< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/02/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجية الإجماع المنقول

قال صاحب الكفاية : ( الأمر الثالث : أنه لا إشكال في حجّية الإجماع المنقول بأدلة حجّية الخبر إذا كان نقله متضمناً لنقل السبب والمسبب عن حسّ لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدّاً ...ألخ)[1] .

ذكرنا سابقاً وجوه الثمانية لتحصيل الإجماع ونبحث في هذا الأمر عن صحة هذه الوجوه وعدمها. أمّا الوجه الأول وهو ما يسمى بالإجماع الدخولي فلا إشكال في شمول أدلة حجّية خبر الواحد لهذا الوجه إذا تحققت الصغرى لإن من حصّل الإجماع ينقل السبب وهو قول الأعلام وفتاواهم وينقل المسبب أيضاً وهو قول الإمام (ع) والفرض أن كلا منهما حسّي، فيقول أجمع المسلمون أو المؤمنون أو الطائفة ونحو ذلك. وبالجملة فلا إشكال في حجّية هذا الوجه نظراً إلى كونه من أفراد خبر الواحد ومن مصاديقه فتشمله أدلة حجّيته.

ولكن الإشكال كل الإشكال في ثبوت الصغرى، والأقوى أنها غير ثابتة في زمان الغيبة، نعم في زمان الحضور لما كان المعصوم(ع)يجالس الناس ويتحدث معهم، فيمكن حينئذٍ ان يكون المعصوم(ع)أحد المجمعين، وأمّا في زمان الغيبة فلا.

ومما يؤكد ان هذه الإجماعات الموجودة في الكتب الفقهية ليست من الإجماع الدخولي. ما ذكره الشيخ الطوسي(ره) رداً على السيد المرتضى(ره) حيث ذكر انه لا يجب على الإمام إظهار الحق اذا اجتمع الأعلام على الخطأ. قال الشيخ (ره)وهذا معندي غير صحيح لإنه يؤدي إلى ان لا يصح الإحتجاج بإجماع الطائفة أصلاً لانا لا نعلم دخول الإمام(ع) فيها الاّ بالإعتبار الذي بينّاه - اي بقاعدة اللطف – ومتى جوّزنا انفراده بالقول وانه لا يجب ظهوره منع ذلك من الإحتجاج بالإجماع ...ألخ[2] .

فهذا الشيخ الطوسي(ره) يصرّح بأنه لولا قاعدة اللطف لما حصل عندنا إجماع. ومما يؤكد أيضاً ان الإجماعات الموجودة ليست مبنيّة على الوجه الذي أختاره السيد المرتضى(ره) من الإجماع الدخولي بل مبنيّة على شيء آخر، قد يستند إليه حاكي الإجماع من أصلٍ أو روايةٍ وشبههما. هو ما أدعاه السيد المرتضى (ره)والشيخ المفيد(ره) من الإجماع على جواز إزالة النجاسة بالمايعات حيث وجّه المحقق الحلّي(ره)إسناد السيد المرتضى(ره) والشيخ المفيد(ره) جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المايعات إلى مذهب الإمامية بقوله: (وأما قول السائل كيف أضاف السيد والمفيد ذلك إلى مذهبنا ولا نصّ فيه، فالجواب أمّا علم الهدى فإنه ذكر في الخلاف انه انما اضاف ذلك إلى مذهبنا لأن من أصلنا العمل بالأصل ما لم يثبت الناقل وليس في الشرع ما يمنع الإزالة بغير الماء من المايعات... ثم قال: وأما المفيد (قدس سره) فإنه ادعى في مسائل الخلاف ان ذلك مروي عن الأئمة ...ألخ)[3] .

وهذا الكلام ظاهر جداً في أن المستند في دعواهما الإجماع في هذه المسألة هو الأصل عند السيد المرتضى والرواية عند الشيخ المفيد. والخلاصة ان الكبرى وان كانت ثابتة وهي شمول أدلة حجّية خبر الواحد للإجماع الدخولي إلا أنه لا صغرى لها حيث لا يوجد إجماع في الخارج يكون مصداقاً لهذه الكبرى والله العالم.

وأما الوجه الثاني وهو ان ينقل حاكي الإجماع السبب والمسبب جميعاً ولكن المسبب وهو قول الإمام(ع) ليس عن حسّ بل عن حدّس للملازمة العقلية بين ما أحسه وما أخبر به كما في قاعدة اللطف. ففي هذه الحالة ان كانت الملازمة ثابتة عند الناقل والمنقول إليه جميعاً كما إذا حصّل الناقل أقوال العلماء عن حسّ وقطع برأي الإمام للملازمة العقلية من باب قاعدة اللطف فقال أجمع المسلمون أو المؤمنون او نحو ذلك مما ظاهره إرادة الإمام(ع) معهم وكان المنقول إليه يرى هذه الملازمة أيضاً فلا إشكال حينئذٍ في حجّية نقل هذا الإجماع بالخبر الواحد لما تقدم من شمول أدلة حجّية خبر الواحد لما إذا كان بين ما أخبر به الناقل من الأمر الحدّسي وما أحسّه ملازمة عقلية ضرورية إلاّ أن الشأن في ثبوت هذه الملازمة والإنصاف عدم ثبوتها.

إذ لا يجب على الإمام(ع) إلقاء الخلاف بين الأمة إذا لم يكن الحكم المجمع عليه من أحكام الله تعالى لأن الواجب على الإمام(ع) انما هو بيان الأحكام بالطرق المتعارفة، وقد أدّى الإمام وظيفته وعروض الإختفاء لها بعد ذلك لبعض موجبات الإختفاء لا دخل له فيها حتى يجب عليه إلقاء الخلاف.

ومن هنا قال السيد المرتضى(ره)انه يجوز ان يكون الحق عند الإمام(ع) والأقوال الأخر كلّها باطلة ولا يجب عليه الظهور لانّا اذا كنّا نحن السبب في استتاره فكل ما يفوتنا من الإنتفاع به وبما يكون معه من الأحكام قد فاتنا من قبل أنفسنا ولو أزلنا سبب الإستتار لظهر وانتفعنا به وأدّى إلينا الحق الذي كان عنده انتهى.

وبالجملة فلو سلّمنا أن إظهار الحق عند إجتماع الأمّة على الخطأ واجب من باب اللطف إلاّ أن مجرّد ذلك لا يكفي وذلك لإحتمال أن يكون إظهار الحق مقروناً بمانعٍ أو بمصلحةٍ أهم في الأخفاء. وممّا يؤيد عدم وجوب إظهار الحق هو إختلاف الأعلام في المسائل الفقهيّة في أغلب الأعصار، ومن المعلوم أن الحق لا يتعدد فيكون مع بعضهم دون البعض الآخر، فلو اقتضى اللطف صون الأمّة عن الوقوع في خلاف الواقع لوجب عليه(ع) في كل عصر حفظهم عن الوقوع في خلاف الواقع ببيان ما هو مطابق للواقع، مع أن هذا غير حاصل.

والخلاصة ان الملازمة بما أنها غير ثابتة عند المنقول إليه فنقل الإجماع على هذا الوجه لا يكون مشمولاً لأدلة حجّية خبر الواحد.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo