< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/11/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الثاني : وهو جواب صاحب الكفاية، وحاصله: أما بالنسبة إلى لزوم المحذور الخطابي من اجتماع المثلين أو الضدين، فهو غير لازم؛ لما علمت من أن الأمارة لا تحمل في طياتها حكما شرعيا، بل التعبد بالأمارة معناه جعل الحجية فقط؛ فإن الحجية لما كانت من الاعتبارات القابلة للجعل نظير الملكية والزوجية، جاز للشارع جعلها إنشاءً، فيترتب عليها ما يترتب على الحجية الذاتية غير المجعولة؛ كحجية القطع من الآثار العقلية؛ كالمنجزية في صورة الإصابة، والمعذرية في صورة الخطأ، وكون موافقتها انقيادا، ومخالفتها تجريا، فكما تترتب هذه الآثار على الحجية الذاتية، تترتب أيضا على الحجية الجعلية، وليس معنى التعبد بالأمارة إلا ذلك، فلا يلزم منه حينئذ اجتماع المثلين، ولا اجتماع الضدين.

وبالجملة، ليس في الأمارة حكم ليلزم اجتماع المثلين في حال وافقت الواقع، أو اجتماع الضدين في حال خالفته.

وأما بالنسبة إلى لزوم المحذور الملاكي من تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة، فقد علمت أنه لا بأس بذلك إذا كان هناك مصلحة أهم تلزم رعايتها.

ثم تدرج صاحب الكفاية بأجوبته؛ حيث قال: ( نعم لو قيل باستتباع جعل الحجية للأحكام التكليفية، أو بأنه لا معنى لجعلها إلا جعل تلك الأحكام، فاجتماع حكمين وإن كان يلزم، إلا أنهما ليسا بمثلين أو ضدين؛ لأن أحدهما طريقي عن مصلحة في نفسه موجبة لإنشائه الموجب للتنجز ... والآخر واقعي حقيقي عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه )[1] .

حاصل هذا الجواب الثاني : سواء قلنا أن الشارع جعل الحجية للأمارة مباشرة ثم استتبعت حكما شرعيا تكليفيا، أم أنه لم يجعل الحجية للأمارة مباشرة، وإنما المجعول هو الحكم التكليفي، وانتزع من ذلك الحكم الوضعي، - سواء هذا أو ذاك يكون لدينا حكم شرعي تكليفي بالنسبة إلى الأمارة غير الواقع، ومع هذا لا يلزم اجتماع المثلين أو الضدين؛ لأن الحكم الآتي من الأمارة ليس حكما حقيقيا تابعا للمصلحة والمفسدة في المتعلق ومستتبعا للإرادة[2] أو الكراهة، وإنما هو حكم صوري طريقي تقوم المصلحة في نفس جعله بلا إرادة ولا كراهة؛ أي إن الغرض من إنشائه جعل المنجز. وعليه، فاجتماع الحكم الحقيقي، بإرادته أو كراهته الناشئتين عن المصلحة الملزمة أو المفسدة كذلك، مع الصوري الذي لا إرادة فيه ولا كراهة ولا مصلحة في المتعلق ولا مفسدة، ليس من اجتماع المثلين أو الضدين.

وبعبارة أخرى : إن الحكم المجعول على نحوين: أحدهما الحكم الحقيقي، وهو المشتمل على المصلحة أو المفسدة في المتعلق اللتين تستتبعهما الإرادة أو الكراهة، والآخر الحكم الصوري، وهو الذي لا يكون ناشئا عن أحد الأمور المذكورة، بل يكون ناشئا عن مصلحة في نفسه، لا في متعلقه. وهذا هو الفارق بين الحكم الصوري والحقيقي. وبالتالي، لا توجد إرادة فيه؛ لامتناع تعلق الإرادة بما لا مصلحة في المتعلق، وكذلك لا توجد كراهية فيه؛ لامتناع تعلقها بما لا مفسدة في المتعلق. وعليه، فالوجوب الحقيقي والوجوب الصوري لا تماثل بينهما، كما أن الوجوب الحقيقي والحرمة الصورية لا تضاد بينهما.

والخلاصة : إن إشكال اجتماع المثلين أو الضدين إنما يرد فيما لو كان لازم التعبد بالأمارة جعل الحكم الحقيقي لا الحكم الصوري.

ثم إن لصاحب الكفاية جوابا ثالثا عن محذور اجتماع الحكمين أو طلب الضدين، وهو جواب عن محذور الاجتماع في جميع الأحكام الظاهرية، سواء ثبتت بالأمارة أم بالأصل. وسنتعرض إن شاء الله تعالى له وللرد عليه.


[2] الظاهر أن المصنف فسر الإرادة والكراهة بمعنى العلم بالنفع والعلم بالضرر، كما هو ظاهر المحقق الطوسي ؛ حيث قال في التجريد: "ومنها - أي من الكيفيات النفسانية - الإرادة والكراهة، وهما نوعان من العلم". كشف المراد - تحقيق الآملي -، ص358.ثم لا يخفى أنها بهذا المعنى يمكن أن يقوما بالمبدأ الأعلى ؛ لأنهما بهذا المعنى من صفاته الذاتية القديمة بقدم ذاته. وهناك معنى آخر للإرادة، وهو ما يعبر عنه ﺑ(الشوق الأكيد) المتوقف على تصور المراد، والتصديق بفائدته، وهيجان النفس إليه، لتحصل الإرادة بعد ذلك. ولكن الإرادة بهذا المعنى صفة حادثة، فلا يمكن أن تقوم في المبدأ الأعلى؛ لأنه لا يمكن أن يكون محلا للحوادث. نعم، يمكن أن تقوم في المبادئ العالية الذين يبلغون الأحكام عن المبدأ الأعلى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo