< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

قال صاحب الكفاية: (المشهور بين الأصحاب حجّية خبر الواحد في الجملة بالخصوص ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية ...ألخ)[1] .

من جملة ما خرج عن تحت حرمة العمل بغير العلم خبر الواحد في الجملة أي مقابل السلب الكلّي. والكلام في حجّيته بدليلٍ خاصٍ في مقابل حجّيته بدليلٍ الإنسداد الآتي إن شاء الله تعالى.

ثم لا يخفى عليك أن المراد بخبر الواحد ما يقابل الخبر المفيد للعلم سواء أكان متواتراً أم واحداً محفوفاً بالقرائن القطعية. هذا وقد أشرنا في بعض الأبحاث المتقدمة إلى أن مسألة حجّية خبر الواحد من أهم المسائل الأصولية، وذلك أن أغلب الأحكام الشرعية جائت عن طريق خبر الواحد، وأمّا ما ثبت منها من سائر المدارك وهي القرآن الكريم والدليل العقلي والإجماع فهو قليل بالنسبة إليها.

كما أن ما ثبت بالعلم الضروري كأصل مسألة الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من الضروريات أو بالعلم الحاصل من الخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية فهو قليل أيضاً، وعليه فأغلب الأحكام وكذلك أغلب الإجزاء والشرائط والموانع ثابتة بخبر الواحد فهو العمدة في المقام.

ثم إعلم أن إثبات الحكم الشرعي بالخبر الواحد يتوقف على عدّة أمور:

الأول: أصل الصدور.

الثاني: جهة الصدور.

الثالث: ظهور الكلام الصادر عن المعصوم(ع) في إرادة ما هو ظاهره.

والمتكفل لجهة صدور الخبر هي الأصول العقلائية لكون الكلام صادراً لبيان الحكم الواقعي. والمتكفل لإصل الظهور الأوضاع اللغوية والقرائن العامّة. ولإرادة الظاهر هي أصالة الظهور التي عرفت أنها من الأصول العقلائية. والمتكفل لإصالة الصدور هي الأدلة الدالة على حجّية خبر الواحد.

قال صاحب الكفاية:(قد عرفت في أوّل الكتاب أن الملاك في الأصولية صحّة وقوع نتيجة المسألة في طريق الإستنباط ولو لم يكن البحث فيها عن الأدلة الأربعة وإن اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول هي الأدلة ...ألخ).

إعلم أنه بناءً على ما اشتهر من أن موضوع علم الأصول خصوص الأدلة الأربعة سواء كانت بما هي أدلة كما عليه المشهور وأختاره المحقق القمي أم ذواتها أي بما هي هي كما عليه صاحب الفصول، يشكل جعل مسألة حجّية الخبر من مسائل الأصول لأن موضوعها وهو الخبر ليس من الأدلة الأربعة أمّا كونه ليس من الكتاب والإجماع والعقل فواضح، وامّا أنه ليس من السنّة فلإن السنّة فعل المعصوم (ع) وقوله وتقريره وليس هو أحدها وانما هو حاكٍ عن أحدها والحاكي غير المحكي.

وأجاب عن ذلك صاحب الفصول: إن هذا الإشكال إنما يلزم إذا جعل موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بوصف كونها أدلة بحيث يكون هذا الوصف جزء الموضوع، وحيث أن وصف الدليلية جزء الموضوع فالبحث عنه بحث عن وجود نفس الموضوع ومن المعلوم أن البحث عن وجود الموضوع يكون داخلاً في المبادىء لا المسائل وأمّا إذا جعل الموضوع ذوات الأدلة كان البحث عن الدليلية – أي الحجّية- بحثاً عن العوارض فيكون داخلاً في المسائل.

ويرد عليه أن البحث عن حجّية الخبر وإن كان بحثاً عن دليلية الخبر لكنه ليس بحثاً عن دليلية أحد الأربعة. أما عدم كونه من الثلاثة فواضح كما تقدم، وأمّا عدم كونه من السنّة فلإنها هي قول المعصوم (ع) أو فعله أو تقريره. والخبر يكون حاكياً عن السنّة لا نفس السنّة والحاكي غير المحكي، وعليه فلا يكون البحث عن حجّية الخبر مسألة أصولية.

وأجاب الشيخ الأنصاري عن هذا الإشكال بجواب آخر قال: فمرجع هذه المسألة إلى أن السنّة أعني قول الحجّة أو فعله أو تقريره، هل يثبت بخبر الواحد أم لا يثبت إلاّ بما يفيد القطع من التواتر والقرينة، ومن هنا يتضح دخولها في مسائل أصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدّلة ولا حاجة إلى تجشّم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل. انتهى كلامه رفع مقامه.

وحاصله أن مرجع البحث في حجّية خبر الواحد إلى البحث عن ثبوت السنّة به يعني البحث في حجّيته بحث في أحوال السنّة.

ويرد عليه: أن الثبوت المدّعى إن كان المراد منه ثبوت السنّة في الخارج فيكون بحثاً عن ثبوت موضوع علم الأصول أي بحثاً عن المبادىء التصديقية بمفاد كان التامّة لا بحثاً عن العوارض الذاتية للموضوع بمفاد كان الناقصة، أضف إلى ذلك أنه لا يعقل ثبوت السنّة في الخارج تكويناً بخبر الواحد إذ ليس خبر الواحد علّة تكوينية للسّنة لإنه كاشف عنها أي واسطة إثباتية لها لا واسطة ثبوتية، وقد عرفت أنه لو سلمنا بأنه واسطة ثبوتية إلاّ أن البحث فيه يكون بحثاً في المبادىء لا في العوارض.

إن قلت ليس المقصود الثبوت التكويني للسنّة وانما المراد الثبوت التعبّدي أي حكم الشارع بالحجّية والعمل بالخبر تعبّداً. قلنا دعوى إرادة الثبوت التعبدي وان كان يفيد في كون البحث بحثاً عن العوارض لا عن المبادىء إلا أنه بحث عن عوارض الخبر الحاكي للسنّة لا بحث عن عوارض السنّة المحكية به.

وأشكل صاحب الكفاية (ره) بإشكال آخر على جواب الشيخ الأنصاري وحاصله أنه بعد تسليم رجوع البحث عن حجّية الخبر إلى البحث عن عوارض السنّة إلاّ أنه يرد عليه ان ضابط كون المسألة أصولية أن يكون نفس المبحوث عنه من عوارض موضوع العلم لا من لوازمه والمقام ليس كذلك لأن المبحوث عنه هو حجّية الخبر ومن لوازم الحجّية ثبوت السنّة وعليه فليس ثبوت السنّة بالخبر في مسألة حجّية الخبر نفس المبحوث عنه وانما هو من لوازمه، فيخرج البحث حينئذ عن ثبوت السنّة بالخبر عن عوارض موضوع العلم.

وممّا ذكرنا يتضح أيضاً ما ذكره بعضهم من أن السنّة مركبة من قول المعصوم (ع) والحاكي عنها، فإنه لا يمكن القبول به إذ لا يمكن جعل الكاشف جزئاً من السنّة لوضوح أنّ السنّة هي عبارة عن قول المعصوم (ع) وفعله وتقريره وأمّا الخبر فهو كاشف عنها وطريق إليها.

ثم لو سلّمنا ذلك فإن البحث عن حجّية الخبر يكون من المبادىء وبمفاد كان التامّة لأنه بحث عن ثبوت الموضوع لا عن عوارضه .

والإنصاف هو ما ذكرناه في موضوع بحث علم الأصول سابقاً، من أن الموضوع في علم الأصول ليس خصوص الأدلة الأربعة بذواتها أو بوصف دليليتها ليقع الإشكال في توجيه إدخال مسألة حجّية خبر الواحد في مسائل علم الأصول بل موضوعه كل ما يقع في طريق استنباط الحكم الشرعي أو ما ينتهي إليه في مقام العمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo