< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

والإنصاف فيما تقدم: إن الخاص الخارج من تحت العام بالمخصِّص اللبي تارة يكون من العناوين التي يقبل العام التقيد بها، وبالتالي الانقسام إليها وإلى غيرها، فهنا لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وأخرى يكون الخاص من العناوين التي لا يقبل العام التقيد بها، وبالتالي الانقسام إليها وإلى غيرها، فهنا يصح التمسك بالعام.
وتوضيح الصورة الأولى: ورد في صحيحة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: "قال أبو عبداللهجعفربنمحمد الصادق: إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فأجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضيا،فتحاكمواإليه"[1]. وكذا ورد في رواية ابن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقا ثابتا له؛ لأنه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمر الله أن يكفر به، قال الله تعالى: ﴿ُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ[2]، قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يُقبل منه، فإنما استخف بحكم الله، وعليه رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله. الحديث"[3]. نجد في هذين الخبرين أن موضوع العام هو القاضي والحاكم، وقد ثبت بالإجماع اشتراط العدالة فيه،ففي هذه الصورة بما أن عنوان العام قابل للتقيد بالعدالة، وبالتالي الانقسام إلى العادل وغيره، فإذا شككنا في قاض هل هو عادل أم لا، فهنا لا يصح التمسك بالعام؛ لأننا لم نحرز موضوعه الذي صار بعد ورود المخصِّص اللبي مركبا من (القاضي) و(العادل).
أما الصورة الثانية، وهو فيما إذا كان الخاص من العناوين التي لا يقبل العام التقيد بها، وبالتالي لا يقبل الانقسام إليها وإلى غيرها، فكما في المثال المتقدم، وهو العام الوارد في زيارة عاشوراء (اللهم العن بني أمية قاطبة)، وقطعنا بأنه (لا يجوز لعن المؤمن)، فلو شككنا في زيد الأموي هل هو مؤمن أم لا، فيجوز التمسك بعموم العام لنخرج زيد حكما وموضوعا من تحت الخاص؛ والسر فيه: إن ملاك حكم العام (جواز اللعن) هو الشقاوة، وملاك عدم جوازه هو السعادة، ونحن نعلم أن المؤمن - وهو عنوان الخاص - سعيد؛ بمعنى أنه لا يطرد من الرحمة الإلهية إلى الأبد، فلا يكون المؤمن مشتملا على ملاك اللعن، وبالتالي لا يمكن للَّعن أن يكون واردا على المؤمن، فيكون خارجا من تحت العام خروجا تخصُّصيا لا تخصيصيا؛ لأنه غير قابل للدخول تحته حتى يخرج من تحته بالتخصيص؛ فلا يصح للعام أن يتقيد به؛ لأن عنوان الخاص من قبيل الملاكات، والملاك علة للحكم فيكون متقدما عليه، فلا يصلح أن يكون جزء موضوعه، وإلا تأخر عنه، فيلزم أن يكون الملاك حينئذ متقدما ومتأخرا على الحكم، وهو محال.
وعليه، فإذا شككنا في إيمان زيد الأموي، يصح التمسك بالعام حينئذ؛ لأن المولى لو لم يحرز ملاك اللعن وهو الشقاوة في كل بني أمية لما عمَّم، فتعميمه داله على ثبوت الشقاوة في جميعهم، ومنهم زيد الأموي مشكوك الإيمان، ويستكشف من نفس العموم أن زيدا ليس مؤمنا. أما من علم إيمانه منهم، فيكون خروجه من تحت العام حينئذ خروجا تخصُّصيا لا تخصيصيا؛ لما تقدم من أن حكم العام غير قابل للورود على المؤمن من أول الأمر، فلم يكن المؤمن داخلا تحته حتى يخرج بالتخصيص.
فالخلاصة: إذا كان الخاص من العناوين التي يقبل العام التقيد بها، فلا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وإذا كان مما لا يقبل العام التقيد بها، فيصح التمسك بالعام.
هذا فيما إذا أحرزنا كون الخاص من العناوين التي يقبل العام التقيد بها، أو من قبيل الملاك التي لا يقبل العام التقيد بها. أما إذا شككنا في ذلك؛ بأن كان عنوان الخاص يصلح أن يؤخذ قيدا في الموضوع، ويصلح أيضا أن يكون من قبيل الملاكات، فهنا يأتي تفصيل صاحب الكفاية.
وتوضيحه: لو قال المولى: (أكرم كل جيراني)، ثم علمنا أنه لا يرد إكرام الأعداء منهم، فإن العداوة يمكن أن تكون مثل الإيمان والسعادة من قبيل الملاكات، ويمكن أن تكون من العناوين الراجعة إلى قيود الموضوع؛ كعدالة القاضي.
وبالجملة، هل عنوان العداوة كعدالة القاضي عنوان يقبل العام التقيد به، والانقسام إليه، والتنوّع به، وبالتالي لا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، أم أنه من قبيل الملاك فلا يقبل العام التقيد به، والانقسام إليه، والتنوّع به، وبالتالي يصح التمسك بالعام؟ فهنا نقول: إن كان المخصِّص اللبي ضروريا، فكان بالتالي بمنـزلة المخصِّص اللفظي المتصل، فلا ينعقد للعام ظهور في العموم؛ لأنه حينئذ من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، وهذا يمنع من انعقاد ظهور له في العموم، فينتفي العام، وبالتالي لا يصح التمسك به.
وأما إن كان المخصِّص اللبي غير ضروري؛ كما لو كان عقلا نظريا أو إجماعا أو سيرة، فكان بالتالي بمنـزلة المخصِّص اللفظي المنفصل، فينعقد للعام ظهور في العموم، فيتأتى الكلام عن صحة التمسك بالعام؛ لأنه لا يوجب إجمال العام، ومجرد احتمال كون العداوة من قيود الموضوع لا أثر له بعد ما كان الكلام ظاهرا في إكرام جميع أفراد الجيران، وبما أننا لم نحرز كون الخاص من قبيل عدالة القاضي التي تصح أن تكون جزءا للموضوع، فلا مانع من التمسك بالعام حينئذ، ومجرد احتمال كونها من قيود الموضوع لا أثر له، كما عرفت.
والنتيجة: إذا كان المخصِّص لفظيا، فلا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا؛ أي سواء أكان المخصِّص متصلا أم منفصلا، وأما إذا كان المخصِّص لبِّيا، فإن كان الخاص من العناوين التي لا تصلح إلا أن تكون قيدا للموضوع، ففي هذه الصورة يكون حال المخصِّص اللبي كالمخصِّص اللفظي في عدم صحة التمسك بالعام فيما شك في كونه من مصاديق الخارج. وإن كان من العناوين التي لا تصلح أن تكون قيدا للموضوع، بأن كان من قبيل الملاكات، ففي هذه الصورة يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. وأما إذا شك في كون الخاص من أيٍّ من هذين، فقد عرفت ما فيه من تفصيل. والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo