< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/07/30

بسم الله الرحمن الرحیم

ومنها: ما لو أقر زيد بأن الدار مثلا التي تحت يده لعمرو، ثم أقر أنها لبكر، فبمقتضى نفاذ إقراره الأول تصبح الدار ملكا لعمرو، وبمقتضى نفاذ إقراره الثاني يكون ضامنا مثل هذه الدار أو قيمتها لبكر؛ لأنه بإقراره الأول أنها لعمرو يكون قد فوَّتها على بكر.
لا يقال: إن إقراره الثاني بمثابة إنكار للإقرار الأول، وبالتالي ينبغي أن يكون الإقرار الثاني نافذا دون الأول، فإنه يقال: إنه لا أثر للإنكار بعد الإقرار. وعليه، يبقى الإقراران نافذين.
وبناء عليه، لو وهب عمرو الدار لخالد، وأعطى بكر ما أخذه بدلا عن الدار لخالد أيضا، فاجتمع البدل والمبدل منه لديه، لما جاز له التصرف بأيٍّ منهما؛ لعلمه الإجمالي بأن أحدهما ليس له. وكذا لو اشترى بهما أرضا مثلا، فإنه يعلم تفصيلا أن جزءًا من هذه الأرض ليست له. فما هو الحل؟
فإن قلنا بأن الملكية الظاهرية لأحد موضوع لجواز تصرف الآخر واقعا، فلا إشكال في جواز تصرفه فيه فيهما؛ إذ ليس له علم إجمالي بحرمة التصرف في أحدهما. وإن لم نقل بذلك – كما هو الصحيح – لعدم الدليل على أن الملكية الظاهرية لأحد موضوع لجواز التصرف لغيره واقعا، فنلتزم بعدم جواز التصرف في كلا المالين؛ للعلم الإجمالي بحرمة التصرف في أحدهما.
وعليه، ما من مورد في الشريعة نهى فيه الشارع عن العمل بالقطع. والله العالم.


الأمر السابع: العلم الإجمالي
قال صاحب الكفاية: ( الأمر السابع: إنه قد عرفت كون القطع التفصيلي بالتكليف الفعلي علة تامة لتنجزه، لا تكاد تناله يد الجعل إثباتا أو نفيا، فهل القطع الإجمالي كذلك؟ فيه إشكال، ربما يقال: إن التكليف حيث لم ينكشف به تمام الانكشاف، وكانت مرتبة الحكم الظاهري معه محفوظة، جاز الإذن من الشارع بمخالفته احتمالا بل قطعا، وليس محذور مناقضته مع المقطوع إجمالا إلا محذور مناقضة الحكم الظاهري مع الواقعي في الشبهة الغير المحصورة، بل الشبهة البدوية )[1].
عمد بعض الأعلام حين وصولهم إلى هذا البحث إلى فهرسته مع ذكر بعض الكلام حوله، تاركين أمر تفصيله إلى محله في مباحث الأصول العملية، إلا أننا سنفصِّله هنا متجنبين الإيجاز المخل والإطناب الممل، لنبحثه من جهتين:
الجهة الأولى : اقتضاء العلم الإجمالي التنجيز:
نبحث في هذه الجهة عن أن العلم الإجمالي منجز للتكليف أو لا، وعلى فرض التنجيز، فهل هو على نحو الاقتضاء بمعنى أنه منجز لو لم يمنع منه مانع عقلا أو شرعا؟ أو يكون تنجيزه بنحو العلية؛ بحيث لا يمنع من تأثيره مانع.
الجهة الثانية : كيفية الامثتال:
ونبحث في هذه الجهة عن سقوط التكليف بالامتثال الإجمالي وعدمه بعد الفراغ من ثبوته مع إمكان الامتثال التفصيلي؛ كما إذا كان المكلف متمكنا من تعيين تكليفه بأنه القصر أو التمام، فيجمع بينهما.
أما الجهة الأولى، ففيها أقوال:
- القولالأول : وهو أن العلم الإجمالي لا يقتضي التنجيز، وإنما هو مثل الشك البدوي. وقد نسب هذا القول إلى المحقق القمي والخونساري، إلا أن هذه النسبة غير ثابتة، بل لا يظن التزامهما بذلك في أبواب الفقه، بل صرَّح المحقق القمي بلزوم الاحتياط في الشك في الشرطية.
- القول الثاني : وهو لصاحب الكفاية، وهو أن العلم الإجمالي مقتض لتنجز التكليف، ولكن ليس تنجيزه على نحو العلة التامة، بل يتوقف اقتضاؤه للتنجيز على الشرط وعدم المانع، وبما أن المانع موجود، وهو انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في أطراف العلم الإجمالي؛ حيث يجري الأصل فيها جميعا، فلا يؤثر المقتضي أثره.
هذا حاصل ما قاله صاحب الكفاية في المتن، ولكن في حاشيته على الكفاية رجع عن هذا الأمر، وأثبت أن العلم الإجمالي علة تامة لتنجز التكليف وليس مقتضيا له. هذا هو الصحيح عند؛ إذ يبعد جدا أن يكون مبناه في المسألة ما هو موجود في المتن؛ لمخالفته إجماعات الأعلام، وفتاوى الفقهاء.
- القول الثالث : وهو للشيخ الأنصاري، وتبعه عليه الميرزا النائيني، وهو أن العلم الإجمالي علة تامة لتنجز التكليف بالنسبة إلى المخالفة القطعية، ومقتض بالنسبة إلى لزوم الموافقة القطعية؛ وبالتالي تحرم المخالفة القطعية، ولا تجب الموافقة القطعية؛ فلو فرضنا أن لدى المكلف علما إجماليا بوجوب قراءة دعاء كميل في ليلة الجمعة أو سورة يس، فهنا يحرم عليه تركهما؛ لحرمة المخالفة القطعية، ولا يجب عليه الإتيان بهما؛ لعدم وجوب الموافقة القطعية، بل يكفيه الإتيان بأحدهما.
القول الرابع : وهو ما ذهب إليه السيد البروجردي والسيد الخوئي، وهو مختارنا، وهو أن العلم الإجمالي علة تامة لتنجز التكليف بالنسبة إلى المخالفة القطعية والموافقة القطعية؛ وبالتالي تحرم المخالفة القطعية، وتجب الموافقة القطعية؛ فإذا كانت أطراف الشبهة تحريمية، فيجب ترك الجميع، وإذا كانت أطراف الشبهة وجوبية، فيجب إتيان الجميع.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo