< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/11/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : خاتمة مبحث القطع:

قال صاحب الكفاية : ( هذا بعض الكلام في القطع مما يناسب المقام، ويأتي بعضه في مبحث البراءة والاشتغال[1] ) .

وبما تقدم ينتهي الكلام في مبحث القطع بأموره السبعة، وينبغي الإشارة إلى أننا لم نذكر كل ما يقال فيه، بل أكثره وأهمه، وهو أن القطع لا يخلو أمره إما أن يكون علة تامة للحجية أو مقتضيا لها.

ثم إنه على القول بالاقتضاء يأتي البحث – إن شاء الله تعالى – في مبحث البراءة والاشتغال عن ثبوت المانع شرعا أو عقلا عن التأثير في التنجيز؛ أي عن وجود أصل عملي صالح للجريان بدليله في أطراف العلم الإجمالي كلاًّ أو بعضا ليمنع عن التأثير في التنجيز بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية، أو وجوب الموافقة القطعية وعدمه؛ فمثلا هل يستفاد من مثل دليل "كل شيء لك نظيف[2] " التعبد بإجراء أصالة الطهارة في الأطراف أم لا، فهذا ما نرجئه إلى مبحث البراءة والاشتغال إن شاء الله تعالى.

 

الفصل الثاني: مبحث الظن

قال صاحب الكفاية : ( فيقع المقال فيما هو المهم من عقد هذا المقصد، وهو بيان ما قيل باعتباره من الأمارات، أو صح أن يقال، وقبل الخوض في ذلك ينبغي تقديم أمور[3] ) .

ينتقل المصنف لمبحث الأمارات غير العلمية؛ كخبر الواحد والظواهر والإجماع المنقول بخبر الواحد والشهرة الفتوائية ونحوها، وهو ما يعرف بمبحث الظن، وهو يشمل كل كشف احتمل خلافه. نعم، الاطمئنان المعروف بالعلم العادي خارج حكما عن مبحث الظن - كما سيأتي - إلا أنه داخل موضوعا؛ فإنه وإن كانت النفس تطمئن لمفاده، إلا أنه لما كان احتمال خلافه واقعا، فلا يكون خارجا عن الظن الأدنى من القطع، والأعلى من الشك والوهم.

ثم قبل بيان ما هو حجة من الأمارات غير العلمية، لا بد من بيان بعض الأمور.

 

الأمر الأول : الظن ليس حجة بذاته

قال صاحب الكفاية : ( أحدها : إنه لا ريب في أن الأمارة الغير العلمية، ليس كالقطع في كون الحجية من لوازمها ومقتضياتها بنحو العلية، بل مطلقا، وأن ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا، بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة؛ وذلك لوضوح عدم اقتضاء غير القطع للحجية بدون ذلك ثبوتا بلا خلاف، ولا سقوطا وإن كان ربما يظهر فيه من بعض المحققين الخلاف والاكتفاء بالظن بالفراغ؛ ولعله لأجل عدم لزوم دفع الضرر المحتمل، فتأمل[4] ) .

اعلم أن حجية الأمارة غير العلمية ليست كحجية القطع، فقد تقدم أن حجية القطع ذاتية؛ بمعنى الذاتي في كتاب البرهان، فلا هي قابلة للجعل له، ولا للانسلاخ عنه؛ لأنها منتزعة من مقام ذاته؛ كالعلية للعلة، والإمكان للإنسان. إذًا، إن اللازم الذاتي للقطع هو الحجية، والسر فيه أن كاشفتيه كاشفية تامة، بقطع النظر عن إصابته الواقع الخارجي وعدمها.

أما الأمارة غير العلمية، فحجيتها غير منتزعة من مقام ذاتها؛ لأنها ليست من ذاتياته، بل منتزعة من سبب خارجي - وهو جعل الشارع على ما سيأتي -؛ نظير عالمية زيد، فإنها غير منتزعة من ذات زيد؛ بل من سبب خارجي، وهو تلبّسه بمبدأ العلم. وبالتالي، فحجية الأمارة غير العلمية ليست حجية ذاتية، فلا هي علة تامة للحجية، ولا مقتضية لها؛ لعدم كشفها كشفا تاما عن الواقع، وإنما هي ممكنة ذاتا لها، فلا هي واجبة ذاتا كما بالنسبة إلى القطع، ولا ممتنعة؛ كامتناع اجتماع النقيضين.

وبناء عليه، لا سبيل إلى إثبات الحجية للأمارة غير العلمية إلا بجعل الشارع، وإلا فإن الأصل العقلي عدم حجيتها. ومن هنا قلنا أن الآيات الناهية عن اتباع الظن - كقوله تعالي : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }[5] - إرشاد إلى حكم العقل، وهو أن الظن بما هو ليس حجة.

ولقائل أن يقول: آمنا أن الأمارة غير العلمية ليست علة تامة للحجية، ولكن قد تكون مقتضية لها؟

وفيه : إنه لو كانت مقتضية لها للزمت حجيتها بمجرد عدم المانع؛ فلو لم يقم دليل على عدم حجية الظن، لكان حجة، ولكان الأصل هو حجية الظن، مع أن الأصل عدم حجيته اتفاقا، كما تقدم.

وإن قلت: ولكن نجد بعض الأمارات غير العلمية؛ كخبر الواحد والظواهر، فيها مقتضي للحجية؛ لقيام السيرة العقلائية على العمل بهما، وعدم المانع، وهو عدم ورود ردع من الشارع عن العمل بهما، مما يكشف عن أنهما مقتضيان للحجية بلا حاجة إلى جعل الشارع؟!

قلت: ليس لهذه السيرة أثر ما لم تحتف بإمضاء الشارع، وهذا الإمضاء ليس سوى جعل الحجية لها. وإن أبيت عن ذلك، فنقول: إن قيام السيرة على العمل بهما هو المقتضي للحجية عينه، لا أنهما اللذين اقتضيا الحجية، فتأمل.

وبهذا عرفت الفارق بين حجية القطع وحجية الأمارة غير العلمية، وأن حجية الأول ذاتية إما على نحو أنه العلة التامة لها، أو أنه اقتضاها، بينما حجية الثاني غير ذاتية، وتتوقف على جعل الشارع، إلا أن في عبارة المصنف ما قد يوهم أن الحجية قد تكون عقلية؛ حيث قال: (... وأن ثبوتها لها محتاج إلى جعل أو ثبوت مقدمات وطروء حالات موجبة لاقتضائها الحجية عقلا، بناء على تقرير مقدمات الانسداد بنحو الحكومة ) .

وتوضيحه : إنه بناء على تمامية مقدمات الانسداد الكبير، فهي مرة تكون نتيجتها الكشف؛ أي تكشف عن أن الشارع جعل الحجية لمطلق الظن إلا ما ثبت بالدليل عدم حجيته؛ كالقياس والاستحسان، وهذا ما يعرف ﺑ(الانسداد على الكشف) ، وأخرى تكون نتيجتها الحكومة؛ أي العقل يحكم بالتنـزل من الاحتياط التام - وهو العمل بكل تكليف محتمل أو ترك كل ما تحتمل حرمته-؛ للزومه العسر أو اختلال النظام، إلى الاحتياط الناقص، وهو العمل بكل ما يظن وجوبه وترك مظنون الحرمة ورفع اليد عنه في المشكوكات والموهومات، وهذا ما يعرف ﺑ(الانسداد على الحكومة)، ولكن ظاهر عبارة صاحب الكفاية أن العقل يحكم بالحجية بناء على الحكومة.

وفيه : إنه قد تقدم في أكثر من موطن أن الحكم للشارع وحده، وليس للعقل إلا الإدراك، وما يعبر عنه بالأحكام العقلية ليست سوى مدركات عقلية. وعليه، فلا يمكن للعقل أن يجعل الحجية للظن. وأما التعبير بحكم العقل بحجية الاحتياط الناقص، فمعناه إدراك العقل للتنـزل من الاحتياط التام إلى الاحتياط الناقص.

إذا عرفت ذلك، وأن الظن لا يقتضي بذاته الحجية، وأنه لا يكون حجة إلا بجعل شرعي، فاعلم أنه اتفق الأعلام على أن الظن ليس حجة في إثبات التكليف؛ فلو ظننا بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال، فهذا الظن لا يثبت التكليف. كما اشتهر بين الأعلام أن الظن لا يكتفى به في الفراغ، ولكن ربما يظهر من بعض الأعلام؛ كالمحقق الخونساري والشيخ البهائي ، الاكتفاء بالظن بالفراغ.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo