< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/07/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل يوجد قاصر في الإعتقادات

 

وأمّا إذا كان العجز عنه مستنداً إلى التقصير في الإجتهاد ولو لإجل حبّ طريقة الآباء فهو غير معذور بل مقصّر. قال الشيخ الأنصاري (ره) في بيان الحكم التكليفي للقادر على تحصيل العلم بما يجب تحصيله:(أمّا حكمه التكليفي فلا ينبغي التأمل في عدم جواز اقتصاره على العمل بالظن فمن ظن بنبوّة نبيّنا محمد (ص) أو بإمامة أحد من الإئمة (ع) فلا يجوز له الإقتصار فيجب عليه مع التفطن لهذه المسألة زيادة النظر ويجب على العلماء أمره بزيادة النظر ليحصل له العلم...ألخ)[1] .

(قوله والمراد من المجاهدة في قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنَا الآية. هو المجاهدة مع النفس بتخليتها عن الرذائل وتحلّيتها بالفضائل. وهي التي كانت أكبر من الجهاد لا النظر والإجتهاد وإلا لأدى إلى الهداية ...ألخ)[2] . هذا منه ردّ على من استدل بالآية الشريفة على عدم وجود القاصر. وقبل بيان وجه الإستدلال بالآية الشريفة والردّ على ذلك.

أقول قال الشيخ الأنصاري: (قد يقال بعدم وجود العاجز نظراً إلى العمومات الدالة على حصر الناس في المؤمن والكافر مع ما دلّ على خلود الكافرين بأجمعهم في النار بضميمة حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر فيكشف ذلك عن تقصير كل غير مؤمن وأن من تراه قاصراً عاجزاً عن العلم قد تمكن من تحصيل العلم بالحق ولو في زمان ما وان كان عاجزاً قبل ذلك أو بعده والعقل لا يقبح عقاب مثل هذا الشخص ولهذا ادّعى غير واحد في مسألة التخطئة والتصويب الإجماع على أن المخطىء في العقائد غير معذور ...ثم قال في ردّ هذا القائل: ولكن الذي يقتضيه الإنصاف شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين...ألخ)[3] . وهذا هو الإنصاف وقد ذكرنا سابقاً وجود القاصر فراجع.

وأمّا بالنسبة للآية الشريفة فوجه الإستدلال بها على عدم وجود القاصر هو أن من جاهد في سبيله تعالى بتحصيل المعرفة به وبأنبيائه وأوليائه (ع) فقد هداه الله تعالى وجعل له مخرجاً. فالمكلف إمّا عالم مؤمن وهو المجاهد في سبيل ربّه لتحصيل المعرفة وأما جاهل مقصّر كافر وهو التارك للمجاهدة بتحصيل المعرفة فلا وجود للقاصر حينئذ.

وحاصل جواب صاحب الكفاية (ره) أن المراد بالمجاهدة هو جهاد النفس الموصوف في الأخبار بالجهاد الأكبر بتخلية النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى وعد المجاهد بهدايته لسبيله لأن هذا المجاهد قد سلك إليه ومن المعلوم أيضاً أن سبحانه وتعالى لا يُخلف وعده. وعليه فليس المراد من المجاهدة في الآية الشريفة الإجتهاد والنظر في المطالب العلمية التي منها أصول الدين حتى تكون المجاهدة مؤدية إلى الواقع ولا يقع فيها الخطأ أصلاً إذ لو كان المقصود من المجاهدة النظر في المطالب العلمية لزم– بمقتضى قوله تعالى: لنهدينهم سبلنا - إصابة الإجتهاد للواقع دائماً مع وضوح التخلّف في كثير من الإجتهادات.

أقول:ان تفسير المجاهدة في الآية الشريفة بالنظر والإجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة لا يوجد ما يدل عليه ولا قرينة تشير إليه ولكن لا ينحصر تفسير الآية الشريفة بالمجاهدة مع النفس كما ذكره صاحب الكفاية (ره) بل هناك إحتمالات أخر لا يأبى عنها ظهور الاية الشريفة، وقد ذكر صاحب مجمع البيان عدّة إحتمالات للآية الشريفة.

قال:(والذين جاهدوا فينا): أي جاهدوا الكفار إبتغاء مرضاتنا وطاعة لنا وجاهدوا أنفسهم في هواها خوفاً منه. وقيل معناه اجتهدوا في عبادتنا رغبة في ثوابنا ورهبة من عقابنا (لنهدينهم سبلنا) أي لنهدينهم السبل الموصلة إلى ثوابنا عن ابن عباس. وقيل لنوفقنّهم لازدياد الطاعات فيزداد ثوابهم. وقيل معناه والذين جاهدوا في إقامة السنّة لنهدينهم سبل الجنّة. وقيل معناه والذين يعملون بما يعلمون لنهدينهم إلى ما لا يعلمون)[4] . انتهى

ثم أنه ينبغي التنبيه على بعض الأمور الأول:أنه لا شبهة في كفر الجاهل بالأصول الإعتقادية عن تقصير وترتيب أثار الكفر عليه كما أنه مستحق للعقوبة لمكان تقصيره في إخلاله بتحصيل المعرفة. الثاني لا شبهة أيضاً في كفر الجاهل بالأصول الإعتقادية عن قصور وترتيب أثار الكفر من عدم المناكحة والتوارث ونحوهما من الآثار إذ المستفاد من الأدلة ان أحكام الكفر مترتبة على غير المعترف بالحق وإطلاقها يشمل الجاهل القاصر، وأمّا بالنسبة إلى استحقاقه العقوبة والخلود في النار، فقد يقال باستحقاقه للعقوبة لما تقتضيه الآيات والأخبار الكثيرة من خلود الكافر في النار وعدم الواسطة بين المؤمن والكافر، ولكن الإنصاف أنه لا يستحق العقاب وذلك لقبح العقاب على ما هو خارج عن تحت القدرة والإختيار لكونه من أوضح مصاديق الظلم.

لا يقال أن الأدلة على خلود الكافر في النار وعدم الواسطة بين المؤمن والكافر تكشف عن تقصيره في تحصيل المعرفة لتمكنه منها ولو في بعض الأزمنة الموجب لعدم معذوريته لدى العقل فلا يوجد القاصر في الخارج حينئذٍ بل الموجود دائماً هو المقصّر.

فإنه يقال إنه مخالف للوجدان كما تقدم حيث نرى قصور بعض الأشخاص لا سيّما النساء، وعدم تمكنه من تحصيل المعرفة ولو في زمان من الأزمنة. وعليه فالقاصر موجود في الخارج. الثالث: هل يعتبر في المعرفة بالواجب تعالى ومعرفة النبي (ص) والمعاد يوم القيامة أن تكون حاصلة عن نظر واجتهاد واستدلال أم يكفي مطلق المعرفة ولو كانت ناشئة من كثرة إلقاء الوالدين وغيرهما.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo