< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/02/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة أخبار الأحتياط

وجدت بخط الشهيد محمد بن مكي قدس سرّه حديثا طويلا عن عنوان البصري عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) يقول فيه: (سل العلماء ما جهلت وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة وإياك أن تعمل برأيك شيئا وخذ بالاحتياط في جميع أمورك ما تجد إليه سبيلا واهرب من الفتيا هريك من الأسد ولا تجعل رقبتك عتبة للناس)[1] . وهي ضعيفة بالإرسال وبجهالة عنوان البصري، وكذا غيرها من الروايات الواردة في المقام.

والانصاف ان هذه الطائفة من الروايات لا تدل على وجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية بعد الفحص، أمّا صحيحة عبد الرحمان بن الحجاج فموردها الشبهة الوجوبية، ومن المعلوم أنه لا يجب الاحتياط فيها باتفاق الأصوليين والاخباريين، وعليه فكيف يستدل برواية يكون موردها خارجا عنها.

وتوضيحه أن الجزاء المفروض في المقام إمّا أن يكون نفس البدنة أو قيمتها، فإن قلنا بوجوب إعطاء القيمة فالشك في مورد السؤال يرجع إلى الأقل والأكثر الغير الارتباطيين، لأن اشتغال ذمّة كل منهما بنصف قيمة البدنة متيقن ويشك في اشتغال الذمّة بالزائد نظير تردد الدين بين الأقل والأكثر.

وأما إن قلنا بوجوب إعطاء نفس البدنة فالشك في مورد السؤال يرجع إلى الأقل والأكثر الارتباطيين، لأنه يدور الامر بين وجوب إعطاء تمام البدنة على كل منهما أو نصفها، وعلى تقدير كون الواجب هو تمام البدنة لا يجزي الأقل ولا يسقط به التكليف نظير تردد أجزاء الصلاة بين الأقل والأكثر، وعلى كل حال سواء كانت المسألة من باب الأقل والأكثر الارتباطيين أو الاستقلاليين، فالبرائة تجري في الأكثر ويكون مورد الرواية الشبهة الوجوبية فكيف يستدل بالصحيحة على وجوب الاحتياط مع أن موردها يجري فيه البرائة بالاتفاق.

وهناك اشكال آخر في المقام، وهو أن محل البحث هو الشبهة البدوية بعد الفحص والتي لم يسبق العلم بالتكليف في موردها كالشك في حرمة شرب التتن. ولكن مورد الصحيحة هو ما إذا علم بالتكليف في الجملة وان تردد متعلقه بين الأقل والأكثر فيمكن الالتزام بوجوب الاحتياط في مورد الصحيحة وعدم وجوب الاحتياط في محل البحث.

وأما موثقة عبد الله بن وضاح فإن الشبهة في موردها أما أن تكون موضوعية بأن كان السائل يعلم حدّ الغروب شرعا ولكن لا يدري أنه هل يتحقق ذلك بارتفاع الحمرة فوق الجبل وآذان المؤذنين أم لا يتحقق وهل يصلي حينئذ ويفطر مع هذا الشك والترديد أم لا. وأما ان تكون الشبهة حكمية بأن لم يعلم السائل حدّ الغروب شرعا المسوّغ للصلاة والافطار.

وعليه فإن كانت الشبهة موضوعية - كما لعلّه الأقرب بقرينة استبعاد تقرير الامام (ع) الجاهل على جهله في الشبهات الحكمية فإنه على الامام (ع) رفع الشبهة وتبيين الاحكام للجاهلين لا الأمر بالاحتياط – فالاحتياط فيها واجب على كل حال لاستصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل ومع جريان الإستصحاب لا يبقى موضوع للبرائة، مع انه لو كانت الشبهة موضوعية وقطعنا النظر عن الاستصحاب فالاحتياط فيها غير واجب باتفاق الأصوليين والاخباريين.

وأما ان كانت الشبهة حكمية بأن يكون المراد من الحمرة المرتفعة هي الحمرة المشرقية التي لا بدّ من زوالها في تحقق االغروب فلا محالة يكون السؤال حينئذ عن وقت المغرب الذي تجب الصلاة فيه ويجوز الإفطار عنده، وأنه هل يتحقق باستتار القرص - كما هو المعروف عند العامّة- أو لا بدّ من ذهاب الحمرة المشرقية – كما هو المشهور عند الخاصة - فالإمام (ع) في مقام رفع هذه الشبهة وبيان ان الحمرة المشرقية لا بدّ من زوالها في جواز الإفطار وصحة الصلاة يبين الحكم الشرعي بلسان الامر بالاحتياط، وقال: (تأخذ بالحائطة لدينك)[2] [3] .

وعليه فالتأخير إلى ذهاب الحمرة واجب وأما الامر بالاحتياط فإنما هو للتقية إذ لولاها لكان اللازم هو الجواب بالحكم الواقعي لا تقرير السائل وإبقائه على جهله وأمره بالإخذ بالاحتياط، فإن ذلك بعيد عن شأن الامام (ع) ويشهد لذلك أيضا أمارات أخر.

منها شدّة التقية في زمانه (ع). ومنها اشتهار الحكم باستتار القرص بين العامّة فأمر (ع) بالاحتياط لكي يتخيّل لهم أن الامر بالانتظار إنما كان لأجل الاحتياط وحصول اليقين باستتار القرص لا لاجل أن المغرب لا يتحقق إلا بذهاب الحمرة المشرقية. ومنها تعبيره (ع) بقوله: (أرى لك ...الخ)، حيث يستشم من مثل هذا التعبير رائحة التقية وانه كان ذلك منه لخوفه من إظهار الحق ببيان الحكم الواقعي خصوصا في المكاتبات التي كان الاتقاء فيها ما لا يكون في غيرها.

وعليه فقوله (ع): (أرى لك أن تأخذ بالحائطة لدينك)، يكون بيانا لوجوب الانتظار إلى ذهاب الحمرة المشرقية والتعبير بالاحتياط لاجل التباس الإمر على العامّة. ومن المعلوم خروج ذلك حينئذ عن محل البحث في المقام.

وأما مرسلة الشهيد والتي فيها: (واهرب من الفتيا هربك من الأسد)[4] فمضافا إلى ضعفها كما عرفت، فإن الهروب من الفتيا فيها إن كان عن الحكم الواقعي عند عدم العلم به فمرحبا بالهروب وهو ممّا يعترف به المجتهدون.

ولكن الكلام في المقام ليس عن الحكم الواقعي وانما الكلام والنزاع بين الاصولي والاخباري في إثبات الترخيص الظاهري وعدم وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية التحريمية بعد الفحص، فالاصولي يقول إنه ثبت عندي الترخيص الظاهري بمقتضى أدلة البرائة ولا معنى للهروب حينئذ بل هو قبيح في نظرهم.

وأما رواية أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري: (أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت)[5] ، ومرسلة الشهيد: (ليس بناكب عن الصراط من سلك سبيل الاحتياط)[6] . فمضافا إلى ضعفهما سندا لا يمكن حمل الامر بالاحتياط فيهما وفي غيرهما أيضا على المولوي وذلك لأمرين:

أحدهما ان حسن الاحتياط ممّا استقل به العقل وظاهر هذه الروايات هو الارشاد إلى هذا الحكم العقلي، فيكون تابعا لما يرشد إليه وهو يختلف


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo