< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

المبحثالرابع:التمسك بالعام بعد التخصيص اللبي في الشبهة المصداقية

قال صاحب الكفاية: "هذا إذا كان المخصص لفظيا. وأما إذا كان لبيا،فإنكانممايصحأنيتكلعليهالمتكلمإذاكان بصدد البيان في مقام التخاطب، فهو كالمتصل؛ حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص، وإن لم يكن كذلك، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه".[1]

بعد الفراغ من بيان عدم صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فيما إذا كان المخصِّص لفظيا؛ شرع صاحب الكفاية في الكلام عن صحة التمسك به فيما إذا كان المخصِّص لبِّيا. ولعل أول من قرع باب هذا البحث هو الشيخ الأنصاري؛ حيث ذهب إلى صحة التمسك مطلقا، وتبعه بعض الأعلام على ذلك، بينما ذهب أكثر الأعلام إلى العدم، وذهب البعض كصاحب الكفاية إلى التفصيل بين ما إذا كان المخصِّص اللبي ضروريا أو غير ضروري على ما يأتي.

وحاصل ما يظهر من كلام الشيخ الأنصاري هو أنه في التخصيص اللفظي صدرت من المولى حجتان، وهما العام والخاص، فيكون لدينا عنوانان، وهما موضوع العام؛ ﮐ(العالم) في (أكرم كل عالم)، وموضوع الخاص؛ ﮐ(الفاسق) في (لا تكرم الفسَّاق منهم)، ثم ينقلب موضوع العام بعد التخصيص ليصبح مركبا من موضوعه قبل التخصيص وموضوع الخاص؛ أي (العالم غير الفاسق)، ومع عدم إحراز موضوع العام المركب هذا، لا يمكن التمسك به لإدخال العالم مشكوك الفسق تحته، كما لا يمكن التمسك بالخاص لإدخاله تحته أيضا؛ لأن الخاص حجة في أفراده المحرز دخولها تحته؛ أي حجة في خصوص ما أحرز فسقه، فنرجع إلى الأصول العملية.

أما في التخصيص اللبي، فلم تصدر من المولى إلا حجة واحدة، وهي العام، فلا يكون لدينا إلا عنوان واحد، وهو موضوع العام؛ كما لو قال المولى: (أكرم كل عالم). أما الخاص، وهو حرمة إكرام الفساق منهم، فقد ثبت بالإجماع مثلا، فيبقى العام على حاله، فلا يخرج من تحته إلا ما عُلِمَ فسقه؛ أي ما دخل تحت الخاص يقينا، أما ما شك في دخوله تحته فيبقى داخلا تحت العام، ولا مزاحم له.

وفيه: إنه لا فرق بين التخصيص اللفظي واللبي من هذه الجهة؛ لأن الخاص سواء أكان لفظيا أم لبيًّا، فهو يكشف عن المراد الجدي للمولى، وأنه يريد من أول الأمر إكرام العالم غير الفاسق. فلا عبرة بالكاشف، وإنما العبرة بالمنكشف. وعليه، فكما أن الخاص بالمخصِّص اللفظي يوجب تعنون العام بنقيض الخاص؛ حيث يصبح مركبا من جزأين: (العالم) و(غير الفاسق) في قولك: (أكرم كل عالم) و(لا تكرم الفساق منهم) أو (إلا الفساق)، فكذلك المخصِّص اللبي يجعل الموضوع مركبا، كما لا يخفى. وعليه، فتكون النتيجة واحدة على كلا الوجهين، وهو أنه لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية سواء أكان التخصيص لفظيا أم لبيًّا.

أما تفصيل صاحب الكفاية، فهو مبني على تقسيم المخصِّص اللبي إلى ضروري وغيره؛ إذ على الأول لا يصح التمسك بالعام، بينما يصح التمسك به على الثاني. وتوضيحه: إذا كان المخصِّص مما يصح عرفا أن يعتمد عليه المتكلم بأن يكون حكما عقليا ضروريا؛ بحيث لا يحتاج الذهن عند سماع العام في انتقاله إلى الخاص إلى فحص ومقدمات، بل ينتقل إليه بمجرد سماع العام؛ كما لو قال المولى: (أكرم كل جيراني)، فانتقل الذهن مباشرة إلى عدم إكرام الأعداء منهم لعلمنا أنه لا يريد إكرام أعدئه، فهنا يكون التخصيص اللبي بمثابة التخصيص بالمتصل اللفظي؛ فإن انتقال الذهن من العام إلى الخاص بلا مقدمات يجعله بمنـزلة الخاص المتصل اللفظي، فكما أنه لا ينعقد ظهور في العموم فيه، كذلك الحال هنا، وبالتالي لا يصح التمسك بالعام فيما إذا شككنا بعداوة زيد الجار، فيرجع إلى الأصول العملية.

أما إذا كان المخصِّص غير ذلك؛ كما إذا كان حكما عقليا نظريا، بأن كان
متوقفا على مقدمات، أو كان إجماعا، أو سيرة، وبالجملة إذا كان حكم العقل نظريا؛ بحيث يحتاج الذهن لانتقاله من العام إلى الخاص إلى فحص ومقدمات؛ كما لو قال المولى: (أكرم كل جيراني)، وبعد الفحص والتأمل علمنا بأنه لا يريد إكرام أعدائه من الجيران، فهنا يكون المخصِّص اللبي بمثابة المخصِّص المنفصل اللفظي من جهة انعقاد ظهور العام في العموم، ولكنهما يختلفان من جهة أنه في المخصِّص المنفصل اللفظي لا يصح التمسك بالعام، بينما يصح هنا؛ بحيث لو ترك المكلف إكرام أحد الجيران مخرجا إياه من تحت العام لمجرد أنه يحتمل عداوته للمولى، لاستحق العقاب على ذلك؛ والسر فيه ما تقدم فيما استظهرناه من كلام الشيخ الأنصاري؛ إذ في صورة المخصِّص المنفصل اللفظي صدرت عن المولى حجتان، وهما العام والخاص، وبعد تقديم الخاص لأظهريته، ينقلب موضوع العام ليصبح مركبا من موضوعه قبل التخصيص وموضوع الخاص، ولا يمكن إدخال الفرد المشكوك تحت أي منهما؛ لعدم إحراز موضوعهما، فيرجع إلى الأصول العملية. أما في مقامنا، فلم يصدر عن المولى إلا حجة واحدة، وهي العام؛ إذ الحجة الثانية ليست إلا القطع بأن هذا الجار عدو، ومع عدم القطع بذلك يجب إكرامه تمسكا بعموم العام؛ إذ لا حجة أخرى على خلافه.

ثم ترقى صاحب الكفاية ليقول: أنه من خلال التمسك بالعام في المقام لا نخرج الفرد المشكوك من تحت الخاص حكما فقط، بل نخرجه من تحته موضوعا أيضا. وتوضيحه: ورد في زيارة عاشوراء عام، وهو: (اللهم العن بني أمية قاطبة)، ثم قطعنا بأنه (لا يجوز لعن المؤمن)، فلا بد أن يكون غير المؤمن جائز اللعن، فلو شككنا في زيد الأموي هل هو مؤمن أم لا، فيجوز التمسك بعموم العام لنخرج زيد حكما وموضوعا من تحت الخاص، فيقال: زيد الأموي المشكوك الإيمان جاز لعنه، وكل من جاز لعنه فليس بمؤمن، فزيد ليس بمؤمن. وبهذا القياس نستكشف عدم إيمانه؛ إذ لو كان مؤمنا لما جاز لعنه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo