< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/02/08

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة الأولى:
أولا: لكل موضوع قبل عروض الحكم عليه تقسيمات أولية؛ فالعالم مثلا له تقسيمات بلحاظ خصوصياته، فهناك العالم الهاشمي وغيره، والعالم النحوي وغيره، والعالم العربي، والعالم العادل وغيره، ونحو ذلك.
ثانيا: إذا أراد الشارع في مقام الجعل والثبوت أن يحكم على موضوع معين، فإما أن يلحظ طبيعي الموضوع من دون أخذ أية خصوصية معه وجودا أو عدما، فيكون الحكم على الموضوع مطلقا، وهذا ما يسمى ﺑ(لا بشرط القِسمي)، وإما أن يلحظه مقيدا بجميع خصوصياته أو ببعضها، وهذا ما يسمى ﺑ(بشرط شيء)، وإما أن يلحظه مقيدا بعدمها أو بعدم بعضها، وهذا ما يسمى ﺑ(بشرط لا). ولا يعقل الإهمال في هذا المقام؛ للزومه إما الجهل بخصوصية ما أو العجز عن التقييد بها، وكلاهما عليه I محال. نعم، يمكن الأهمال في مقام الإثبات فيما إذا أراد الشارع بيان أصل تشريع الحكم، وهذا بحث آخر.
وعليه، إذا قال المولى: (أكرم العلماء)، ثم خصَّص فقال: (إلا الفساق)، أو قال: (لا تكرم الفساق منهم)، فلا يخلو إما أنه لاحظ الموضوع بعد التخصيص كما كان قبله؛ أي مطلقا ومعرى عن أية خصوصية بنحو اﻟ(لا بشرط القِسمي)، أو لاحظه مقيدا بالفاسق بنحو اﻟ(بشرط شيء)، أو لاحظه مقيدا بعدم الفاسق بنحو اﻟ(بشرط لا)، والمتعين هو الثالث؛ إذ لا يمكن الأول والثاني؛ لاستلزامهما التناقض والتهافت بين مدلولي دليل العام ودليل الخاص. وعليه، فيصير موضوع العام بعد التخصيص مركبا من جزأين: (العالم) و(غير الفاسق).
إذً، الإهمال في مقام الثبوت غير ممكن، والتخصيص يعنون العام، لا أنه يبقيه على ما كان عليه قبل التخصيص نظير موت زيد العالم وخروجه من تحت العام بعد قول المولى: (أكرم كل عالم)، كما تقدم في القول الرابع؛ لأن موت فرد من أفراد العام يخرجه من تحته خروجا موضوعيا تخصّصيا بنحو السالبة بانتفاء الموضوع، بينما خروج الخاص من تحت العام خروج حكمي تخصيصي بنحو السالبة بانتفاء المحمول.
المقدمة الثانية:
تقدم أن الوجود والعدم تارة يلحظان بالإضافة إلى الماهية ويحملان عليها بعد النظر إلى خارج ذاتها وذاتياتها، لا بما هي هي؛ فيسميان حينئذ (وجودا محموليا) و(عدما محموليا)، وبمفاد كان وليس التامتان. وأخرى يلحظان بلحاظ عروضهما على معروضهما لا على الماهية، فيسميان حينئذ (وجودا نعتيا) و(عدما نعتيا)، وبمفاد كان وليس الناقصتان، فيقتضيان في هذه الحالة وجود موضوعيهما؛ لأن النعوت أعراض؛ فكما أن العرض يقتضي وجود جوهره، وهو موضوعه الذي يعرض عليه، فكذلك النعت يقتضي وجود منعوته، وهو موضوعه الذي يتصف به، ومن هنا كان الوجود النعتي والعدم النعتي نظيرين للملكة وعدمها المتقومين بموضوعهما، ولذلك صح ارتفاعهما بارتفاع موضوعهما دون أن يلزم ارتفاع النقيضين المحال؛ لأن العدم النعتي؛ كعدم علم زيد، أو عدم الملكة؛ كعدم بصر زيد، عدمان خاصان لما من شأنه أن يتصف بالنعت أو الملكة، وليسا عدمين مطلقين، فيصح أن يقال: (زيد المعدوم لا عالم ولا غير عالم) و(لابصير ولا أعمى)، وهذا بخلاف الوجود والعدم المحمولين؛ إذ يستحيل ارتفاعهما معا بأن لا يكون زيد موجودا ولا معدوما.
المقدمة الثالثة:
أشرنا سابقا إلى أن الموضوع المركب، إما أن يكون مركبا من جوهرين؛ كما لو كان موضوع وجوب التصدق مركبا من وجود زيد ووجود عمرو، وإحراز الموضوع المركب تارة يكون بالوجدان، أو بالتعبد، أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد؛ كما إذا كان وجود زيد محرزا بالوجدان، وشك في وجود عمرو وأنه باق أو مات، فلا مانع من استصحاب بقائه وعدم موته، وبذلك يحرز كلا فردي الموضوع.
وإما أن يكون موضوع العام مركبا من عرضين، فهنا صورتان:
الصورة الأولى: أن يكونا عرضين لجوهر واحد؛ كموضوع جواز التقليد المركب من (علم زيد) و(عدالته) مثلا، فالعلم والعدالة عرضان عرض كلاهما على جوهر واحد وهو زيد. وحالهما حال العرضين المأخوذين في الموضوع بلا فرق بينهما؛ إذ قد يكون كل منهما محرزا بالوجدان، وأخرى يكون كل منهما محرزا بالتعبد؛ كما إذا ثبت كل منهما بالبينة مثلا أو بالأصل، وقد يكون أحدهما محرزا بالوجدان والآخر بالتعبد، وبضم الوجدان إلى الأصل يلتئم موضوع المركب، فيترتب عليه أثره، وهو جواز التقليد.
الصورة الثانية: أن يكونا عرضين لجوهرين؛ كموضوع الإرث المركب من (موت المورِّث) و(إسلام الوارث)، فالموت والإسلام عرضان، عرض الأول منهما على جوهر وهو المورِّث، وعرض الثاني على جوهر آخر وهو الوارث. وعليه، فحالهما حال الجوهرين وحال العرضين لموضوع واحد؛ فكما أنه يمكن إحراز كليهما بالوجدان أو التعبد، أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد، فكذلك في المقام. ومن هذا القبيل صحة اقتداء المأموم بالإمام في الركوع، فإن موضوعه مركب من (ركوع الإمام) و(ركوع المأموم) في زمان واحد، فلو ركع المأموم وشك هل رفع الإمام رأسه خلال هويه للركوع أم لا، فيمكنه تصحيح اقتدائه من خلال إحراز جزأي موضوع صحة الاقتداء؛ فإن ركوعه محرز بالوجدان، ويحرز إدراك الإمام في ركوعه إذا شك في رفع رأسه من خلال استصحاب بقائه فيه إلى حين الركوع، وبضم الأصل إلى الوجدان يلتئم الموضوع، ويترتب الأثر، وهو صحة الاقتداء.
نعم، بناء على أن موضوع صحة الاقتداء هو اقتران ركوعيهما، وهو عنوان انتزاعي، لا مجرد وجود ركوع الإمام ووجود ركوع المأموم في زمان واحد، فلا يمكن إثباته إلا على القول بالأصل المثبت الذي لا نقول به؛ لأن استصحاب بقاء الإمام راكعا إلى حين ركوع المأموم يلزمه عقلا ثبوت التقارن.
وإما أن يكون موضوع العام مركبا من جوهر وعرض، وعليه، فإما أن يكون هذا العرض لجوهر آخر؛ كما لو كان الموضوع مركبا من (وجود زيد) و(قيام عمرو)، فحاله حينئذ حال ما سبق من حيث إثباته بالوجدان أو بالتعبد أو أحدهما بالوجدان والآخر بالتعبد. وإما أن يكون هذا العرض للجوهر نفسه؛ كما لو كان الموضوع مركبا من (وجود زيد) و(عدالته). وعليه، ففي هذه الحالة لا محالة يكون المأخوذ في الموضوع هو وجود العرض بوجوده النعتي؛ حيث إن العرض نعت لموضوعه وصفة له.
وبالجملة، فإن العرض بالنسبة إلى محله، إنما يكون نعتا ووصفا له، ويكون للجهة النعتية والتوصيفية دخل لا محالة، ولا يمكن أخذ العرض شيئا بحيال ذاته في مقابل المحل القائم به؛ إذ وجود العرض بنفسه ولنفسه عين وجوده لمحله وبمحله، فلا محيص من أخذ العرض بما هو قائم بمحله موضوعا للحكم.
وعليه، فإن كان لاتصاف الموضوع به وجودا أو عدما حالةٌ سابقة، جرى استصحاب بقائه، وإلا فلا؛ ففي قولك: (أكرم العلماء إلى فساقهم)، يكون الموضوع مركبا من (العالم) و(غير الفاسق)، وعند الشك في فسق زيد العالم تجري أصالة عدم فسقه بمفاد ليس الناقصة إذا كان عدم فسق زيد مسبوقا بالتحقق، أو أصالة فسقه بمفاد كان الناقصة إذا كان فسقه مسبوقا بالتحقق. ويترتب على الأول وجوب إكرامه، وعلى الثاني عدم وجوبه. والإشكال بأنه لا معنى لاستصحاب نقيض موضوع الحكم؛ إذ الأثر الشرعي مترتب على وجود الموضوع، ولا أثر لنقيضه، ضعيف جدا، فإنه يكفي في جريان الاستصحاب إثبات عدم الأثر الشرعي، وإلا لانسد باب الاستصحابات العدمية بالنسبة إلى الأحكام؛ إذ عدم الحكم ليس مجعولا شرعيا، وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى في محله.
وعلي أي حال، إن كان الوجود أو العدم النعتي مسبوقا بالتحقق، فلا إشكال في جريانه فيه، بما أنه وجود وعدم نعتي. وأما إذا لم يكن مسبوقا بالتحقق، فلا محل للأصل فيه؛ وذلك كالمرأة القرشية، فإن عروض وصف القرشية للمرأة مساوق زمانا لوجود المرأة، فهي إما أن توجد قرشية، وإما أن توجد غير قرشية، وليس العدم النعتي مسبوقا بالتحقق؛ لأن سبق تحقق العدم النعتي يتوقف على وجود الموضوع آنًا ما فاقدا لذلك الوصف. وأما إذا لم يكن كذلك كالمثال، فلا محل لاستصحاب العدم النعتي. نعم، استصحاب العدم الأزلي يجري؛ لأن وصف القرشية كان مسبوقا بالعدم الأزلي لا محالة؛ لأنه من الحوادث، إلا أن الأثر لم يترتب على العدم الأزلي، بل على العدم النعتي، وإثبات العدم النعتي باستصحاب العدم الأزلي يكون من أوضح أنحاء الأصل المثبت؛ إذ عدم وجود القرشية في الدنيا يلازم عقلا عدم قرشية هذه المرأة المشكوك حالها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo