< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

قال صاحب الكفاية: (وقد استدل المشهور بالأدلّة الأربعة. فصل: في الآيات التي استدل بها فمنها آية النبأ قال الله تبارك وتعالى: إن جائكم فاسق بنبأ فتبيّوا...ألخ)[1] .

من أهم الآيات الشريفة التي استدل بها على حجّية خبر الواحد الثقة، هي آية النبأ، وهي قوله تعالى: ﴿ يا آيها الذين آمنوا إن جائكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين [2] . وقرأ حمزة والكسائي وهما من القرّاء السبعة: (تثبّتوا).

ذكر صاحب مجمع البيان الطبرسي (ره): (أن قوله تعالى: ﴿إن جائكم فاسق.. نزل في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله (ص) في صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحاً به وكانت بينهم عداوة في الجاهلية فظنّ أنهم همّوا بقتله فرجع إلى رسول الله (ص) وقال إنهم منعوا صدقاتهم وكان الأمر بخلافه فغضب النبيّ (ص) وهمّ أن يغزوهم، فنزلت الآية. عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ...ألخ)[3] .

أقول تقريب الإستدلال بها يمكن أن يكون بأحد وجوه ثلاثة. الأول: من جهة دلالة الإقتضاء والتي هي عبارة عن كون الدلالة مقصودة للمتكلم بحسب العرف ويتوقف صدق الكلام أو صحته عليها كما في قوله (ص): (لا ضرر ولا ضرار)، كما في موثقة زرارة عن أبي جعفر (ع):(أن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط ...إلى أن قال (ع)اذهب فاقلعها وارمٍ بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار).[4]

فإن صدق الكلام يتوقف على تقدير الأحكام والأثار الشرعية لتكون هي المنفية حقيقة لوجود الضرر والضرار قطعاًعند المسلمين فيكون النفي للضرر بإعتبار نفي آثاره الشرعية وأحكامه.

ومثله هنا فإن المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي حجّية خبر العادل لإن وجوب التبيّن وعدم القبول بدونه يناسب جهة فسق المخبر لعدم تحرّزه عن المعاصي التي منها تعمّد كذبه، فوجب التبيّن عن حال خبره لئلاّ يقع المكلّف في خلاف الواقع فيحصل له الندامة، وهذا بخلاف خبر العادل فإنه من جهة تورعه عن محارم الله لا يقوم على تعمد الكذب فإحتمال تعّمد كذبه في خبره منفي بعدالته ولازمه حجّية خبره ولا حاجة للتبيّن.

وفيه ان مناسبة عدم قبول خبره بدون التبيّن لجهة فسق المخبر لعدم تحرّزه عن المعاصي وان كانت مظنونة إلاّ أنها ما لم تستند إلى ظاهر الكلام لا تكون حجّة كما في المقام فإن هذه المناسبة ليست مستفادة من ظاهر الكلام بل هي مستنبطة ومثلها لا يكون حجّة.

الوجه الثاني: من جهة مفهوم الوصف وتوضيحه انه اجتمع في خبر الفاسق وصفان، وصف ذاتي وهو كونه خبراً واحدا،ً ووصف عرضي وهو كونه فاسقاً ومن المعلوم أنه لو اجتمع في الشيء وصفان أحدهما ذاتي والآخر عرضي وكان منشأ الحكم هو الوصف الذاتي لكان هو المتعين بالذكر – كما عليه طريقة أهل المحاورة – فلو قال: أكرم عالماً وكانت علّة الإكرام هو انسانية العالم لا عالمية الإنسان كان الكلام خارجاً عن الطريقة المألوفة عند أهل المحاورة لسبق الإنسانية التي هي من الأوصاف الذاتية على العالمية فلو كان المتكلم يتكلم على طبق الطريقة المألوفة وقال أكرم عالماً يستفاد من كلامه لا محالة أن المنشأ للإكرام هو وصف العالمية لا وصف الإنسانية، وحيث كان المذكور في الآية الشريفة هو الوصف العرضي وهو عنوان الفاسق فيستفاد منها أن منشأ وجوب التبيّن هو كون المخبر فاسقاً لا كون خبره من الخبر الواحد فإذا لم يكن المخبر فاسقاً وكان عادلاً فأمّا أن يجب قبول خبره بلا تبيّن وأمّا أن يرّد ولا سبيل إلى الثاني لإنه يلزم أن يكون أسوأ حالاً من الفاسق لأن خبر الفاسق يقبل مع التبيّن وهذا لا يقبل أصلاً فيكون أسوأ حالاَ منه، وعليه فيتعين الأول أي قبول خبر العادل بلا تبيّن وهو المطلوب.

هذا وقد أشكل في المقام بأن كون الخبر خبر واحد ككونه خبر فاسق من الأوصاف العرضية لأن الخبر بذاته ليس واحداً وانما يتصف بكونه خبر واحد بإعتبار كون المخبر واحداً في مقابل كونه متعدداً يبلغ حد التواتر فكل من عنواني خبر الواحد وخبر الفاسق عرض يحتمل دخل كليهما في الحكم وذكر خصوص الفسق لعلّه من جهة الإشارة إلى فسق الوليد.

وقد أجيب عن ذلك بأن المراد بالخبر الواحد في محل الكلام هو ما يحتمل الصدق والكذب في مقابل ما يقطع بصدقه كالخبر المتواتر ومن الظاهر أن كون الخبر خبر واحد بمعنى احتمال الصدق والكذب فيه ذاتي للخبر بخلاف كونه خبر فاسق فإنه عرض له.

والمراد بالذاتي هنا الذاتي في باب البرهان أعني ما ينتزع من مقام ذات الشيء ويحمل عليه من دون ملاحظة شيء آخر معه كالإمكان بالنسبة إلى الإنسان فإنه ينتزع من مقام ذاته ويحمل عليه من دون ملاحظة شيء آخر معه، واحتمال الصدق والكذب في الخبر من هذا القبيل فإنه ينتزع من ذاته ويحمل عليه فيقال الخبر يحتمل الصدق والكذب من دون ملاحظة شيء آخر معه. وهذا بخلاف كونه خبر فاسق فإنه ينتزع منه بملاحظة كون المخبر فاسقاً.

والإنصاف أنه لا يمكن التمسك بمفهوم الوصف لما ذكرناه في مبحث المفاهيم أن الوصف لا مفهوم له وأقصى ما يمكن أن تدل عليه القضية الوصفية هو عدم التعرّض لحكم ما عدا المنطوق إذ من الممكن أن لا يكون المتكلم بصدد بيان تمام أفراد الموضوع واقتصر في البيان على بيان بعض الأفراد مع اشتراك الأفراد الآخر في الحكم إلاّ أنه لمصلحة أخّر بيانها فلا دلالة لقوله: أكرم عالماً على كون المناط في وجوب الأكرام هو وصف العالمية لا وصف الإنسانية لإنه من الممكن أن يكون مطلق الإنسان يجب إكرامه ولكن لأهمية إكرام العالم اقتصر في الكلام على بيانه.

وهذه الآية الشريفة فإنها لا تدل على أن تمام المناط لوجوب التبيّن هو كون المخبر فاسقاً حتى ينتفي الحكم عن خبر العادل وأمّا ذكر الفاسق بالخصوص فلعله للإشارة إلى فسق الوليد. والله العالم


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo