< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/08/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كيفية الامتثال

هذا بالنسبة إلى الجهة الأولى من البحث، أما بالنسبة إلى الجهة الثانية، وهي أنه بعد ثبوت التكليف بالعلم الإجمالي، فهل يسقط التكليف بالامتثال الإجمالي؛ أي بالاحتياط، أم لا؟
قال صاحب الكفاية: ( وأما سقوطه به بأن يوافقه إجمالا، فلا إشكال فيه في التوصليات. وأما في العباديات فكذلك فيما لا يحتاج إلى التكرار، كما إذا تردد أمر عبادة بين الأقل والأكثر؛ لعدم الإخلال بشيء مما يعتبر أو يحتمل اعتباره في حصول الغرض منها، مما لا يمكن أن يؤخذ فيها، فإنه نشأ من قبل الأمر بها؛ كقصد الإطاعة والوجه والتمييز فيما إذا أتى بالأكثر، ولا يكون إخلال حينئذ إلا بعدم إتيان ما احتمل جزئيته على تقديرها بقصدها، واحتمال دخل قصدها في حصول الغرض ضعيف في الغاية وسخيف إلى النهاية )[1].
هذا البحث راجع إلى سقوط بالتكليف بالامتثال الإجمالي على وجه الاحتياط، والبحث فيه تارة فيما لو لم يمكنالامتثال التفصيلي سواء كان الامتثال التفصيلي بالعلم الوجداني أم بالطرق والأمارات والأصول المحرزة التي تقوم مقام العلم، فإن الامتثال بالظنون الخاصة وبالأصول المحرزة يكون في حكم الامتثال بالعلم الوجداني، بل الامتثال بالظن المطلق عند انسداد باب العلم بناء على الكشف أيضا يكون حكمه حكم الامتثال بالعلم وفي عرضه. وأخرى يبحث فيما لو أمكن ذلك.
أما فيما لو لم يمكن الامتثالالتفصيلي، فلا إشكال بين الأعلام في سقوط التكليف بالامتثال الإجمالي، وبالتالي إجزاء العمل بالاحتياط، سواء في التوصليات أم التعبديات، وسواء استلزم التكرار أم لا؛ لأن الامتثال الإجمالي في هذه الصور هو غاية ما يتمكن منه العبد في مقام امتثال أمر المولى.
وبالجملة، لا إشكال في المسألة، بل الاحتياط حسن وإن لم يتنجز التكليف، كما في الشبهة الحكمية بعد الفحص؛ كما لو شك بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فلا إشكال في حسن الاحتياط بقراءته.
وأما لو أمكن الامتثال التفصيلي، فتارة يقع البحث في الأمر التوصلي، وأخرى في الأمر التعبدي، وإذا كان في الأمر العبادي، فتارة يقتضي التكرار، وأخرى لا، فهذه أربع صور كاملة.
أما بالنسبة إلى الأمر التوصلي، فلا إشكال بين الأعلام أيضا في سقوط التكليف بالامتثال الإجمالي؛ كما لو علم إجمالا زيد بأنه مديون بدينار إما لبكر وإما لعمرو، وكان قادرا على تحصيل العلم التفصيلي بالدائن من خلال الرجوع إلى دفتر الديون، إلا أنه أعطى كلاًّ من بكر وعمر دينارا، فهنا لا إشكال في فراغ ذمته وسقوط التكليف عن كاهله.
إذًا لا إشكال في إجزاء الامتثال الإجمالي في التوصليات؛ لأن الغرض من الأمر التوصلي مجرد حصول المأمور به في الخارج كيفما اتفق، وهذا حاصل بالامتثال الإجمالي، بلا حاجة إلى قصد القربة أو قصد الوجه نحو ذلك. ويلحق بالتوصليات الوضعيات؛ كالطهارة والنجاسة؛ فلو غسل المتنجس بمائعين طاهرين يعلم إجمالا بكون أحدهما ماء مطلقا والآخر مضافا طهر بلا إشكال. وكذا في العقود؛ كما لو فرضنا أنه علم إجمالا بتحقق الزوجية بإحدى الصيغتين، وهما مثلا: (زوجتك هندا بمهر كذا)، و(زوجتك هندا على مهر كذا)، ومثله أيضا في الإيقاعات؛ كما لو علم إجمالا بتحقق الخلع بإحدى الصيغتين، وهما: (زوجة فلان مختلِعة - بكسر اللام - على ما بذلت)، و(زوجة فلان مختلَعة - بفتح اللام - على ما بذلت)، فإنه لا إشكال بتحقق الزوجية في عقد الزواج، وتحقق الخلع في الطلاق.
نعم، نسب السيد الخوئي إلى الشيخ الأنصاري عدم إجزاء الامتثال الإجمالي في الإنشائيات من العقود والإيقاعات؛ والسر فيه أنه حينما يقول مثلا عبارة الخلع الأولى، لا يكون جازما بحصول الخلع، وحينما يقول الثانية - بقطع النظر عن الأولى - لا يكون جازما بحصوله أيضا، ومع عدم الجزم لا يكون الامتثال الإجمالي هذا مجزيا؛ للإخلال بالجزم المعتبر في الإنشاء؛ إذ الترديد ينافي الجزم، ولذا لا يصح التعليق في الإنشائيات إجماعا.
أجاب السيد الخوئي بأن الإنشاء مركب من أمرين: الاعتبار نفساني، وإبراز هذا الاعتبار، وهذا متحقق في صورة الامتثال الإجمالي؛ لأن الجزم بالاعتبار النفساني متحقق من خلال قصد الخلع، وكذا إبراز هذا الاعتبار متحقق بالصيغة، غاية الأمر أن هناك ترددا في السبب لا في أصل الإنشاء، وهذا لا يضر في المقام.
والإنصاف : إن كلاًّ من إشكال الشيخ الأنصاري وجواب السيد الخوئي في غير محله. أما إشكال الشيخ الأنصاري؛ فلأنه لا دليل على اعتبار الجزم أصلا. وأما الإجماع على عدم التعليق في العقود والإيقاعات، فهو وإن كنا نقبل بوجوده، إلا أنه لم يثبت أنه ناشئ من اشتراط الجزم، خصوصا وقد ثبتت في كثير من الموارد صحة العقود والإيقاعات على الرغم من تعليقها وعدم الجزم بتحققها؛ كالتعليق في العتق (أنت حر دبر وفاتي)، وفي النذر (لله علي أن أذبح شاة إن عاد ولدي من السفر)، والوصية (هذه الدار ملك لزيد بعد وفاتي)، وإسقاط النفقة؛ كما لو قالت الزوجة لزوجها (أسقطت عنك نفقتي إلى سنة)؛ حيث يكون الإسقاط معلقا على أن تعيش الزوجة هذه السنة، أو معلقا على استحقاقها النفقة أو عدم طلاقها ونحو ذلك، والوكالة (أنت وكيلي إن جاء زيد)، وهذا كاشف عن أن عدم جواز التعليق في الإنشائيات راجع إلى قيام الإجماع على عدم جوازه، لا لاشتراط الجزم، وإلا لما صحت الإنشاءات في الموارد التي ذكرناها، وكذا غيرها من الموارد الأخرى.
وأما جواب السيد الخوئي، فهو في غير محله أيضا؛ لأن التردد في السبب يرجع إلى التردد في الإنشاء، مما يجعل إشكال الأنصاري واردا عليه. فالصحيح أنه لم يثبت اشتراط الجزم في كون السبب مؤثرا. وعليه، فعدم الجزم لا يمنع من إجزاء الامتثال الإجمالي.
والخلاصة: إن الامتثال الإجمالي في التوصليات وغيرها من الأحكام الوضعية؛ كالطهارة والنجاسة والإنشائيات من العقود والإيقاعات، فيما لو أمكن الامتثال التفصيلي مجزٍ. والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo