< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة ما استثناه ابن الوليد من نوادر الحكمة

إذا عرفت ذلك فنقول: ذهب جماعة من الأعلام إلى اعتبار كل من روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، إذا لم يكن ممّن استثناه ابن الوليد من روايات محمد بن أحمد، فإن اقتصار ابن الوليد على ما ذكره من موارد الاستثناء يكشف على اعتماده على جميع روايات محمد بن أحمد غير الموارد المذكورة.

والتصحيح والاستثناء راجعان إلى مشايخه بلا واسطة، وذهب بعضهم إلى أن التصحيح والاستثناء راجع إلى كل من جاء اسمه في اسناد ذلك الكتاب منتهيا إلى الامام (ع)، كما أنهم ذهبوا إلى الحكم بضعف من استثناهم ابن الوليد.

والعمدة في الحكم في وثاقة المستثنى منه وضعف المستثنى هو ما يفهم من اعتراض أبي العباس بن نوح على ادخال محمد بن عيسى بن عبيد في المستثنى وتعليله لذلك بانه كان على ظاهر العدالة والثقة فهذا يدل على أن نفس الاستثناء كاشف عن ضعف المستثنى ووثاقة المستثنى منه، ومن اجله اعترض أبو العباس بن نوح على ادخال محمد بن عيسى بن عبيد فيهم لكونه ثقة عدلا.

واستشكل على ذلك السيد أبو القاسم الخوئي (ره) في كتابه معجم رجال الحديث حيث قال: (ولكن الظاهر عدم صحة ذلك فإن اعتماد ابن الوليد على رواية شخص لا يكشف عن حسنه فضلا عن وثاقته إذ لعله كان يبني على أصالة العدالة ويعمل برواية كل شيعي لم يظهر منه فسق فاعتماده على رواية شخص لم يعلم أنه توثيق له) انتهى.

أقول إن اجتهاد أبي العباس ابن نوح في أن سبب استثناء ابن الوليد لرواية محمد بن عيسى بن عبيد هو عدم الوثاقة، ولذا تعجّب من استثنائه لأنه على ظاهر العدالة والثقة. في غير محله بل الاستثناء لا يدل على ضعف المستثنى ولا على وثاقة المستثنى منه، وذلك لعدة أمور:

الأوّل: أنه من المعلوم أن الصحة عند المتقدمين تختلف عن الصحة عند المتأخرين، فالصحيح عند المتقدمين ما كانت الرواية صادرة عن المعصوم (ع) وان كان الراوي لها ضعيفا أو مجهولا، وبالجملة فالمناط عندهم هي القرائن الموجبة لصدور الحديث، وأما الوثاقة فهي من جملة القرائن، وعليه فتقسيم الحديث إلى الصحيح والحسن والموثق والمرسل والمضمر والمقطوع والمرفوع ونحو ذلك، إنما نشأ عند المتأخرين ولم يعرفه المتقدمون بل الصحيح عندهم عبارة عن صدور الحديث عنهم (ع) وغير الصحيح عبارة عن عدم الصدور، فلا يكشف الاستثناء حينئذ عن ضعف المستثنى باصطلاح المتأخرين.

الثاني: إن استثناء ابن الوليد لرواية محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى بن عبيد لو كان لعدم وثاقته، فلماذا قيّد الاستثناء بإسناد منقطع بل كان المفروض عدم قبول روايته مطلقة سواء كان بإسناد منقطع أم بإسناد متصل، إذا العلّة هي عدم الوثاقة وهي لا تفرق بين الصورتين.

الثالث: لو كان الاستثناء لأجل عدم وثاقة المستثنى فمن أين فهم ابن الوليد ضعف الراوي لما استثنى من روايات نوادر الحكمة ما رواه عن رجل أو بعض أصحابنا أو يقول في حديث أو كتاب ولم أروه فمن أين عرف ضعف الراوي المجهول، وهذا يحتاج إلى دعوى علم الغيب، وعليه فهذا يكشف عن أن الاستثناء لم يكن لإجل ضعف الراوي.

الرابع: روى الشيخ الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا (ع) حديثا طويلا، يقول في آخره: (وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا).

قال الصدوق: (كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد ابن الوليد رضي الله عنه سيّء الرأي في محمد بن عبد الله المسمعي راوي هذا الحديث وإنما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنه كان في كتاب الرحمة وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي) انتهى.

فلو كان الملاك في ردّ الحديث هو ضعف الراوي فلماذا لم ينكر هذا الحديث الذي راوه المسمعي بل رواه له، وهذا يكشف عن أن الملاك في قبول الرواية وعدمها هو القرائن، ثم اعلم ان هذا الحديث استدل به الاخباريون على وجوب التوقف والاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية بعد الفحص.

الخامس: أنه يظهر من كلام الشيخ في الفهرست حيث قال: (محمد بن أحمد بن يحيى) إلى أن قال: (له كتاب نوادر الحكمة وهو يشتمل على كتب) إلى أن قال: (وأخبرنا بها جماعة عن أبي جعفر بن بابويه عن أبيه ومحمد بن الحسن عن أحمد بن أدريس ومحمد بن يحيى عنه وقال أبو جعفر بن بابويه إلا ما كان فيها من غلّو أو تخليط...الخ).

إن استثناء الغلّو والتخليط راجع إلى الكتب التي اشتمل عليها نوادر الحكمة، وعليه فعدم الاستثناء لا يدل على أن اعتبار بقية الروايات من جهة اعتبار اسانيدها ووثاقة رواتها بل يدل على أن هذه الروايات الموجودة في هذه الكتب مثل الروايات الموجودة في كتاب الكافي والفقيه فتكون من جملة الكتب المعتبرة لوجود قرائن تدل على ذلك.

السادس: لو كان المستفاد من استثناء ابن الوليد وثاقة المستثنى منه لكان اللازم هو الحكم بوثاقة كل من وقع في كتاب نوادر الحكمة عدا من أستثني ولا ينبغي الاقتصار على مشايخه المباشرين لأن من جملة من استثناهم ابن الوليد رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن وهب بن منبّه، وهو يروي عن الامام الصادق (ع) ولا يمكن أن يكون من مشايخه المباشرين مع أن الحكم بوثاقة كل من وجد في الكتاب عدا من استثنى لا يمكن قبوله، وذلك لوجود أكثر من عشرة أشخاص معروفين بالضعف ووجود أكثر من أربعين شخصا مجهولي الحال.

وممّا يوكد ما ذكرناه من عدم كون الاستثناء لأجل التضعيف وان استثناء رواية محمد بن عيسى اليقطيني من كتاب نوادر الحكمة لا يدل على ضعفه ما ذكره النجاشي (ره) في حقه حيث قال: (محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى أسد بن خزيمة أبو جعفر جليل في أصحابنا ثقة عين كثير الرواية حسن التصانيف روى عن أبي جعفر الثاني (ع) مكاتبة ومشافهة وذكر أبو جعفر بن بابويه عن أبن الوليد أنه قال: ما تفرّد به محمد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه ورأيت أصحابنا ينكرون هذا ويقولون من مثل أبي جعفر محمد بن عيسى سكن بغداد. قال أبو عمرو الكشي نصر بن الصباح يقول ان محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين اصغر في السنّ أن يروي عن ابن محبوب قال أبو عمرو قال القتيبي كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول ليس في أقرانه مثله وبحسبك هذا الثناء من الفضل رحمه الله...الخ).

إن قلت إن الشيخ رحمه الله ضعّفه في أكثر من مناسبة. قلت تضعيف الشيخ مبني على ما صدر من الشيخ الصدوق من متابعة استاذه ابن الوليد كما هي عادته لحسن ظنه به، وقد ذكرنا سابقا ان استثناء ابن الوليد لا يدل على جرحه ومن هنا احتمل بعض الاعلام ان استناد ترك ابن الوليد رواية محمد بن عيسى بن يونس مبني على اعتقاد ابن الوليد توقف جواز الرواية على القرائة على الشيخ أو قراة الشيخ عليه وكون السامع فاهما لما يرويه وكان لا يعتبر الإجازة المشهورة بأن يقول أجزت لك أن تروي عنّي.

وكان محمد بن عيسى عند تحمله الرواية عن يونس صغير السن فترك ابن الوليد روايته عن يونس لعدم اعتماده على فهمه لصغره وعدم اكتفائه بإجازة يونس، وقد جزم بعض المحققين المتأخرين بكون ما ذكر هو السبب في ترك ابن الوليد رواية محمد بن عيسى عن يونس، واستشهد لذلك بما حكاه الكشي عن نصر بن الصباح حيث قال: (محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أصغر في السنّ من أن يروي عن ابن محبوب) انتهى.

ومن المعلوم ان يونس أقدم من ابن محبوب طبقة فيكون محمد بن عيسى عند روايته عن يونس صغيرا بطريق أولى، ولكن الانصاف ان هذا الكلام لا يصمد أمام التحقيق، وذلك لأن محمد بن عيسى اليقطيني من أصحاب أبي الحسن الرضا (ع) ولا يكون من أصحابه عادة إلا إذا كان عمره عند وفاة ابي الحسن الرضا (ع) ما يقارب العشرين سنة، فإذا كانت وفاة الرضا (ع) سنة اثنتين ومائتين للهجرة فيكون ولادة محمد بن عيسى تقريبا سنة ثمانين ومائة للهجرة على ما يشهد بذلك أيضا بعض القرائن، وممّا يدل على أنه من أصحاب الرضا (ع).

ما رواه الشيخ في التهذيب والاستبصار بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى اليقطيني، قال: (بعث إليّ أبو الحسن الرضا (ع) رزم ثياب وغلمانا ودنانير وحجّة لي وحجّة لأخي موسى بن عبيد وحجّة ليونس بن عبد الرحمن، فأمرنا أن نحج عنه فكانت بيننا مائة دينار أثلاثا فيما بيننا فلما أردت أن أعبي الثياب رأيت في أضعاف الثياب طينا فقلت للرسول ما هذا فقال ليس يوّجه بمتاع إلا جعل فيه طينا من قبر الحسين (ع) ثم قال الرسول: قال: أبو الحسن (ع) هو أمان بإذن الله وأمر بالمال بأمور في صلات أهل بيته وقوم محاويج لا مونة لهم وأمر بدفع ثلاثماية دينار إلى رحيم (رخم) زوجة كانت له وأمرني أن أطلقها عنه وأمتّعها بهذا المال وأمرني أن أشهد على طلاقها صفوان بن يحيى ورجل آخر نسي محمد بن عيسى اسمه).

وهذه الرواية صحيحة ويفهم منها أنه كان من أصحابه ويفهم منها أيضا تعديل الإمام (ع) لمحمد بن عيسى، حيث اعتمد عليه في جميع الأمور المذكورة في الصحيحة كما هي واضحة في تعديل صفوان بن يحيى، وعليه فإذا كانت ولادة محمد بن عيسى اليقطيني في حدود المائة وثمانين للهجرة تقريبا فيكون عمره عند وفاة الحسن بن محبوب وهي سنة أربع وعشرين ومائتين أربعا وأربعين سنة، وعند وفاة يونس بن عبد الرحمن وهي سنة ثمان ومائتين ثمانيا وعشرين سنة تقريبا.

فكيف يصح قول نصر أته كان أصغر من ان يروي عن ابن محبوب، وكيف يصح حمل ردّ ابن الوليد رواياته عن يونس بكونه صغيرا والانصاف ان ردّ ابن الوليد رواياته عن يونس هو ما يرويه بإسناد منقطع لا مطلقا أو ما كان في أحاديثه من غلّو أو تخليط ونحو ذلك، والله العالم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo