< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

قال صاحب الكفاية: (وأمّا عن الروايات فبإن الأستدلال بها خال عن السداد فأنها أخبار آحاد ...ألخ)[1] .وحاصل هذا الجواب أن هذه الأخبار لا يجوز الإستدلال بها على عدم حجّية خبر الواحد لأنها من أخبار الآحاد فتكون دالّة على عدم حجّية نفسها أي يلزم من وجودها عدمها وما يلزم من وجوده عدمه يكون محالاً. إن قلت إنها ليست من أخبار الآحاد بل هي متواترة إجمالاً فلا يلزم من وجودها عدمها. قلت هذا الجواب لا يحل المشكلة، وتوضيحه: إن التواتر على ثلاثة أقسام. الأول التواتر اللفظي وهوعبارة عن أخبار جماعة كثيرة بلفظٍ واحدٍ عن واقعةٍ واحدةٍ يوجب حصول العلم، كما في الكتاب العزيز فإنه متواتر لفظاً. وكما في حديث إنما الأعمال بالنيات، وحديث الثقلين، وكذا حديث من حفظ على أمتي أربعين حديثاً، وغيرها من الأحاديث.

الثاني: التواتر المعنوي، وهو إخبار جماعة كثيرة بألفاظ مختلفة مع إشتمالها جميعاً على معنى واحد كما في الأخبار الدالّة على شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فإنها مختلفة من جهة اللفظ ولكنها مشتركة في الدلالة على الشجاعة. وكما في الأخبار الدالة على كرم حاتم طيء فإنها كثيرة ومختلفة من جهة اللفظ ولكنها مشتركة في الدلالة على كرمه.

الثالث: التواتر الإجمالي هو عبارة عن صدور جملة من الأخبار مع إختلافها عموماً وخصوصاً بحيث يقطع بصدور بعضها إجمالاً ويستحيل عادة أن تكون كلها كاذبة، كما في مقامنا هذا فإن الأخبار المتقدمة وإن لم تكن متواترة لفظاً ولا معنىً لإختلافها بحسبهما إلاّ أنه يقطع بصدور بعضها إجمالاً، ولكن هذا التواتر الإجمالي لا يفيد إلاّ فيما اتفقت عليه وهو ما كان أخصّها مضموناً كعنوان المخالفة للكتاب والسنّة جميعاً وهذا هو القدر المتيقن منها، وعليه فيختص عدم الحجّية بهذا العنوان أي بالأخبار التي تكون مخالفة للكتاب والسنّة جميعاً.

ولكن هذا لا ينفع في إثبات نفي الحجّية عن كل فردٍ من الخبر كما هو مدّعى النافين وانما ينفع في نفي الحجّية عن نوع خاصٍ منها وهو ما كان مخالفاً للكتاب والسنّة جميعاً.

وليس هذا محل الكلام بين الأعلام لإن من يدعي حجّية خبر الواحد إنما يدعيها بالجملة أي على نحو الموجبة الجزئية والدليل المذكور النافي إنما يقتضي السالبة الجزئية وهي لا تنافي الجزئية التي يدّعيها المثبت نعم الذي ينافيها هو السالبة الكلية والدليل المذكور لهم لا يقتضيها.

وقد يجاب بنحو آخر، وحاصله إنا نعلم بصدور جملة من الأخبار المخالفة للكتاب ولو بالعموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد ولا يمكننا طرح جميع ما بأيدينا من الأخبار المودعة في الكتب لإنه يلزم من الإقتصار على ما يستفاد من ظاهر الكتاب تعطيل كثير من الأحكام خصوصاً في العبادات بل معظم الأحكام انما تستفاد من الأخبار ولو بنينا على الأخذ بظاهر هذه الأخبار الناهية عن العمل بما يخالف الكتاب أو الذي لا يوجد له شاهد منه والإقتصار في العمل بما يوافق ظاهر الكتاب يلزم طرح جميع ما بأيدينا من الأخبار المخالفة لظاهر الكتاب بالعموم والخصوص والإطلاق والتقييد.

إذ أن أكثر تفاصيل الأحكام وأجزاء الموضوعات والشرائط ثبتت بأخبار الآحاد، وعليه فلا بدّ وان يكون المراد من المخالفة غير المخالفة بالعموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد، بأن يكون المراد منها المخالفة بنحو التباين الكلّي أو بالعموم من وجه، إذ لا يمكن حملها على إيرادة مطلق المخالفة ولو بنحو العموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد، لما عرفت من القطع بصدور جملة من الأخبار المخالفة للكتاب بالعموم والخصوص أو الإطلاق والتقييد وممّا يؤكد ما قلناه من حمل المخالفة في الأخبار الناهية على المخالفة بالتباين أو العموم والخصوص من وجه هو أن بعض أخبار الناهية آب عن التخصيص كما في مثل قوله (ع): (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف)، أو لم أقله ونحو ذلك. وبما أن لسانها آب عن التخصيص فيتعين حمل المخالفة فيها على المخالفة بنحو التباين أو العموم من وجه.

هذا وذكر الميرزا النائيني أنه يبعد حملها على المخالفة بالتباين لأنه ليس في الأخبار ما يخالف الكتاب بالتباين الكلّي حتى أن من يريد الوضع والدّس في الأخبار لا يضع ما يخالف الكتاب بالتباين الكلّي لإنه يعلم أنه من الموضوع.

وفيه أنه يوجد في بعض الأخبار ما يخالف الكتاب بالتباين الكلّي انظر إلى ما رواه صفوان بن يحيى قال: سألني أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا (ع)، فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله عن التوحيد فقال أبو قرّة إنّا روينا أن الله عزوجل قسم الرؤية والكلام بين اثنين فقسم لموسى (ع)الكلام ولمحمد (ص) الرؤية فقال أبو الحسن (ص) فمن المبلغ عن الله عزوجل إلى الثقلين الجن والإنس، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيئ، أليس محمد (ص) قال بلى قال فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شيء، ثم يقول أنا رأيت بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر أمّا تستحون...ألخ[2] ، وهذه الرواية وان كانت ضعيفة بجهالة أبي قرّة إلاّ أنها مخالفة للكتاب بالتباين من جهة إثبات الرؤية لمحمد (ص).

وأمّا قوله أن من يريد الدّس في الأخبار لا يضع ما يخالف الكتاب بالتباين الكلّي لإنّه يعلم أنّه من الموضوع، فيرد عليه أن من يدّس الأخبار لا يسند الخبر مباشرة إلى الإمام (ع) كي لا يقبل منه ما يخالف الكتاب بالتباين الكلّي بل كان يأخذ كتب الثقات من أصحاب الإئمة (ع) ويدّس فيها ما يريد فما دسّه كان ينقل مسنداَ إلى الإئمة (ع) بواسطة الثقات من أصحابهم كما يؤكد ذلك ما ورد في حق المغيرة بن سعيد: ففي صحيحة هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول:كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدّس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة فكلّما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك ممّا دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم ...ألخ[3] .

ويمكن أيضاً حمل الأخبار الناهية عن العمل بخبر الواحد على الأخبار الواردة في باب الجبر والتفويض والقدر ونحو ذلك ويمكن حملها أيضاً على صورة التعارض بين الروايات فيؤخذ بالموافق للكتاب ويطرح المخالف له كما في حسنة عبد الرحمن بن أبي عبد الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo