< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية الشهرة الفتوائية

وثانياً أنه لم يحصل القطع بأن المناط في إعتبار الخبر هو الظن فإن أدّلة إعتبار خبر الواحد لا دلالة فيها على أن المناط في حجّيته ذلك. فإن أقوى دليل على حجّية خبر الواحد هي السيرة العقلائية الممضاة من الشارع المقدس ولم يحرز أن عمل العقلاء به لإجل إفادته الظن بل يحتمل كون العمل به لكونه غالباً مطابقاً للواقع لإن منشأ إحتمال عدم مطابقته إمّا أن يكون لأجل تعمدّه ذلك أو لإحتمال إشتباهه في الحسّ.

والأول مدفوع بكونه خلاف الفرض إذ المفروض كونه ثقة، والثاني مدفوع بالسيرة العقلائية إذ لا يعتنون بهكذا إحتمال، وأمّا الشهرة الفتوائية فلها إحتمال آخر لعدم المطابقة للواقع وهو إحتمال الخطأ في الإستنباط وهذا لا مدفع له وعليه فلا يصّح الأخذ بالأولوية. والخلاصة أنه لا سبيل إلى حصول القطع بأن الظن علّة لحجّية الخبر بل غايته أنها علّة مستنبطة ظنيّة فتكون الأولوية حينئذ ظنيّة لا قطعية ولا دليل على إعتبار هذا الظن بل الأصل عدم حجيّته.

وثالثاً إننا نقطع بعدم كون مناط إعتبار الخبر هو الظن وذلك لحصول الظن من غير الخبر أيضاً كفتوى الفقيه الموجبة لظن فقيه آخر بالحكم الشرعي مع أنها ليست حجّة عليه حتى تكون مدركاً له على الحكم الشرعي وأيضاً قد لا يحصل الظن من الخبر مع كونه حجّة. ورابعاً ما أورده الشيخ الأعظم حيث قال وأضعف من ذلك تسمية هذه الأولوية في كلام ذلك البعض بمفهوم الموافقة مع أنه ما كان حكم الفرع مستفاداً من الدليل اللفظي الدال على حكم الأصل مثل قوله تعالى ولا تقل لهم أفٍ[1] .انتهى

وحاصل إشكاله ان مفهوم الموافقة لا ينطبق على ما نحن فيه لإنه يُعتبر في مفهوم الموافقة – والذي يسمّى بالفحوى تارة ولحن الخطاب تارة أخرى- أن يكون مستفاداً من نفس الدليل اللفظي الذي استفيد منه حكم الأصل بأن يكون من اللوازم البينّة له بالمعنى الأخص ليكون من مداليل اللفظ كما في الأية الشريفة (ولا تقل لهما أفٍ)[2] الدال بالأولوية على حرمة الشتم والضرب ونحوهما.

وهذا المعيار لا ينطبق على الشهرة الفتوائية على تقدير إستفادة حجّيتها من أدلّة حجّية خبر الواحد. ومن جملة الأدّلة على حجّية الشهرة الفتوائية ما ذكره صاحب الكفاية أيضاً وغيره من الأعلام حيث قال: (وأضعف منه توهم دلالة المشهورة والمقبولة عليه لوضوح أن المراد بالموصول في قوله في الأولى (خذ بما اشتهر بين أصحابك) وفي الثانية (ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به) هو الرواية لا يعّم الفتوى... ألخ)[3] هذا هو الدليل الثاني الذي اُستدل به على حجّية الشهرة الفتوائية وهو دلالة مرفوعة زرارة ومقبولة ابن حنظلة عليها.

أمّا المرفوعة وهي المروية في غوالي اللئالىء عن العلامة مرفوعة إلى زرارة قال سألت أبا جعفر(ع) فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران أوالحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ فقال (ع) يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر.

فقلت يا سيّدي إنهما معاً مشهوران مأثوران عنكم.

فقال(ع)خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك.

فقلت إنهما معاً عدلان مرضيان موثوقان.

فقال (ع) انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ بما خالف فإن الحق فيما خالفهم[4] ...ألخ

وجه الإستدلال بها أن الموصول في قوله خذ بما اشتهر : مطلق فيكون المعنى خذ بكل شيء اشتهر بين أصحابك والشهرة الفتوائية من مصاديق الشيء المشهور فيجب الأخذ بها.

وأمّا مقبولة عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دينٍ أو ميراثٍ فتحاكما إلى ان قال ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمهما ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب منه، وإنما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب وأمر مشكل يردّ حكمه إلى الله، قال رسول الله (ص) حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

قال: قلت : فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم ...ألخ[5] وجه الإستدلال بها أن المجمع عليه في الموضعين هو المشهور بقرينة إطلاق المشهور عليه في قوله (ع) ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور بل وفي قول الراوي أيضاً فإن كان الخبران عنكم مشهورين ...ألخ وعليه فالتعليل بقوله فإن المجمع عليه لا ريب فيه يكون دليلاً على أن المشهور مطلقاً سواء كان رواية أو فتوى هو ممّا لا ريب فيه ويجب العمل به وان كان مورد التعليل خصوص الشهرة في الرواية.

أقول أمّا بالنسبة لمرفوعة زرارة فيكفينا في الجواب ما ذكره الشيخ الأعظم - ونعم الجواب- حيث قال: أمّا الأولى يعني بها المرفوعة فيرد عليها مضافاً إلى ضعفها حتى أنه ردّها من ليس دأبه الخدشة في سند الروايات كالمحدّث البحراني أن المراد بالموصول هو خصوص الرواية المشهورة من الروايتين دون مطلق الحكم المشهور ألا ترى أنك لو سألت عن أي المسجدين أحب إليك فقلت ما كان الإجتماع فيه أكثر لم يحسن للمخاطب أن ينسب إليك محبوبية كل مكان يكون الإجتماع فيه أكثر بيتاً كان أو خاناً أو سوقاً وكذا لو أجبت عن سؤالٍ المرجح لأحد الرمانين فقلت ما كان أكبر انتهى.

وبالجملة فإن المراد بالموصول هو خصوص الرواية لا من باب اختصاص عموم الجواب بالمورد فإن المورد لا يخصص الوارد بل من جهة ان قرينة السؤال عن الخبرين المتعارضين مانعة عن انعقاد الظهور له في العموم. ثم إن الشيخ الأعظم (ره) ذكر جواباً آخر عن التمسك بإطلاق الموصول في مرفوعة زرارة : قال : مع أن الشهرة الفتوائية ممّا لا يقبل ان يكون في طرفي المسألة فقوله يا سيدي إنهما معاً مشهوران مأثوران أوضح شاهد على ان المراد بالشهرة الشهرة في الرواية الحاصلة بكون الرواية ممّا اتفق الكل على روايته أو تدوينه وهذا ممّا يمكن إتصاف الروايتين المتعارضتين به[6] انتهى.

ووافقه السيد أبو القاسم الخوئي (ره) حيث قال : ويشهد بذلك – أي أن المراد بالموصول خصوص الشهرة الروائية – بل يدل عليه فرض الراوي الشهرة في كل من الروايتين فإن اشتهار الفتوى في كلا طرفي المسألة غير ممكن في عصر واحد كما لايخفى . انتهى

وفيه ان هذا الكلام في غير محلّه لأن المشهور قد يطلق ويراد منه المستفيض والكثير وهو بهذا المعنى يمكن فرض الشهرة في الفتوى في كلا طرفي المسألة فإذا فرضنا أن الفقهاء بلغ عددهم المائة وقد أفتى خمسون منهم مثلاً بنجاسة ماء البئر إذا وقعت فيه نجاسة. وأفتى الآخرون بالطهارة فالفتويان كلتاهما مشهورتان. نعم إذا أطلق المشهور على ما يقابل الشاذ النادر فهنا لا يمكن فرض الشهرتين في كلا طرفي المسألة ولعلّ الشيخ الأعظم والسيد أبو القاسم الخوئي نظرا إلى الشهرة بهذا المعنى. والإنصاف ان هناك قرينة في الرواية يتعيّن من خلالها كون المراد بالشهرة هي الشهرة الروائية وهي قوله مأثوران بعد قوله مشهوران فإنه أقوى شاهد على أن المراد بالشهرة هي الشهرة الروائية، لإن الذي يصّح أن يكون ماثوراً عنهم (ع) هو الخبر لا الفتوى والله العالم

ثم إن للشيخ الأعظم تقريباً آخر للإستدلال بالمرفوعة غير التمسك بإطلاق الموصول وهو أن تعليق الحكم على وصف الإشتهار يدل على كونه مناط الحكم: قال ما هذا لفظه: أو أن إناطة الحكم بالإشتهار يدل على إعتبار الشهرة في نفسه وان لم يكن في الرواية انتهى. وفيه ان تعليق الحكم على الوصف ليس ظاهراً في العلّية بحيث يعوّل عليه، ولذا قيل انه يشعر بالعلّية والإشعار ليس ظهوراً هذا كلّه بالنسبة لمرفوعة زرارة.

وأمّا مقبولة ابن حنظلة فيرد عليها، أولاً: أنها ضعيفة السند لعدم وثاقة عمر بن حنظلة، والرواية التي وردت في توثيقه ضعيفة السند بيزيد بن خليفة فإنه غير موثق وأمّا تلّقي الأصحاب لها بالقبول ولذا سميت مقبولة فليس قرينة على إعتبارها.

وثانياً: كما عن جماعة من الأعلام منهم الشيخ الأعظم والسيد ابو القاسم الخوئي (ره)ان لفظ المشهور في المقبولة ليس بمعناه المصطلح بل المراد منه المعنى اللغوي العرفي وهو المعروف الواضح ومنه شهر فلان سيفه، وعليه فالمراد بالمجمع عليه في المقبولة هو ما يرويه جميع الرواة ويكون واضحاً عند الجميع بحيث لا يشك أحد في صدوره من المعصوم (ع) وليس المراد منه المشهور بالمعنى الأصطلاحي حتى يقال ان الشهرة تشمل الشهرة الفتوائية.

ولا ينافي ذلك فرض الراوي الشهرة في كل من الروايتين لإمكان أن يكون كل منهما ممّا قد رواه جميع الرواة وصار واضحاً عند الجميع غاية الأمر يكون أحدهما صادراً لبيان الحكم الواقعي والآخر بداعي التقيّة، ويصبح معنى المقبولة هكذا : ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به الراوية المتفق عليها بين أصحابك أي التي يرويها ويعرفها جميعهم ويترك الرواية الشاذة التي لا يرويها ولا يعرفها إلاّ بعضهم فإن المتفق عليه ممّا لا ريب فيه، وهذا بخلاف الشهرة الفتوائية ففيها ريب. والخلاصة إلى هنا أنه لا يصّح الإستدلال لا بالمرفوعة ولا بالمقبولة على إعتبار الشهرة الفتوائية والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo