< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

المبحث الثاني: صحة خطاب الغائب والمعدوم

قال صاحب الكفاية: "وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة، وعدم إمكانه؛ ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام، ويلتفت إليه. ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب؛ مثل أدوات النداء، لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي، لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين، كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره، لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك، بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي".[1]

هذا هو التصوير الثاني للنـزاع، وهو أنه هل يمكن مخاطبة الغائبين عن مجلس الخطاب،والمعدومين آنذاك؟ وهنا أيضا بيان الإنصاف متوقف على المراد من الخطاب، فإن قلنا أن المراد منه الخطاب الحقيقي الذي أخذ في مفهومه قصد إفهام الغير كما عن مجمع البحرين؛ حيث قال: "الخطاب هو توجه الكلام نحو الغير للإفهام"[2]، فحينئذ لا إشكال في عدم شموله للغائب عن مجلس الخطاب والمعدوم آنذاك، بل لا يشمل الحاضر الغافل؛ لأن كل هؤلاء لا يمكن تفهيمهم الخطاب والفرض أنهم غير ملتفتين إليه، أو غائبون عنه، أو معدومون.

وبهذا، ينحصر الخطاب بالمشافَهين الملتفتين. وعليه لا يمكن أن يكون المرادُ من متلوِّ الأداةِ العمومَ، بل تكون الأداة قرينة على إرادة التخصيص بالحاضرين الملتفتين؛ إذ لا يعقل الجمع بين أن يكون المراد من الخطاب معناه الحقيقي الذي أخذ في مفهومه قصد إفهام الغير؛ حيث يكون محصورا بالحاضرين الملتفتين، وبين أن يكون المرادُ من متلوِّ الأداةِ العمومَ الشامل للحاضر غير الملتفت والغائب والمعدوم.
فالنتيجة أنه بناء على أن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي، فتكون مختصة بالحاضرين الملتفتين، وتكون استفادة شمول الخطاب للحاضرين غير الملتفتين والغائبين والمعدومين من قاعدة الاشتراك في التكليف لا من الخطاب نفسه، كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله تعالى عند الكلام عن ثمرة هذا المبحث.

هذا إن قلنا بأن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي، بأن أخذ في مفهومه قصد إفهام الغير، إلا أن ذلك لم يثبت، إلا بدعوى أن المتبادر إلى الأذهان هو الخطاب الحقيقي بمعنى وجود مخاطبين ملتفتين. أما لو قلنا بأنه لم يؤخذ ذلك في مفهومها، فحينئذ يكون استعمالها في غير الحاضر استعمالا حقيقيا.

والإنصاف ما ذهب إليه صاحب الكفاية وجماعة من الأعلام؛ حيث قال: "لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك،بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا؛ مثل: يا كوكبا ما كان أقصر عمره ... أو شوقا، ونحو ذلك، كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي - حينئذ - التخصيص بمن يصح مخاطبته".[3]

حاصل هذا الكلام أن أدوات الخطاب؛ كأدوات النداء، موضوعة للخطاب الإيقاعي الإنشائي لا الخطاب الحقيقي، إلا أن الداعي يختلف؛ فمرة يكون الداعي للخاطب هو المخاطبة الحقيقية؛ كما في قوله لنبيه زكريا: >يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا<[4])، ففي هذه الصورة يستدعي الخطاب وجود المخاطب، وأخرى يكون الداعي التحسر والتأسف؛ كما في رثاء أبي الحسن التهامي لولده: "يا كوكبا ما كان أقصر عمره"، أو الشوق؛ كقول الشافعي:
"يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله"
هنا، بما أن أداة الخطاب لم توضع للخطاب الحقيقي بل للإنشائي الإيقاعي، فلا يكون استعمالها بهذه الدواعي في الغائب والمعدوم استعمالا مجازيا، بل استعمال حقيقي، ولكن بتوسط تنـزليهما منـزلة الحاضر؛ للتناسب مع الداعي وتصحيحا للمخاطبة، ولكي لا تلزم اللغوية من الخطاب.

ثم قال صاحب الكفاية: "نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي ؛ كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها، على ما حققناه في بعض المباحث السابقة من كونها موضوعة للإيقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه ...".[5]

حاصل هذا الكلام أنه بعد التسليم بأن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الإيقاعي الإنشائي، إلا أنه لقائل أن يقول: أنها ظاهرة في الخطاب الحقيقي للموجود المشافَه بالانصراف؛ نظير ما تقدم في مباحث الأوامر؛ حيث تعرضنا هناك إلى أن الاستفهام والتمني والترجي وإن كانت موضوعة لإنشاء الاستفهام والتمني والترجي، وأن الدواعي فيها تكون مختلفة؛ إذ قد يكون داعي الاستفهام هو التقرير أو التوبيخ أو الاستنكار ونحو ذلك، إلا أن ذلك لا يمنع من ظهوره في الاستفهام الواقعي بالانصراف، ما لم تنصب قرينة على الخلاف؛ كما هو الحال بالنسبة لخطابات القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ فإنه بقرينة كونها عبارة عن قوانين إلهية لجميع البشر، يمتنع انصرافها إلى خصوص المشافَهين. ومن هنا نجد الأعلام في مقام الاستدلال يلغون خصوصية المورد إذا كان قد صرَّح بها في لسان الدليل، فيستفيدون حينئذ الحكم العام بالدليل الدال على ثبوته في حق رجل بعينه. وعليه، فتكون هذه الخطابات الشرعية مستعملة في معناها الحقيقي، وهو الخطاب الإنشائي الإيقاعي.

ثم قال أنه يشهد الوجدان لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات معإرادة العموم
من الواقع تلوّها للغائبين والمعدومين جميعا بلا عناية ولا رعاية علاقة في الأدوات نفسها أصلا، وهذا دليل على كون أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الإنشائي لا الحقيقي، وإلا لما صحت إرادة العموم إلا بالتنـزيل والعناية ورعاية قرينة المجاز.

وأما توهم أن إرادة العموم من تالي الأدوات ليست لأجل وضعها للخطاب الإيقاعي بل لأجل التنـزيل الارتكازي - أي تنـزيل الغائب والمعدوم منـزلة الحاضر والموجود - المصحِّح لإرادة العموم من تاليها مع وضعها للخطاب الحقيقي، فيدفعه أن التنـزيل لو كان ارتكازيا للزم اتضاحه والعلم به بعد التأمل والتفتيش عنه، مع أنه ليس كذلك؛ إذ لا نرى تنـزيلا بعد التأمل والتفتيش في مثل: يا أيها الذين آمنوا) الذي أريد به الحاضرون والغائبون، بل نرى استعمال النداء فيه على حد استعماله في خصوص الحاضرين في عدم التنـزيل ورعاية العلاقة.

وبالجملة، فصحتها بعد عدم العلم بالتنـزيل الارتكازي حتى بعد التفتيش عنه كاشفة عن وضع أدوات النداء للخطاب الإيقاعي.

ثم قال صاحب الكفاية: "وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين، فضلا عن الغائبين؛ لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال،فاسد؛ضرورةأنإحاطتهلاتوجبصلاحيةالمعدومبلالغائبللخطاب، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى".[6]

هذا المتوهِّم هو الملا صالح المحشي على المعالم؛ حيث ذهب إلى أن عدم صحة توجيه الخطاب الحقيقي إلى الغائبين والمعدومين يختص بكلام الآدميين، أما بالنسبة إلى الحق الذي يحيط بكل الممكنات، ونسبة إحاطته بها واحدة سواء أكانت موجودة بالفعل أم بالقوة، فلا يشترط في خطاباته الوجود الفعلي للمخاطبين.
وفيه: لا كلام في إحاطة الحق بكل الممكنات، وانكشاف الواقع له انكشافا تاما، إلا أن الكلام ليس في قدرة المحيط على خطاب الغائب والمعدوم، بل في صلاحيتهما لأن يكونا مخاطَبين، فإن لم يصح خطابهما، فيكون العجز من طرفهما لا من طرفه ؛ أي من طرف القابل لا الباعث، فتأمل.
وبعبارة أخرى: إن موضوع التكليف هو الإنسان المكلف الجسماني الواقع في الزمان والمكان؛ فهو من تصح منه الطاعة والمعصية، وليس موضوعه الإنسان بوجوده المثالي مقدر الوجود؛ لأنه على هذه الحال لا تعقل منه الطاعة بامتثال التكليف والمعصية بترك امتثاله حتى يكون يكون مخاطبا به.
وبالجملة، فعدم صحة المخاطبة مع الغائب والمعدوم لقصورهما لا يوجب نقصا من ناحيته كما أنه لما كان خطابه اللفظي في القرآن الكريم والسنة الشريفة تدريجيا ومتصرِّم الوجود، فلا يمكن توجهها حقيقة لغير الموجود فعلا. ووجه القصور هو تصرّم الكلام؛ إذ لو كان الخطاب أبديا وأمرا قابلا للبقاء، لكان توجهه إلى المعدوم بعد وجوده ممكنا.
والخلاصة: إنه لا فرق من جهة كون أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي بين أن يكون الخطاب صادرا من الواجب أو من الممكن. والله العالم.
المبحث الثاني: صحة خطاب الغائب والمعدوم

قال صاحب الكفاية: "وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة، وعدم إمكانه؛ ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام، ويلتفت إليه. ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب؛ مثل أدوات النداء، لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي، لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين، كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره، لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك، بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي".[7]

هذا هو التصوير الثاني للنـزاع، وهو أنه هل يمكن مخاطبة الغائبين عن مجلس الخطاب،والمعدومين آنذاك؟ وهنا أيضا بيان الإنصاف متوقف على المراد من الخطاب، فإن قلنا أن المراد منه الخطاب الحقيقي الذي أخذ في مفهومه قصد إفهام الغير كما عن مجمع البحرين؛ حيث قال: "الخطاب هو توجه الكلام نحو الغير للإفهام"، فحينئذ لا إشكال في عدم شموله للغائب عن مجلس الخطاب والمعدوم آنذاك، بل لا يشمل الحاضر الغافل؛ لأن كل هؤلاء لا يمكن تفهيمهم الخطاب والفرض أنهم غير ملتفتين إليه، أو غائبون عنه، أو معدومون.

وبهذا، ينحصر الخطاب بالمشافَهين الملتفتين. وعليه لا يمكن أن يكون المراد من متلوّ الأداة العموم، بل تكون الأداة قرينة على إرادة التخصيص بالحاضرين الملتفتين؛ إذ لا يعقل الجمع بين أن يكون المراد من الخطاب معناه الحقيقي الذي أخذ في مفهومه قصد إفهام الغير، وبالتالي صار محصورا بالحاضرين الملتفتين، وبين أن يكون المراد من متلوّ الأداة العموم الشامل للحاضر غير الملتفت والغائب والمعدوم.
فالنتيجة أنه بناء على أن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي، فتكون مختصة بالحاضرين الملتفتين، ويكون شمول الخطاب للحاضرين غير الملتفتين والغائبين والمعدومين بقاعدة الاشتراك في التكليف لا من الخطاب نفسه.
هذا إن قلنا أن المراد من الخطاب ما أخذ في مفهومه قصد إفهام الغير، إلا أن ذلك لم يثبت، إلا بدعوى أن المتبادر إلى الأذهان من الخطاب الحقيقي وجود هو مخاطبين ملتفتين. أما لو قلنا بأنه لم يؤخذ ذلك في مفهومه، فحينئذ يكون استعماله في غير الحاضر استعمالا حقيقيا.
والإنصاف ما ذهب إليه صاحب الكفاية وجماعة من الأعلام؛ حيث قال: "لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك،بل للخطاب الإيقاعي الإنشائي، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا؛ مثل: يا كوكبا ما كان أقصر عمره ... أو شوقا، ونحو ذلك، كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي - حينئذ - التخصيص بمن يصح مخاطبته".
حاصل هذا الكلام أن أدوات الخطاب كأدوات النداء موضوعة للخطاب الإيقاعي الإنشائي لا الخطاب الحقيقي، إلا أن الداعي يختلف؛ فمرة يكون الداعي للخاطب هو المخاطبة الحقيقية؛ كما في قوله لنبيه زكريا: >يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا<[8]، ففي هذه الصورة يستدعي الخطاب وجود المخاطب، وأخرى يكون الداعي التحسر والتأسف؛ كما في رثاء أبي الحسن التهامي لولده: "يا كوكبا ما كان أقصر عمره"، أو الشوق؛ كقول الشافعي:
"يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله"
هنا، بما أن أداة الخطاب لم توضع للخطاب الحقيقي بل الإنشائي، فلا يكون استعمالها بهذه الدواعي في الغائب والمعدوم استعمالا مجازيا، بل استعمال حقيقي، ولكن بتوسط تنـزليهما منـزلة الحاضر؛ للتناسب مع الداعي، ولكي لا تلزم اللغوية من الخطاب.
ثم قال صاحب الكفاية: "نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافا في الخطاب الحقيقي ؛ كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها، على ما حققناه في بعض المباحث السابقة من كونها موضوعة للإيقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه ...".
حاصل هذا الكلام أنه مع التسليم بأن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الإيقاعي الإنشائي، إلا أنه لقائل أن يقول: أنها ظاهرة في الخطاب الحقيقي للموجود المشافَه بالانصراف؛ نظير ما تقدم في مباحث الأوامر؛ حيث تعرضنا هناك إلى أن الاستفهام والتمني والترجي وإن كانت موضوعة لإنشاء الاستفهام والتمني والترجي، وأن الدواعي فيها تكون مختلفة؛ إذ قد يكون داعي الاستفهام هو التقرير أو التوبيخ أو الاستنكار ونحو ذلك، إلا أن ذلك لا يمنع من ظهوره في الاستفهام الواقعي بالانصراف، ما لم تنصب قرينة على الخلاف؛ كما هو الحال بالنسبة لخطابات القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ فإنه بقرينة كونها عبارة عن قوانين إلهية لجميع البشر، يمتنع انصرافها إلى خصوص المشافَهين، فتكون هذه الخطابات الشرعية مستعملة في معناها الحقيقي، وهو الخطاب الإنشائي ولكن بداعي إيصاله إلى جميع المكلفين بالقرينة المتقدمة.
ثم قال أنه يشهد الوجدان على أن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الإنشائي لا الحقيقي وأنها بالتالي غير مختصة بالحاضرين؛ لأن استعمالها وما بعدها في الأعم من الحاضرين لا يحتاج إلى عناية وتنـزيل، فلو كانت هذه الأدوات موضوعة للخطاب الحقيقي، لكان استعمالها في الأعم استعمالا مجازيا مع القرينة.
وإن قلت: إن القرينة على المجاز موجودة ولكن لا يلتفت إليها تفصيلا؛ لأنها مرتكزة في النفس على نحو الإجمال. قلت: مع رجوعنا إلى النفس لا نجد أية قرينة من جهة، كما لا نجد أية علاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي المدعى من جهة أخرى، مما يكشف عن أن استعمالها في العموم حقيقي لا مجازي.
ثم قال صاحب الكفاية: "وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين، فضلا عن الغائبين؛ لإحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال،فاسد؛ضرورةأنإحاطتهلاتوجبصلاحيةالمعدومبلالغائبللخطاب، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى".
يختم صاحب الكفاية هذا الوجه بكلام للملا صالح المحشي على المعالم؛ حيث ذهب إلى أن أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الحقيقي، وبالتالي فهي مختصة بالحاضرين، إلا أن هذا الشرط خاص بالآدميين، أما بالنسبة إلى الحق الذي يحيط بكل الممكنات، ونسبة إحاطته بها واحدة سواء أكانت موجودة بالفعل أم بالقوة، فلا يشترط في خطاباته الوجود الفعلي للمخاطبين.
وفيه: لا كلام في إحاطة الحق بكل الممكنات، وانكشاف الواقع له كشفا تاما، إلا أن الكلام ليس في قدرة المحيط على خطاب الغائب والمعدوم، بل في صلاحيتهما لأن يكونا مخاطبين، فإن لم يصح خطابهما، فيكون العجز من طرفهما لا من طرفه ؛ أي من طرف القابل لا الباعث، فتأمل.
وبعبارة أخرى: إن موضوع التكليف هو الإنسان المكلف الجسماني الواقع في الزمان والمكان؛ فهو من تصح منه الطاعة والمعصية، وليس موضوعه الإنسان المثالي مقدر الوجود؛ لأنه على هذه الحال لا تعقل منه الطاعة بامتثال التكليف والمعصية بترك امتثاله حتى يكون يكون مخاطبا به، فإن ألفاظ القرآن الكريم والسنة الشريفة متصرِّمة الوجود، فلا يمكن توجهها حقيقة لغير الموجود فعلا. وعليه، لا فرق من جهة كون أدوات الخطاب موضوعة للخطاب الإنشائي لا الحقيقي بين أن يكون الخطاب صادرا من الواجب أو من الممكن.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo