< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/08/14

بسم الله الرحمن الرحیم

والخلاصة : إنه لا دليل قوي على وجوب قصد الوجه والتمييز. ثم إنه على فرض ثبوت وجوب قصد الوجه، فهل يمكنه قصد الوجه في الامتثال الإجمالي؟
ذهب صاحب الكفاية وجماعة من الأعلام، منهم السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي إلى إمكان ذلك باعتبار أن المكلف في مقام فعل كل واحد من أطراف العلم الإجمالي، إنما يفعله عن إرادة متعلقة بفعل الواجب؛ فكل واحد منهما إنما يصدر عن تلك الإرادة المتعلقة بفعل الواجب، غاية الأمر أن تلك الإرادة إنما تؤثر في كل واحد منهما بتوسط احتمال انطباق المراد عليه.
وعليه، فلا مجال لتوهم أن فعل كل واحد ليس بداعي الأمر، بل بداعي احتمال الأمر.
وبالجملة، فالإرادة المؤثرة في كل واحد منهما لما كانت متعلقة بالواجب المعلوم، فيمكن أخذ الوجوب فيه وصفا أو غاية. نعم، لو كان المكلف قاصدا للإتيان ببعض المحتملات فقط، لكان انبعاثه عن احتمال التكليف.
هذا بالنسبة إلى قصد الوجه، وأما قصد التمييز، فقد اعترف صاحب الكفاية والسيد الحكيم والسيد الخوئي بعدم إمكانه في الامتثال الإجمالي؛ لعدم تمييز المأمور به عن غيره. والنتيجة في نهاية المطاف عندهم هي الفرق بين قصد الوجه وقصد التمييز في إمكان قصدهما وعدمه في مقام الامتثال إجمالا، وأما من حيث الكبرى، فلا فرق بينهما؛ إذ كل منهما غير ثابت.
أقول : صحيح أنه من حيث الكبرى لم يثبت اعتبارهما، إلا أن قصد الوجه مثل قصد التمييز غير ممكن في مقام الامتثال؛ لأن الداعي للمكلف نحو العمل بكل واحد من أفراد العلم الإجمالي، ليس إلا احتمال تعلق الأمر به، فكيف يأتي لوجوبه وهو حين العمل لا يعلم الوجوب، وإنما يحتمله؟!
والخلاصة : إن مجرد العلم بتعلق الأمر بالجامع لا يقتضي أن يكون الانبعاث عن البعث المولوي، بل أقصاه أن يكون الانبعاث عن احتمال البعث بالنسبة إلى كل واحد من أطراف العلم الإجمالي.
والخلاصة : إن قصد الوجه والتمييز غير ممكنين في الامتثال الإجمالي. والذي يهوِّن الخطب عدم ثبوت الكبرى، وهو أنه لا دليل على اعتبار شرطيتهما أصلا في التعبديات.
هذا بالنسبة إلى الإشكال الأول والثاني على عدم إجزاء الامتثال الإجمالي في الواجبات التعبدية التي تقتضي التكرار فيما لو أمكن الامتثال التفصيلي. أما الإشكال الثالث، وهو أنه يلزم من الامتثال الإجمالي اللعب والعبث بأمر المولى، ومعه لا يمكن أن يتحقق من المكلف قصد القربة، فيجيب عنه صاحب الكفاية: ( وأما كون التكرار لعبا وعبثا، فمع أنه ربما يكون لداع عقلائي، إنما يضر إذا كان لعبا بأمر المولى، لا في كيفية إطاعته بعد حصول الداعي إليها، كما لا يخفى )[1].
هذا حاصل جواب صاحب الكفاية على الإشكال الثالث، وهو منضو على جوابين:
الأول : وهو أنه إنما يلزم من التكرار اللعب والعبث فيما لو لم يكن لداع عقلائي، أما لو كان لداع عقلائي فلا يكون عبثيا؛ إذ قد يكون هناك داع يدعو إلى الامتثال بالتكرار، ويمنع عن تحصيل العلم التفصيلي بالواجب حتى تمكن موافقته التفصيلية؛ كما لو توقف العلم على السؤال والفحص الموجبين لبعض المشقة بنحو يكون التكرار أهون، فلا يكون التكرار حينئذ لعبا وعبثا.
وفيه : إنه مع التسليم بوجود داع عقلائي في التكرار، لا يمكن بعدُ افتراض اللعب؛ لأنهما لا يجتمعان. فالإنصاف أنه مع وجود الداعي العقلائي للتكرار ينتفي اللعب والعبث ليتنافيا مع قصد القربة حين الاحتياط بالتكرار.
الثاني: لو سلمنا بأن هناك لعبا، فهو ليس لعبا في أصل امتثال أمر المولى، بل في كيفية امتثاله؛ لأن المكلف مريد واقعا لامتثال أمر المولى وإصابته واقعا عن طريق الاحتياط بالتكرار بلا تهاون منه وعبثية من هذه الجهة.
بقي إشكال الميرزا النائيني، وهو أن العقل يدرك وجوب الإتيان بالعبادة عن قصد أمرها فيما لو أمكن ذلك، لا عن قصد احتمال أمرها؛ لأن قصد احتمال أمرها احتياطا في طول قصد أمرها تفصيلا [2]. وجوابه: إنه ليس للعقل أن يحكم باعتبار شيء في متعلق الأمر مع عدم كونه مأخوذا فيه شرعا؛ إذ ليس العقل مشرعا ليزيد شيئا في المأمور به أو ينقص منه.
قِبَلٌ في الحكم، وإنما مداه الإدراك فحسب، والحاكمية للشارع وحده، ولا دليل شرعي على وجوب الإتيان بالعبادة عن أمرها حتى يقال: لا يصح الإتيان بها عن احتمال أمرها. ثم مع فرض الشك في وجوب هذا الشرط، فالأصل يقتضي البراءة منه؛ لأن الشك في اعتباره يرجع إلى الشك في اعتبار قيد زائد في المأمور به شرعا، والأصل البراءة منه؛ لما عرفت من جريانه في الأقل والأكثر الارتباطيين.
والخلاصة : إن الامتثال الإجمالي في عرض الامتثال التفصيلي، وهو مجز حتى مع إمكان الامتثال التفصيلي. والله العالم.




[2] مراتب الامتثال أربعة عقلا:
- الأولى: الامثتال وفق علم تفصيلي بالأمر، سواء كان علما وجدانيا أم تعبديا.
- الثانية: الامثتال وفق علم إجمالي بالأمر.
- الثالثة: الامتثال وفق الظن غير المعتبر بالأمر.
- الرابعة: الامتثال وفق احتمال الأمر دون الظن؛ كما في موارد الشبهة البدوية.
ويرى الميرزا النائيني أن هذه المراتب مرتَّبة طوليا، فإن أمكن تحصيل العلم التفصيلي بالتكليف، فلا يجزئ الاحتياط بالعمل وفق الإجمالي، وكذا لو أمكن تحصيل العلم الإجمالي دون التفصيلي، فلا يجزئ العمل وفق الظن أو الاحتمال، وكذا لو أمكن تحصيل الظن دون العلم التفصيلي أو الإجمالي، فلا يجزئ الاحتمال. ومن هنا أفتى بعدم جواز الاحتياط فيما لو كان المكلف قادرا على الاجتهاد أو التقليد؛ لأن الامتثال فيهما تفصيلي، وهو في رأس ترتبية الامتثال، فلا يعدى عنه إلى غيره مع إمكانه.
والإنصاف، أن هذه المراتب عرْضية لا طولية، فإنه، وقبل تحصيل العلم التفصيلي، فلا إشكال في أجزاء العمل وفق العلم الإجمالي أو الظن أو الاحتمال، فإن العمل بهذه أكثر احتياطا من العمل وفق العلم التفصيلي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo