< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/07/18

بسم الله الرحمن الرحيم

(قوله الأوّل هل الظن كما يتبع عند الإنسداد عقلاً في الفروع العملية المطلوب فيها أولاً العمل بالجوارح يتبع في الأصول الإعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الإعتقاد به وعقد القلب وتحملّه والإنقياد له أو لا. الظاهر لا فإن الأمر الإعتقادي وان انسد باب القطع به إلاّ أن باب الإعتقاد إجمالاً بما هو وافقه والإنقياد له وعمله غير منسدّ...ألخ)[1] .

لا يخفى ان الكلام في هذا المقام لا يختص بالظن الإنسدادي كما يظهر من صاحب الكفاية حيث حصر الكلام في البحث في حجّية الظن في الأصول الإعتقادية بالظن الإنسدادي بل يجري البحث في الظن غير الإنسدادي – أي الظن الخاص .

وحاصل ما ذكره (ره) مع مزيد من التوضيح منّا هو أن الإكتفاء بالظن بالأحكام الفرعية والمسائل العملية عند انسداد باب العلم والعلمي فيها انما هو من جهة عدم التمكن من تحصيل الواقع بالإحتياط المفروض عدم وجوبه أو عدم إمكانه وعليه فيدور الأمر بين الأخذ بالظن أو الوهم وبقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح يتعين الأخذ بالظن الذي هو أقرب إلى الواقع.

وهذا المعنى لا يجري في الأصول الإعتقادية فإن باب العلم وان فرض انسداده فيها إلا أن باب الإعتقاد الإجمالي بما هو واقع الأمر والتدين والإنقياد به على ما هو عليه غير منسدّ على المكلف فلا مجال لجريان الإنسداد فيها كي ينتهي الأمر إلى وجوب الإنقياد بمظنونه. وعليه فالواجب أولاً هو تحصيل المعرفة بما يجب الإعتقاد به لمعرفة الواجب تعالى وما يرجع إليه من صفات الجلال والجمال ومعرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه مع التدين والإنقياد لجميع ذلك.

ومع عدم التمكن من المعرفة التفصيليّة يعتقد وينقاد بما هو الواقع بنحو الإجمال. وأمّا وجوب تحصيل الظن عليه والتدين والإنقياد بمظنونه فلا دليل عليه لعدم حكم العقل حينئذ بوجوبه وعدم ثبوت كون مثله من مراتب شكر المنعم خصوصاً مع التمكن من الإعتقاد الإجمالي بما هو واقع الأمر ولا موجب إلى الشك وإلى الظن عند انسداد باب العلم كما كان في الفروع العملية.

أقول أن الأمور الإعتقادية على قسمين. الأول فيما يرجع إلى أصل وجوب المعرفة مع الإمكان وبيان ما يجب تحصيل العلم والمعرفة به، ثم يجب عليه بحكم العقل بعد العلم واليقين الإعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والإنقياد له.

الثاني ما لا يجب على المكلف تحصيل العلم واليقين به لا بحكم العقل ولا بحكم الشرع ولكن إذا حصل له العلم واليقين به أحياناً يجب عليه بحكم العقل والشرع الإعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والإنقياد له.

أمّا الأمر الأول فلا ينبغي الإشكال في وجوب تحصيل معرفة الواجب تعالى ومعرفة ما يرجع إليه من صفاته الجمال والجلال ككونه واحداً قادراً عالماً مريداً حياً غنياً لم يكن له نظير ولا شبيه وليس بجسم ولا مركب ولا له حيّز ونحو ذلك، وكذا معرفة انبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه وكذلك الحشر والنشر ولو بنحو الإجمال.

قال الشيخ الأنصاري:(وبالجملة فالقول بأنه يكفي في الإيمان الإعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات المنزّه عن النقايص وبنبوّة محمد (ص) وبإمامة الإئمة (ع) والبرائة من أعدائهم والإعتقاد بالمعاد الجسماني إلى أن قال: غير بعيد بالنظر إلى الأخبار والسيرة المنتظرة ثم قال ويكتفى في معرفة النبي (ص) معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به والتصديق بنبوّته وصدقه فلا يعتبر في ذلك الإعتقاد بعصمته أعني كونه معصوماً بالملكة من أوّل عمره الشريف إلى آخره.

ثم قال: ويكتفى في معرفة الإئمة (ع) معرفتهم بنسبهم المعروف والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ويجب الإنقياد إليهم والأخذ منهم وفي وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان...انتهى)[2] .

ثم اعلم أنه يكتفى في معرفة المعاد العلم الإجمالي بعود الخلائق إلى الله تعالى وانه يجازيهم بما اكتسبوا فيثيب المؤمن بفضله ويعذب الكافر بعدله ولا يجب العلم بأكثر من ذلك من تفاصيل البرزخ والمعاد ونحو ذلك.

ثم لا إشكال أيضاً في كون الوجوب المزبور نفسياً لأن المعرفة بالمبدأ سبحانه هي الغاية القصوى والغرض الأصلي من خلق العباد وبعث الرسل كما ينبىء عنه قوله تعالى: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [3] ، حيث إن حقيقة العبودية هي المعرفة. ثم ان عمدة الدليل على وجوب المعرفة انما هو حكم العقل الفطري واستقلاله بوجوب تحصيل المعرفة بالمبدأ تعالى على كل مكلف بمناط شكر المنعم بإعتبار كون المعرفة من مراتب أداء شكره، فيجب بحكم العقل تحصيل المعرفة به سبحانه، وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال بل ويجب أيضاً معرفة انبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه، وإلا فمع الإغماض عن هذا الحكم العقلي الفطري لا تجري الأدلة السمعية كتاباً وسنة من نحو قوله سبحانه: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ لعدم تمامية مثل هذا الإستدلال للجاهل بهما لا إلزاما ولا إقناعاً لأن دليليتهما فرع الإعتقاد بهما وبكلامهما.

وعليه فالعمدة في الدليل على الوجوب هو حكم العقل الفطري ثم أنه بعدما وجب تحصيل المعرفة بالواجب تعالى وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الإعتقاد وعقد القلب والإنقياد له سبحانه ككون مثله أيضاً من مراتب آداء شكره الواجب عليه ثم أن العلم والإعتقاد ليسا متلازمين بل النسبة بينهما عموم من وجه لإجتماعهما في بعض الموارد كمن يعلم بأصول العقائد ويعقد قلبه عليها ويفترقان في عقد القلب على الواقع على ما هو عليه من دون علم به كاعتقاد أكثر المؤمنين بخصوصيات البرزخ والحشر مع عدم علمهم بها.

وفي علم بعض ببعضٍ أصول العقائد مع عدم عقد القلب عليه كالمنافقين، حيث إنهم يعلمون ببعض الأمور الإعتقادية ولا يعتقدون بها كما يشهد به قوله تعالى: ﴿ جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم [4] . هذا بالنسبة للقسم الأول من العقائد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo