أما الدلالة على إرادة عموم ما يصح انطباق المدخول عليه من الأفراد، فهي متوقفة أيضا عل إثبات إطلاق المدخول بمقدمات الحكمة؛ ففي قضية: (أكرم كل عالم)، تدل (كل) بنفسها على إرادة العموم من مدخولها الذي قد يكون المراد منه بعض أفراد العلماء أو كلهم، أما الدلالة على الكل، فهي متوقفة على إثبات الإطلاق في مدخولها.
هذا حاصل ما ذكره أولا، إلا أنه استدرك بعد ذلك قائلا: "نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها".
هذا الاستدراك على ما تقدم قد يكون راجعا لخصوص وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي، أو ﻟ(كل)، أو لكليهما، وهو الأظهر؛ لإطلاق كلامه. وحاصل استدراكه أن دلالة النكرة في هذين السياقين ودلالة (كل) على العموم الاستغراقي لا يتوقف على إثبات الإطلاق في المدخول؛ لأن معنى أن (كل) مثلا موضوعة للعموم الاستغراقي، هو سريان الحكم إلى جميع ما يمكن أن ينطبق عليه مدخولها بما له من المعنى وضعا. ومن الواضح أن هذه الدلالة بنفسها قرينة على عدم أخذ خصوصية فيه، لا أن دلالتها على العموم مستندة إلى عدم قيام قرينة على تقييده بقيد ما، وإلا لكفى جريان مقدمات الحكمة في إثبات العموم من دون حاجة إلى لفظة (كل).
وعليه، فبطبيعة الحال يكون الإتيان بها لغوا؛ حيث إن العموم حينئذ مستفاد من قرينة الحكمة، سواء أكانت (كل) موجودة أم لا. كما لا يخفى أنه لا يمكن الالتزام بلغوية وجود (كل).
ثم إنه لا تتنافى الدلالة على العموم سواء بالنسبة إلى وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي أو بالنسبة إلى (كل) مع تقييد المدخول أحيانا؛ كما في مثل: (أكرم كل عالم عادل)؛ لأن التقييد جاء من دليل آخر، وهو الوصف، من باب تعدد الدال والمدلول - على ما تقدم - لا من لفظ (كل) نفسه.
وبعبارة أخرى: في حال التقييد يكون مراد المتكلم من أول الأمر هو المدخول مقيَّدا من قبيل (ضيِّق فم الركيَّة)، لا أنه أراد العموم أولا، ثم قيَّده بإخراج بعض أفراد المدخول. ومن هنا كان التعبير عن هذه القضايا المقيدة ﺑ(التخصيص) تسامحيا.
ثم قال: "وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا - بناء على إفادته للعموم - ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره، وإطلاق التخصيص على تقييده، ليس إلا من قبيل ( ضيِّق فم الركيَّة )".
يقول: إن الاسم المحلى بالألف واللام، سواء أكان مفردا؛ مثل: (أكرم العالم)، أم جمعا؛ مثل: (أكرم العلماء)، دال على العموم الاستغراقي؛ كدلالة (كل) ووقوع النكرة في سياق النفي أو النهي عليه، فالكلام فيه هو الكلام فيهما.
ثم استدرك قائلا: "لكن دلالته على العموم وضعا محل منع، بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى؛ وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما؛ كما لا يخفى، وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام".
يقول: إن الكلام عن دلالة الاسم المحلى بالأف واللام على العموم مبني على كونهما موضوعين للدلالة عليه، إلا أن ذلك محل منع؛ إذ لا الألف واللام موضوعان للعموم، ولا مدخولهما، ولا المركب منهما، وإنما يدل مدخولهما على الماهية المهملة المعراة عن أية خصوصية.
وعليه، فالمحلى باللام لا يفيد العموم إلا بمقدمات الحكمة، ولكن سيأتي من صاحب الكفاية في باب (المطلق والمقيد) الاعتراف صريحا باستناد العموم فيه إلى وضع المجموع للعموم؛ حيث قال هناك: "وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه، فلا دلالة فيها على أنها تكون لاجل دلالة اللام على التعين"، إلى أن قال: "فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك، لا إلى دلالة اللام على الإشارة إلى المعين". وسيأتي الكلام عن ذلك مفصلا في محله إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo